نقلا عن اليومى.. كان الخديو إسماعيل شغوفا بأوروبا فعشق الفن فيها وقدر دوره فى نهضتها، فتطلع أن تكون مصر قطعة براقة منها لتصبح مدينة عصرية تشرق على العالم. حينما زار إيطاليا أعجبته أوبرا لاسكالا بميلانو، فبات مولعا بها حد الجنون فأمر بإنشاء مثيلتها. بالفعل بدأ بناؤها عام 1867 وأمر إسماعيل المهندس المستورد أن ينهى أعمال البناء قبل سنتين كى تواكب احتفالات افتتاح قناة السويس عام 1869 وافتتحت بالفعل فى ميعادها المحدد، وأطلق إسماعيل عليها الأوبرا الخديوية، حيث اختار الخديو قصة من تاريخ مصر القديم لتكون نواة لمسرحية شعرية، تقدم فى حفل الافتتاح، فوقع الاختيار على الأوبرا الخالدة «عايدة» . عند الافتتاح دهش الجميع لأن الأوبرا كانت تحفة معمارية لا تقل عن مثيلاتها فى العالم لاحتوائها مسرحا من أوسع مسارح العالم، حيث كان يحتوى على 850 مقعدا، فكانت مصر أول بلد عربى وأفريقى ينشئ دار أوبرا فأصبحت علامة بارزة فى الحياة الفنية فى مصر. تم افتتاح الأوبرا الخديوية فى الأول من نوفمبر 1869 مع احتفالات قناة السويس، ثم افتتحت رسميا فى 21 ديسمبر 1871 فى حضور الإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولى عهد روسيا ورؤساء الدول وتم تقديم أوبرا عايدة، إضافة إلى أوبرا «ريجوليتو» الإيطالية من تأليف الموسيقار «فيردى» أيضا، فى الافتتاح الرسمى الذى حضره الخديو إسماعيل. لكن للأسف تعرضت الأوبرا لحريق هائل فى فجر 28 أكتوبر الأول 1971م، دمر المبنى البديع المقام على الطراز الإيطالى، وبنى مكانه جراج للسيارات، ولم يتبق منها سوى تمثالا «الرخاء» و«نهضة الفنون» للفنان محمد حسن وكان هذان التمثالان مثبتين بمدخل الأوبرا الخديوية، وحفظا فترة طويلة فى حديقة مسرح الطليعة إلى أن ثبتا أخيرا فى ساحة مبنى المركز الثقافى القومى، وكأنهما حلقة وصل بين تاريخ وأصالة الأوبرا الخديوية والأوبرا الجديدة، وظلت القاهرة بدون دار للأوبرا قرابة عقدين من الزمن، إلى أن تم افتتاح دار أوبرا القاهرة فى 10 أكتوبر 1988. أما مكان الأوبرا القديم فقد تم بناء جراج متعدد الطوابق للسيارات ذى تصميم بائس، عكس الشكل المميز الفخم للأوبرا القديمة. أسماء فى رئاسة الأوبرا القديمة يعتبر «بافلوس» اليونانى الجنسية، أول من تولى الإشراف على بنائها وإدارتها، ثم توالت على رئاستها أسماء مختلفة لأجانب، منهم المؤلف الموسيقى «بسكوالى كلمنته» من عام 1886 إلى عام 1910م. أما أول مصرى يرأس الأوبرا فهو منصور غانم، ولم يستمر أكثر من عام ثم الفنان «سليمان نجيب» خلال الفترة من 1938 إلى عام 1954، ثم تولى إدارتها الشاعر عبدالرحمن صدقى، يليه المهندس «محمود النحاس» عام 1956م، وتعتبر فترة رئاسته من أزخر الفترات بالباليه الروسى، ثم جاء «صالح عبدون» من هواة الموسيقى. ومع إنشاء الأوبرا الحديثة فى عام 1988 كان من الطبيعى أن تسند رئاستها لواحدة من ألمع وأهم خبراء الموسيقى فى العالم العربى وهى الدكتورة رتيبة الحفنى، التى استمرت من 88 حتى 1990، وظلت تشرف على قطاعات فيها وأنشطة منها مهرجان الموسيقى العربية، وكانت مستشارة لها، بحكم خبرتها وكأول رئيسة للأوبرا الجديدة. وقد خلفها الدكتور ناصر الأنصارى، الذى تولى رئاستها فترة تعد طويلة نسبيا وهى من 1991 وحتى 1997، ثم تولاها الدكتور سمير فرج وهو لواء جيش وهى فترة شهدت نشاطا مهما وتطورا وازدهارا فى شتى المجالات وهى من 1997 وحتى 2004، كما كانت الفترة التى تولى فيها الدكتور عبدالمنعم كامل من الفترات المهمة، حيث تعاونت فيها الأوبرا مع أوبرات عالمية كالمتروبيلتان وأخرج بنفسة قبيل رحيله أكثر من عمل فنى، إذ لم يقتصر وجوده على كونه رئيسا للأوبرا، بل وفنانا عالميا له أعماله استمرت نجاحاته حتى رحيله فى العام الماضى، وتعد الدكتورة إيناس عبدالدايم، أول سيدة مصرية بعد الدكتورة رتيبة الحفنى تتولى الأوبرا، وتقدم أنشطة مهمة فى ظروف صعبة توقع فيها كثيرون أن يتوقف نشاط الأوبرا بسبب الثورة وقرب مكانها من ميدان التحرير!