رغم شراسة الحملة الإسرائيلية على قطاع غزة، والتى خلفت وراءها 116 شهيداً فضلاً عن مئات الجرحى، إلا أن تل أبيب، التى يقبع رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت على عرشها، لا تزال هى الأضعف فى تلك المعادلة، فالحملة العسكرية على غزة ما هى إلا انعكاس للداخل الإسرائيلى الذى يتداعى منذ حرب لبنان وتقرير فينوجراد. ومنذ صدور تقرير فينوجراد عن فشل إسرائيل فى حرب لبنان 2006، يسعى أولمرت المدنى الأول فى رئاسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لإثبات أنه قادر على معالجة الوضع الأمنى، كما يتعرض لضغوط من الأحزاب المشاركة فى الائتلاف الحكومى للاستمرار فى التصعيد. ومحرقة غزة هى جزء من محاولات أولمرت للحصول على التفاف جماهيرى مع الإحساس باقتراب الانتخابات الإسرائيلية، فكلما اقترب موعد الانتخابات كلما زادت الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. غير أن العملية العسكرية على غزة لم تؤت ثمارها التى ينتظرها أولمرت، حيث اعترف وزير الدفاع إيهود باراك بأنه قد يلجأ إلى استدعاء قوات أخرى من جيش الاحتياط. كما أكد الضابط إيلام ملكا، الذى أشرف على قوات لواء درع جفعاتى شمال القطاع على مدار 3 أيام من العدوان، أن الجيش الإسرائيلى يواجه لأول مرة جيشا حقيقيا بكل معنى الكلمة. وقال ملكا فى حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلى الاثنين :"لقد قاتلوا بشراسة وبشكلٍ منظم، فعناصر المقاومة الفلسطينية هم جنود حقيقيون فى ساحة القتال. ولم تغب عن الأذهان نجاة وزير الأمن الداخلى أفى ديختر الخميس الماضى من صاروخ للمقاومة الفلسطينية على مستوطنة سديروت شمال شرق قطاع غزة" . ويرى كثيراً من الخبراء الإسرائيليين أنه لا شىء يسمح لهيئة الأركان وحكومة إيهود أولمرت بالابتهاج. ويعتبر البروفسور مناحيم كلاين من جامعة بار إيلان فى تل أبيب "أن إسرائيل تتصرف كعملاق أعمى يضرب بقوة دون هدف سياسى". ويقول إن "كل هذه العملية لم تكن مجدية، فهى لم توقف إطلاق الصواريخ، بل وأضعفت الرئيس الفلسطينى محمود عباس الطرف الأصلح للتفاوض بشكل كبير". وأيد الجنرال فى الاحتياط والمسئول الكبير فى الاستخبارات العسكرية سابقا ياكوف اميدرور هذا الكلام، وأضاف، لوكالة الأنباء الفرنسية، " أن أولمرت سيضطر فى نهاية المطاف لبدء مفاوضات مع حماس أو إعادة احتلال غزة". أما الرئيس السابق لجهاز التخطيط فى الجيش شلومو بروم، فقال إنه "لم تكن لدى الجيش نية السيطرة على الأرض". مؤكداً ضرورة فتح حوار مباشر أو عبر وسيط مع حماس. ومن جانبها، أشارت المستشرقة ايمانويل سيفان، فى مقابلة مع القناة العاشرة الإسرائيلية، إلى "أن الحل الوحيد هو التفاوض مع حماس ليس بهدف اتفاق سلام، وهو أمر مستحيل بالنظر إلى مواقف هذه الحركة، وإنما بهدف وقف إطلاق نار لمصلحة الطرفين". كل الافتراضات أمام تل أبيب لم ولن تلغى سلاح المقاومة الفلسطينية، فالصواريخ الآن تنهال على المجدل وسديروت، بمعنى أن 400 ألف مستوطن أصبحوا أهدافا لها بعد أن كان 150 ألفا فقط. وكل السبل أمام أولمرت لا تؤدى سوى إلى تراكم الفشل من فينوجراد إلى غزة أمام الرأى العام الإسرائيلى والدولى، ولكن الغريب أن الدم الفلسطينى لم يوحد مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، ومن ورائها فتح، مع حركة حماس حتى ولو بالتصريحات.. ولا تزال شروط الحوار قائمة، ولا تزال غزة معزولة.