تنسيق الدبلومات الفنية 2025 .. كليات ومعاهد دبلوم تجارة 3 سنوات وتوقعات الحد الأدنى للقبول    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الأربعاء 20-8-2025 صباحًا للمستهلك    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 20-8-2025 في البنوك    مذكرة تفاهم للتعاون بين «قناة السويس» وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    إسرائيل تستدعي 60 ألف جندي من الاحتياط ضمن الاستعدادات لاحتلال غزة    مصر تجهز مئات الشاحنات يوميا والاحتلال مستمر في «هندسة التجويع»    القنوات الناقلة مباشر لمباراة الأهلي والقادسية في نصف نهائي السوبر السعودي 2025    محافظ القاهرة يعتمد امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية    ويجز يحيي حفلا بمهرجان العلمين الجمعة 22 أغسطس (اعرف شروط الدخول)    قبل عرض الحلقة الأخيرة من «بتوقيت 2028».. تفاصيل ثالث حكايات «ما تراه ليس كما يبدو»    مزاج المصريين.. قهوة الفلتر الخيار الأمثل وطريقة خطأ لتحضير «الإسبريسو» تعرضك للخطر    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 20 أغسطس في بداية التعاملات    الرهائن ال20 والإعمار، ويتكوف يكشف وصفة إنهاء حرب غزة    البيت الأبيض يُطلق حسابًا رسميًا على "تيك توك".. وترامب: "أنا صوتكم لقد عدنا يا أمريكا"    "تفوق أبيض وزيزو الهداف".. تاريخ مواجهات الزمالك ومودرن سبورت قبل مباراة الدوري    نجم الزمالك ينعى محمد الشناوي في وفاة والده    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك ومودرن سبورت بالدوري    تحدث بصوتك لغة أخرى، إطلاق الدبلجة الصوتية في فيسبوك وإنستجرام    صعبة وربنا يمنحني القوة، كاظم الساهر يعلن مفاجآت للجمهور قبل حفله بالسعودية (فيديو)    حمزة نمرة عن أحمد عدوية: أستاذي وبروفايل مصري زي الدهب»    د.حماد عبدالله يكتب: كفانا غطرسة.. وغباء !!    المناعة الذاتية بوابة الشغف والتوازن    31 مليون جنيه مصري.. سعر ومواصفات ساعة صلاح في حفل الأفضل بالدوري الإنجليزي    تبكير موعد استدعاء 60 ألف جندي احتياطي إسرائيلي لاحتلال غزة    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    مجلس القضاء الأعلى يقر الجزء الأول من الحركة القضائية    10 صور ترصد استعدادات قرية السلامية بقنا للاحتفال بمولد العذراء    محاكمة المتهم بابتزاز الفنان طارق ريحان اليوم    موعد بدء تنسيق المرحلة الثالثة 2025 ونتيجة تقليل الاغتراب (رابط)    فلكيا.. موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة الرسمية للموظفين والبنوك    خلال بحثه عن طعام لطفلته.. استشهاد محمد شعلان لاعب منتخب السلة الفلسطيني    محافظ شمال سيناء يلتقى رئيس جامعة العريش    حسام المندوه: بيع «وحدت أكتوبر» قانوني.. والأرض تحدد مصير النادي    ترامب يترقب لقاء بوتين وزيلينسكي: «أريد أن أرى ما سيحدث»    مصطفى قمر يهنئ عمرو دياب بألبومه الجديد: هعملك أغنية مخصوص    مصدر أمني ينفي تداول مكالمة إباحية لشخص يدعي أنه مساعد وزير الداخلية    الإليزيه: ربط الاعتراف بفلسطين بمعاداة السامية مغالطة خطيرة    جولة ميدانية لنائب محافظ قنا لمتابعة انتظام عمل الوحدات الصحية    أكلة لذيذة واقتصادية، طريقة عمل كفتة الأرز    بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها    المقاولون يهنئ محمد صلاح بعد فوزه بجائزة أفضل لاعب فى الدوري الإنجليزي    أحمد العجوز: لن نصمت عن الأخطاء التحكيمية التي أضرتنا    موعد مباراة منتخب مصر أمام الكاميرون في ربع نهائي الأفروباسكت    1 سبتمر.. اختبار حاصلى الثانوية العامة السعودية للالتحاق بالجامعات الحكومية    بعيدًا عن الشائعات.. محمود سعد يطمئن جمهور أنغام على حالتها الصحية    هشام يكن: أنا أول من ضم محمد صلاح لمنتخب مصر لأنه لاعب كبير    حملة مسائية بحي عتاقة لإزالة الإشغالات وفتح السيولة المرورية بشوارع السويس.. صور    «مصنوعة خصيصًا لها».. هدية فاخرة ل«الدكتورة يومي» من زوجها الملياردير تثير تفاعلًا (فيديو)    تخريج دفعة جديدة من دبلومة العلوم اللاهوتية والكنسية بإكليريكية الإسكندرية بيد قداسة البابا    رئيس وكالة «جايكا» اليابانية مع انعقاد قمة «التيكاد»: إفريقيا ذات تنوع وفرص غير عادية    السيطرة على حريق بأسطح منازل بمدينة الأقصر وإصابة 6 مواطنين باختناقات طفيفة    حدث بالفن| سرقة فنانة ورقص منى زكي وأحمد حلمي وتعليق دينا الشربيني على توقف فيلمها مع كريم محمود عبدالعزيز    تحتوي على مواد مسرطنة، خبيرة تغذية تكشف أضرار النودلز (فيديو)    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصفُ شمسٍ صفراء
نشر في اليوم السابع يوم 16 - 01 - 2010

هنا فصلٌ من رواية نيجيرية كتبتها بالإنجليزية روائيةٌ نيجيرية شابة هى تشيمامندا نجوزى آديتشي، التى بشّر بها أبو الأدب الأفريقى الحديث تشينوا آتشيبى قائلا: "إن هذه الروائية قد ولدت ناضجةً." حصدت الرواية جائزة الأورانج البريطانية الرفيعة عام 2004، وتقع النسخة الإنجليزية فى 550 صفحة من القطع المتوسط، وتصدر قريبًا، بالعربية، من ترجمة فاطمة ناعوت، عن سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب، التى تشرف عليها د. سهير المصادفة. تقع أحداث الرواية قبل وأثناء الحرب الأهلية النيجيرية التى دارت رحاها بين عامى 1967، 1970. وبرغم دموية الأحداث التى واكبت المذابح والانتهاكات التى ارتكبتها قبائل الهاوسا فى أهالى قبائل الإيبو، الذين كانوا يطمحون إلى استقلالهم وتكوين دولة بيافرا، ويحمل علمها رمز "نصفُ شمسٍ صفراء"، وهو عنوان الرواية، برغم تلك الدموية فى الأحداث، إلا أن الروائية استطاعت ببراعة ألا تُغرقَ القارئَ فى تلك الأجواء الكابية، عن طريق سرد الأحداث على لسان طفل صغير هو "آجوو" الذى يعمل خادمًا لدى بروفيسور رياضيات نيجيرى مثقف. يتأمل الطفل ما يجرى حوله، ويتنصت على سيده أودينيبو، وسيدته أولانا، وأصدقائهما الأكاديميين فى غرفة الصالون ثم يحاول أن يفهم معنى الحرب والمجازر والاغتصاب. يكبر الصبيُّ، ويكبر وعيه بالحدث، ويكبر معه وعينا، نحن القراء، بتلك المأساة التى عاشها شعبٌ مضطهد حَلُم
أجرت أولانا المشطَ الخشبى فى شعر بيبى بمنتهى الرقة الممكنة، وكانت ثمة خصلة ضخمة عالقة بأسنان المشط. وكان آجوو جالسا على المصطبة يكتب. مرَّ أسبوعٌ وكاينين لم تعد. كانت الرياح أهدأ اليوم، لم تجعل شجر الجوز يتأرجح، لكنها نثرت الرمال فى كل مكان وكان الجو مليئًا بالحصى وبالشائعات أن فخامته لم يكن قد ذهب بحثًا عن السلام لكنه هرب. كانت أولانا تعلم أن هذا غير ممكن. تؤمن، بنفس الحسم والهدوء اللذين تؤمن بهما أن كاينين سوف تعود سريعًا، أن رحلة فخامته سوف تكون نجاحًا. وأنه سوف يعود بوثيقة موقَّعة تعلن أن الحرب قد انتهت، وهذا سوف يعلن بيافرا الحرة. سوف يعود بالعدالة وبالملح.
مشطت شعر بيبي، وأيضًا سقط بعضُه. حملت أولانا الخصلة النحيلة فى يدها، البنية الصفراء الملونة بالشمس التى لا تشبه شعر بيبى الطبيعى فاحم السواد. كانت كاينين قد أخبرتها قبل أسابيع أن هذه إشارة للحكمة القصوى، شعر بيبى بدأ فى السقوط وهى بعدُ فى السادسة من عمرها، وفيما بعد ذهبت كاينين للبحث عن أقراص بروتين من أجل بيبي.
نظر آجوو إلى أعلى عبر ما يكتب. "ربما عليك ألا تضفرى شعرها يا ماه."
"نعم. ربما لهذا السبب يسقط، الضفائر الكثيرة جدًّا."
"شعرى لا يسقط!" قالت بيبي، وربتت على شعرها.
وضعت أولانا المشط. "ظللت أفكر فى شعر رأس الطفلة التى رأيتها فى القطار؛ كان كثيفًا جدًّا. لابد كان عملاً شاقًّا على أمها لكى تضفره."
"كيف كان مضفورًا؟" سأل آجوو.
أدهش السؤالُ أولانا أول الأمر، ثم اكتشفت أنها تتذكر بجلاء الآن كيف كان مضفورًا فبدأت تصفُ تسريحةَ الشعر، وكيف أن بعض الضفائر كانت ساقطةً على الجبهة. ثم وصفت الرأس نفسه، العينين المفتوحتين، البشرة الرمادية. كان آجوو يكتب وهى تتكلم، كتابتُه، وجديةُ اهتمامه، فجأة جعلتْ حكايتَها مهمةً، جعلتها كأنما تخدم هدفًا أكبر، ولذلك أخبرته بكل ما تذكر عن القطار المليء بالناس الذين بكوا وصرخوا وبالوا على أنفسهم.
كانت ما تزال تتحدث حينما عاد أودينيجو وريتشارد. كانا يتمشيان؛ بعدما غادرا فى البيجو مبكرًا فى النهار ليبحثا عن كاينين فى مستشفيات أهيارا.
وثبت أولانا. "هل؟"
"لا،" قال ريتشارد ودخل.
"أين السيارة؟ هل أخذها الجنود؟"
"نفد الوقود فى الطريق. سوف أجد وقودًا وأعود لآخذها،" قال أودينيجو. عانقها. "رأينا مادو. قال إنه واثق من إنها على الجانب الآخر. لابد أن الهمج أغلقوا الطريق الذى ذهبت عبره وهى ما تزال تنتظر أن ينفتح طريق آخر. هذا يحدث طوال الوقت."
"نعم بالطبع." التقطت أولانا المشط وراحت تفكك شعرها المتلبد. كان أودينيجو يذكرها أنها يجب أن تكون ممتنة لأنهما لم يجدا كاينين فى المستشفى. هذا يعنى أنها بخير، هى فقط على جانب نيجيريا. وهى لم تكن تود أن يذكِّرها بذلك. بعد أيام، وحينما أصرَّت أن تبحث بنفسها فى المشرحة، أخبرها بنفس الأمر، أن كاينين لابد بخير على الجانب الآخر.
"سوف أذهب،" قالت. كان مادو قد أرسل لهم بعض الجارى والسكر والقليل من الوقود. سوف تقود بنفسها.
"ليست فكرة صائبة،" قال أودينيجو.
"ليست فكرة صائبة؟ ليست فكرة أن أبحث عن جثة شقيقتي؟"
"شقيقتك حية. ليس من جثة."
"نعم، يا رب."
استدارت لتغادر.
"حتى ولو كانوا قد أطلقوا عليها النار يا أولانا، فلن يأخذوها إلى مشرحة داخل بيافرا." قال أودينيجو، وكانت تعلم أنه على حق لكنها كرهت أن يقول ذلك وأن يناديها بأولانا بدلا من نكيم فمشت بعيدًا، إلى بناية المشرحة ذات الرائحة العفنة، حيث كانت الجثث من انفجار حديث مكومة فوق بعضها بالخارج، تتحلل فى الشمس. وكان حشد من الناس يتوسل ليُسمح لهم بالبحث.
"أرجوك أبى مفقود منذ القصف."
"أرجوك لا أستطيع أن أجد ابنتي."
خطاب أولانا من مادو جعل المشرف يبتسم لها ويسمح لها بالدخول وأصرت على النظر فى وجه كل جثة أنثى، حتى أولئك اللواتى قال المشرف إنهن مسنّات جدًّا، وفيما بعد توقفت فى الطريق وتقيأت. إذا ما رفضتِ الشمسُ أن تشرقَ، سوف نجعلها تشرقُ. باغتها عنوان قصيدة أوكيوما. لا تتذكر بقيتها، شيء ما حول وضع إناء طَفلى فوق إناء طفلى ليشكِّل سُلَّما نحو السماء. حينما عادت إلى البيت، كان أودينيجو يتكلم مع بيبي. وجلس ريتشارد يحدق فى لا شيء. لم يسألاها إن كانت وجدت جثة كاينين. أخبرها آجوو أن هناك بقعة زيت نخيل ضخمة على فستانها، بصوت منخفض كأنما قد عرف أنها بقايا قيئها. أخبرها هاريسون أن لا شيء هناك للطعام فحدقت فيه بخواء لأنها كاينين مَن كانت مسؤولة عن تلك الأمور، هى التى كانت تعلم ماذا يفعلون.
"يجب أن تستريحى يا نكيم،" قال أودينيجو.
"هل تتذكر كلمات قصيدة أوكيوما عن جعل الشمس تشرق إذا ما رفضت أن تشرق؟" سألت.
"أوانى الطمى تُحرَق فى الحمية، سوف تُبرّد أقدامَنا فيما نصعد." قال.
"نعم، نعم."
"كان هذا سطرى المفضل. بوسعى تذكر البقية."
أسرعت امرأة من معسكر اللاجئين إلى الفناء، تصرخ، وتلوح بغصن أخضر. مثل تلك الخضرة اليانعة. تساءلت أولانا من أين أتت به؛ النباتات والأشجار حولهم كانت يابسة، وعارية عن الأوراق بفعل الرياح الرملية. والأرض شاحبة.
"انتهى كل شيء!" صرخت المرأة. "انتهى!"
أدار أودينيجو الراديو بسرعة، كأنما كان يتوقع مجيء المرأة بتلك الأخبار. كان الصوت الذكرى مألوفًا.
عبر التاريخ، كان الجرحى يلجأون إلى الأسلحة فى الدفاع عن النفس حينما تخفق مباحثات السلام. ونحن لسنا استثناء. لقد رفعنا السلاح بسبب الشعور بعدم الأمان الذى استشرى بين أهالينا بعد المذابح. لقد حاربنا للدفاع عن قضيتنا.
جلست أولانا. راقت لها الأمانةُ، وحروفُ العلّةِ الحاسمةُ ونبرةُ التأكيد الهادئةُ التى فى الصوت الصادر من الراديو، وكانت بيبى تسأل أودينيجو لماذا المرأة من المعسكر تصرخ هكذا. نهض ريتشارد واقترب من الراديو. ورفع أودينيجو الصوت. قالت المرأة من المعسكر: "يقولون إن الهمج سوف يأتون بالعصى ليضربوا المدنيين ويذيقوهم الويل. سوف نذهب إلى الدغل،" ثم استدارت وركضت عائدة للمعسكر.
أنتهزُ الفرصةَ لأهنئ رجال وضباط قواتنا العسكرية على بسالتهم وجسارتهم، التى منحتهم إعجابَ العالم بأسره. كما أشكر الكتلة المدنية على ثباتها وشجاعتها فى مواجهة الأزمات الغامرة والجوع. وأنا مقتنع أن معاناة شعبنا لابد أن تنتهى فورًا. لذلك فقد نظّمتُ إجلاء لناقلات الجند، وأدعو اللواء جوون، باسم الإنسانية، أن يأمر ناقلات جنوده بالتوقف حتى يتم الاتفاق على الهدنة.
بعد الإذاعة، شعرت أولانا بالدوار وعدم التصديق. جلست.
"ماذا الآن يا ماه؟" سأل آجوو، دون تعبير.
نظرت بعيدًا، نحو أشجار الجوز المغطاة بالغبار، نحو السماء التى تنحنى على الأرض عند خط الأفق الخالى من الغيوم.
"الآن بوسعى أن أذهب لأبحث عن شقيقتي." قالت بهدوء.
مرُّ أسبوع. وصلت شاحنة من الصليب الأحمر إلى معسكر اللاجئين وحملت امرأتان كوبين من الحليب. كثير من العائلات تركت المعسكر، ليبحثوا عن أقاربهم أو ليختبئوا فى الأحراش من الجنود النيجيريين الذين كانوا يأتون بالسياط. لكن فى المرة الأولى التى رأت فيها أولانا جنودًا نيجيريين فى الطريق العام، لم يكونوا يحملون سياطًا. كانوا يمشون هنا وهناك يتكلمون فيما بينهم باليوروبا العالية ويضحكون ويومئون إلى الفتيات القرويات. "تعالى تزوجينى الآن، سوف أعطيك أرزًّا وبقولاً."
انضمت أولانا إلى الحشود الذين يتفرجون عليهم، بزيهم الأنيق المحبوك، وأحذيتهم السوداء اللامعة، وعيونهم الواثقة التى ملأتها بالخواء الذى نشعر به حينما نُسرَق. كانوا قد أغلقوا الطريق وأداروا السيارات للخلف. ليس من تحركات الآن. لا تحركات. أراد أودينيجو أن يذهب إلى آبا، ليرى أين ترقد أمه، فكان كل يوم يذهب إلى الطريق العام ليعرف إن كان الجنود النيجيريين قد سمحوا للسيارات بالمرور.
"يجب أن نجمع أغراضنا،" أخبرَ أولانا. "سوف يُفتح الطريق فى يوم أو يومين. وسوف نرحل مبكرًا حتى نتوقف فى آبا ثم نذهب إلى نسوكا قبل الظلام."
لم تكن أولانا تريد أن تجمع الأغراض- ولم يكن هناك الكثير ليُجمع على كل حال- ولم تكن تريد الذهاب إلى أى مكان. "ماذا لو أن كاينين عادت؟" سألت.
"نكيم، سوف تجدنا كاينين بسهولة."
راقبته وهو يغادر. كان سهلاً عليه أن يقول إن كاينين سوف تجدهم. كيف لكَ أن تعرف؟ كيف لك أن تعرف أنها لم تُجرح، على سبيل المثال، ولا تقدر أن تسافر مسافة بعيدة؟ سوف تعود مترنحةً وهى تظن أنهم هنا ليعتنوا بها، فتجد البيت خاويًا.
دخل رجل إلى البناية. حدقت فيه أولانا لبرهة قبل أن تكتشف أنه ابن خالتها أودينتشيزو، فصرخت وجرت نحوه وعانقته وتراجعت إلى الخلف لتنظر إليه. رأته آخر مرة فى زفافها، هو وشقيقه، فى زيهما العسكري.
"ماذا عن إيكيني؟" سألت بخوف. "إيكينى كوانوا؟"
"هو فى أوموناتشي. أتيت فور عرفت أين أنت. أنا فى طريقى إلى أوكيجي. يقولون إن بعض أمهاتنا هناك."
صاحبته أولانا للداخل وأحضرت له كأس ماء. "كيف حالك يا أخي؟"
"لم نَمُت،" قال.
جلست أولانا جواره وأخذت يده؛ كانت هناك ثآليل بيضاء متورمة فى راحتيه. "كيف عالجت الأمر فى الطريق مع الجنود النيجيريين؟"
"لم يسببوا لى متاعب. تكلمت معهم بالهاوسا. أحدهم أخرج صورة أوجوكو وسألنى أن أبول عليها وفعلت." ابتسم أودينتشيزو، ابتسامة رقيقة متعبة وبدا مشابهًا جدًّا للخالة إيفيكا حتى أن الدموع ملأت عينى أولانا.
"لا، لا، يا أولانا،" قال وأمسكها. "سوف تعود كاينين. امرأة من أوميودنوكا ذهبت إلى آفيا أتلك فاحتل الهمج القطاعَ لذلك تم احتجازها لأربعة شهور. عادت إلى أسرتها بالأمس."
هزت رأسها لكنها لم تخبره إنها ليست كاينين، ليس كاينين وحسب، تلك التى كانت تبكى عليها. مسحت عينيها. حضنها لبرهة أطول قبل أن ينهض، ودس فى يدها ورقة بخمسة جنيهات. "لأذهبْ،" قال. "الطريق طويل."
حدّقت أولانا فى النقود. أفزعتها الورقة المصقولة الحمراء. "أودينتشيزو! هذا كثير!"
"بعضنا فى بيافرا-2 كان لديه نقود نيجيرية فتاجرنا معهم رغم أننا من الميليشيات." قال أودينتشيزو، وهز كتفيه. "وأنت ليس لديك نقود نيجيرية، أليس كذلك؟"
هزت رأسها؛ هى حتى لم تكن قد رأت أبدًا النقود النيجيرية الجديدة.
"آمل ألا يكون صحيحًا ما يقولونه، إن الحكومة سوف تصادر كل حسابات البنوك البيافرية."
هزت أولانا كتفيها. هل لا تعرف. الأخبار حول كل شيء كانت ملخبطة ومتضاربة. كانوا قد سمعوا أول الأمر أن هيئة تدريس الجامعة البيافرية يجب أن يسجلوا فى التصفية العسكرية فى إنيوجو. ثم فى لاجوس. ثم أولئك فقط المتورطون فى العسكرية البيافرية هم من عليهم التسجيل.
فيما بعد، حينما ذهبت إلى السوق مع بيبى وآجوو، شهقت أمام الأرز والبقول المعروضة أكوامًا فى صناديق على شكل جبال، والسمك ذو الرائحة الشهية، واللحوم المدماة التى جذبت الذباب، بدت الأطعمة كأنما سقطت من السماء، بدت كأنما مليئة بالتساؤل الذى كان مخبوءًا. شاهدت امرأةً بيافرية تساوم، تعطى الفكة من الجنيهات النيجيرية كأنها هى العملة التى استخدموها طيلة عمرهم. اشترت القليل من الأرز، والسمك المقدد. لم تهدر الكثير من نقودها؛ فهى لا تعرف ماذا يختبئ فى الغد.
عاد أودينيجو البيت ليقول إن الطريق قد فُتح. "سوف نغادر غدًا."
دخلت أولانا غرفة النوم وبدأت تبكي. راحت بيبى إلى المرتبة جوارها وحضنتها.
"مامى أوللا، لا تبكي؛ إيبيزى نا،" قالت بيبي، الدفء الصغير لذراعى بيبى حولها جعلها تنشج أكثر وأعلى. مكثت بيبى هناك، تحضنها، حتى توقفت عن البكاء وجففت عينيها.
غادر ريتشارد هذا المساء.
"أنا ذاهب للبحث عن كاينين فى المدن خارج نينث مايل." قال.
"انتظرْ حتى الصباح،" قالت أولانا.
هز ريتشارد رأسه.
"لديك وقود؟" سأل أودينيجو.
"ما يكفى لأذهب إلى نينث مايل إذا ما سرتُ على المنحدرات."
أعطته أولانا بعض النقود النيجيرية قبل أن يغادر مع هاريسون. وفى الصباح التالي، وقد وضعوا أغراضهم بالسيارة، كتبت ورقة صغيرة على عجالة ووضعتها فى غرفة المعيشة.
أيجيما م، سوف نذهب إلى آبا ونسوكا. سوف نعود خلال أسبوع لنتفقد البيت. أ.
كانت تود أن تضيف "افتقدتُك" أو "أرجو أنكِ بخير" لكنها قررت ألا تفعل. سوف تضحك كاينين وتقول شيئًا مثل: "لم أذهب إلى نزهة، من أجل عيون السماء، أنا تم احتجازى فى مقاطعة العدو."
دخلت السيارة وحدقت فى أشجار الجوز.
"هل سوف تأتى الخالة كاينين إلى نسوكا؟" سألت بيبي.
استدارت أولانا ونظرت بتمعن فى وجه بيبى لتبحث عن حدسها واستشرافها الغيب، عن إشارة تقول إن بيبى تعرف أن كاينين سوف تعود. فى البدء ظنت أنها رأت ذلك، لكن بعد برهة لم تكن واثقة أنها رأت.
"نعم، يا بيبتي." قالت. "الخالة كاينين سوف تأتى إلى نسوكا."
"هل مازالت تتاجر فى آفيا أتاك؟"
"نعم."
أدار أودينيجو السيارة. خلع نظارته وغطاها بقطعة قماش. الجنود النيجيريين، كانوا قد سمعوا أنهم لا يحبون الناس الذين يبدون كمثقفين.
"هل ترى جيدًا بما يكفى للقيادة؟" سألت أولانا.
"نعم." رمق الخلف حيث آجوو وبيبى قبل أن تتحرك السيارة من التجمع. تجاوزوا بعض نقاط التفتيش المدججة بالجنود النيجيريين، فتمتم أودينيجو بشيء ما فى سره فى كل مرة كان يمر فيها. عند أباجانا، تجاوزوا الأسطول النيجيرى المحطم، عمود طويل طويل من السيارات المحترقة المتفحمة. حدقت أولانا. نحن فعلنا ذلك. مدت يدها وأمسكت يد أودينيجو.
"هم انتصروا لكننا فعلنا ذلك،" قالت، ثم أدركت كم هو شاذ أن تقول "هم انتصروا"، أن تعلن الهزيمة التى لم تصدقها. لم يكن شعورها بأنهم قد هُزموا، بل كان شعورًا بأنهم خُدعوا. عصرَ أودينيجو يدَها. شعرت بعصبيته فى توتر فكَّيه وهما يقتربان من آبا.
"أتساءلُ ما إذا كان منزلى ما يزال قائمًا،" قال.
انبثقت الأحراش فى كل مكان، الأكواخ الصغيرة كانت قد ابتُلِعَت تمامًا بالحشائش البنية. ثمة شجيرةٌ قد نمت أمام بوابة بيتهم فصفَّ سيارته جوارها، وصدره يعلو وينخفض، وصوت تنفسه عال. كان المنزل ما يزال واقفًا. التفوا حول العشب الكثيف الجاف ليدخلوا ونظرت أولانا حولها، نصف خائفة من أن ترى الهيكل العظمى للماما راقدًا فى مكان ما. لكن ابن خالته كان قد دفنها؛ جوار شجرة الجوافة كان ثمة ارتفاع طفيف بالتربة وصليب مصنوع على عجل من غصنين متعامدين. ركع أودينيجو هناك ونزع خصلة من العشب وقبض عليها بيده.
قادوا السيارة إلى نسوكا عبر طرق مخرمة بالرصاصات وتجاويف القذائف؛ كان أودينيجو ينحرف كثيرًا. البنايات مسودة، والسطوح ساقطة، والحوائط نصف مهدمة. هنا وهناك كانت هياكل سوداء لسيارات محترقة. كأنما مملكةٌ موحشة ساكنة. صقورٌ طائرةٌ تملأ الأفق. وصلوا إلى نقطة تفتيش. كان بعض الرجال يقطعون الحشائش الطويلة على جانب الطريق، مناجلهم تعلو وتهبط؛ وآخرون كانوا يحملون كتلاً خشبية غليظة إلى منزل بحوائط بدا مثل قطعة جبن سويسرية، مزركشة بثقوب الرصاصات، بعضها واسع وبعضها دقيق.
وقف أودينيجو جوار ضابط نيجيري. توكة حزامه تلمع وانحنى لينظر داخل السيارة، وجه قاتم السواد بأسنان بيضاء.
"لماذا مازلتم بلوحة أرقام بيافرية؟ هل أنتم مساندين للثوّار المنهزمين؟" كان صوته عاليًا، مفتعلاً، بدا كأنه يمثِّل ومنتبهًا كل الانتباه لنفسه فى دور الطاغية. وراءه، كان أحد جنوده يصرخ فى العمّال. وجثة ذكر ملقاة فى الدغل.
"سوف نغيرها حينما نصل نسوكا،" قال أودينيجو.
"نسوكا؟" انتصب الضابط واقفًا ثم ضحك. "آه، جامعة نسوكا. أنتم الذين خططوا للثورة مع أوجوكو، أنتم يا أهل الكتب."
لم يرد أودينيجو، ونظر أمامه. فتح الضابط الباب بحركة مباغتة. "أويا! اخرجْ واحملْ بعض الأخشاب لنا. دعنا نرى كيف يمكنك مساعدة نيجيريا المتحدة."
نظر إليه أودينيجو. "لأى شيء هذه؟"
"أنتَ تسألني؟ أنا قلتُ إنكَ يجب أن تخرج!"
وقف جندى وراء الضابط وصوب بندقيته.
"هذه نكتة،" تمتم أودينيجو. "أو نا-إنجو إنجو."
"اخرجْ!" قال الضابط.
فتحت أولانا الباب. "اخرجْ يا أودينيجو وأنتَ يا آجوو. بيبي، انتظرى فى السيارة."
حينما خرج أودينيجو، صفعَ الضابطُ وجهَه، بعنف بالغ، ودون توقُّع أبدًا، حتى أن أودينيجو سقط على السيارة. وكانت بيبى تبكي.
"ألستَ ممتنًا لأننا لم نقتلكم جميعًا؟ هيا احملْ كتل الأخشاب تلك بسرعة، اثنان فى كل مرة!"
"دعْ زوجتى تجلس مع ابنتي، أرجوك،" قال أودينيجو.
صوت الصفعة الثانية من الضابط لم تكن عالية مثل الأولى. لم تنظر أولانا إلى أودينيجو، ركزت بدقة على أحد الرجال الذين يحملون كومة من كتل الأسمنت، كان ظهره النحيل الأسود مغطًى بالعرق. ثم ذهبت إلى كومة من كتل الأخشاب والتقطت اثنتين معًا. فى بادئ الأمر ترنحت تحت الثقل- لم تكن تتوقع أنها بهذا الوزن- ثم شدت نفسها وبدأت تمشى نحو البيت. كانت تعرق حينما بدأت الهبوط. تذكرت العينين القاسيتين للجندى الذى يتبعها، تحرقان ملابسها. فى رحلتها الثانية لأعلى، كان قد اقترب أكثر ووقف جوار الكومة.
نظرت إليه أولانا ثم نادت: "أيها الضابط!"
كان الضابط قد سمح لسيارة بالمرور. استدار. "ماذا هناك؟"
"من الأفضل أن تخبر جنديك أنه من الأفضل له ألا يفكر حتى فى لمسي،" قالت أولانا.
كان آجوو وراءها، وكانت تشعر بصوت تنفسه، وخوفه من جسارتها. لكن الضابط كان يضحك؛ بدا مندهشًا ومعجبًا فى آن: "لن يمسّكِ أحدٌ،" قال. "جنودى مدربون جيدًا. نحن لسنا مثل أولئك الثوار القذرين الذين تسمونهم جيشًا."
أوقف سيارةً أخرى، بيجو 403. "انزلْ فورًا!" خرج الرجل الضئيل ووقف جوار السيارة. مد الضابط يده ونزع النظارة من وجهه وقذف بها فى الدغل. "آه، والآن لا تقدر أن ترى؟ لكنك ترى بما يكفى لكتابة إعلان لأوجيوكوا؟ أليس هذا هو كل ما تفعلوه أيها الخدم المدنيون؟"
أجفلت عينا الرجل فدعكهما.
"انبطحْ أرضًا،" قال الضابط. رقد الرجل على القار الفحميّ. أخذ الضابط عصا طويلة وبدأ يجلد الرجل على ظهره ومؤخرته، تا-واي، تا-واي، فصرخ الرجل بشيء لم تفهمه أولانا.
"قلْ شكرًا يا صاح!" قال الضابط.
"قال الرجل: "شكرا يا سيدي!"
"قلها ثانية!"
"شكرًا يا سيدي!"
توقف الضابط وأومأ إلى أودينيجو. "أويا، يا أهل الكتب، اذهبوا. وتأكدْ أن تغيّرَ لوحاتِ الأرقام تلك."
أسرعوا صامتين إلى السيارة. كفّا أولانا تؤلمانها. وهم يقودون أسفل الطريق، كان الضابط ما يزال يجلد الرجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.