يصاب المتابع لما يحدث فى بلدة عين العرب (كوبانى) بحيرة شديدة، فالبلدة رغم أنها استراتيجية لكنها لم تكن بحجم أهمية مدينة الموصل العراقية التى سقطت فى يد تنظيم «داعش» دون أن نرى مثل هذه التعليقات الحماسية من جانب تركيا أو الولاياتالمتحدة، وهو ما ينبئ بأن المعركة تأخذ بعداً آخر. الرئيس التركى رجب طيب أردوغان قال إن الحل يكمن فى التدخل العسكرى البرى فى سوريا، وهو بذلك يبحث عن تحقيق هدفه منذ اندلاع الثورة السورية بداية 2011، فهو يحاول السيطرة على سوريا بأى طريقة كانت، وحينما فشل فى إقناع الولاياتالمتحدة بالتدخل العسكرى فى سوريا وجد ضالته فى تحركات الدواعش فى كوبانى ليعطى لنفسه مبرراً لحماية الأكراد بالتدخل فى سوريا، رغم علم الجميع بأن دولة أردوغان أول من اضطهد الأكراد وتكن لهم عداء شديدًا، وهو ما يؤشر إلى أن هذه المعركة المسماة بمعركة كوبانى ما هى إلا خيط رفيع سيسلك من خلاله الأتراك طريقهم للتواجد العسكرى فى الأراضى السورية بحجة دعم الأكراد الذين ذاقوا الأمرين على يد تركيا. يشار إلى أن المعركة بدأت منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا حينما حاول «داعش» السيطرة على البلدة لكنهم واجهوا مقاومة كردية شرسة، وبلدة عين العرب، أو مثل ما يطلق عليها الأكراد «كوبانى»، تقع على الحدود السورية التركية، وهى من ناحية إدارية تابعة لمحافظة حلب، تبعد عن مدينة حلب 150 كلم، وتتألف من 384 قرية صغيرة، ويتجاوز سكانها 460 ألف نسمة، أغلبيتهم من أكراد سوريا، والاستيلاء على المدينة يؤمن بلا شك تواصلا جغرافيا فى المناطق الواقعة على الحدود. وتكمن أهمية كوبانى الاستراتيجية فى أنها ثالث مدينة سورية ذات أغلبية كردية بعد القامشلى وعفرين، وتعتبر عين العرب وقراها من مناطق الثقل للفصائل الكردية، وسيطرة المتطرفين على المدينة تمكنهم من ربط المناطق الخاضعة لسيطرتهم على الحدود السورية التركية بداية من عين العرب وحتى أعزاز، مروراً فى الراعى، بمسافة تصل إلى 136 كلم، وبالتالى تأمين شريط جغرافى حدودى مع الحدود التركية. وفى المقابل ل«عين العرب»، أو كوبانى بالكردية، أهمية مفصلية فى الوجدان الكردى عامة والكردى السورى خاصة، فالمدينة والمنطقة المحيطة بها تقعان فى صلب المشروع الاستقلالى الكردى العلمانى، ومن خلال ضرب هذه المدينة الكردية بامتياز يضرب «داعش» هذا الحلم الكردى التاريخى، ويكسر بذلك فكرة القومية الكردية باسم مشروعه الإسلامى، مبرهنا أن صراعه مع الفصائل الكردية ليس عرقيًا بل دينيًا عقائديًا، لذلك بات مفهوما أن تركيا تسعى للتدخل العسكرى لتحقيق هدفين، الأول هو السيطرة على المنطقة الكردية الكبرى على الحدود ليسهل لها بعد ذلك قمعهم أينما شاءت، والثانى هو منع دخول الدواعش الأراضى التركية، وإبقاء المعركة داخل سوريا، من خلال دخول القوات التركية داخل العمق السورى لإبقاء المعركة فى هذه المنطقة.