وجه الرئيس الجزائرى "هوارى بومدين" حديثه إلى جمال عبد الناصر: "سيادة الأخ الرئيس، أنت لديك ألغاز لم تستطع حلها، وأنا أيضا لدى لغز أبحث عن حل له، هذا اللغز هو الملك حسين (ملك الأردن)، نحن كنا نعلم أن الأردن ظل حتى يونيو 1967 يتبع خطأ سياسيا مختلفا، وأنا لا أعرف ما الذى حصل ليسبب هذا التغيير، وأريد أن أعرف معلوماتك عنه". كان الحوار فى اجتماع بالقاهرة بين الزعيمين، وحضره وفدان من البلدين يوم 10 يوليو 1967، وامتد الاجتماع إلى اليوم التالى مثل هذا اليوم (11 يوليو)، لبحث أسباب نكسة 5 يونيو وكيفية العبور منها، وتعد محاضر هذه الاجتماعات بين عبد الناصر ونظرائه من زعماء العرب والعالم من أهم المراجع، لمعرفة الحقائق كاملة عن هذه المرحلة العصيبة التى مازالت آثارها ممتدة حتى الآن. وقراءة محضر اجتماع "عبد الناصر"، و"بومدين" هو مباراة رائعة فى التفكير والتحليل، وتؤكد عظمة الزعيم الجزائرى فى موقفه مع مصر أثناء محنتها الكبرى بعد النكسة. يأتى الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل بنص محضر الاجتماع بين الزعيمين فى كتابه "الانفجار"، وحسب ما جاء فيه، فإن "عبد الناصر" أجاب على سؤال بومدين بقوله: "يمكن يكون الملك تصور كما تصور غيره أننا فى الطريق إلى انتصار كبير، ولكن الظروف خيبت حساباته، كما خيبت حساباتنا جميعا، ولم يكن أمامه إلا أن يحاول بكل ما يستطيع مع الأمريكان، وأنا اتصلت به بعد أن أعلنا نحن قطع العلاقات مع الأمريكان نتيجة لما ثبت من اشتراكهم فى العدوان علينا، وقلت له، إننى أستثنيه من هذا الطلب بسبب أوضاعه الخاصة، وقلت له، إنك لن تستطيع أن تستعيد الضفة الغربية إلا إذا وافقت أمريكا". رد "بومدين": "سؤالى عن التغيير المفاجئ الذى حدث فى موقف الأردن وهو يمثل لغزا لى، وسؤالى هو فى الواقع عن انعكاسات هذا الأمر على المستقبل، إذا كنا سوف نقاتل، وليس هناك بديل من أن نقاتل، فلابد أن نعرف بالضبط من هم معنا فى الخط لأنه فى القتال يستحيل أن يكون هناك ناس على خطين". ساد فى قاعة الاجتماع لحظة صمت بدت طويلة، قطعها عبد الناصر بالقول: "بالنسبة لما حدث فهناك بالفعل تغيير مفاجئ فى موقف الأردن، وأنا كنت آخذه ببساطة، ويبدو أن الأخ بومدين لديه وجهة نظر أخرى، وبالنسبة للحاضر فأنا أرى أن الملك حسين يواجه مشكلة صعبة، فقد فيها نصف مملكته، ويتحتم علينا الوقوف معه، وأما المستقبل فلا أستطيع أن أضمن شيئا". انضم الملك حسين إلى الاجتماع وحضر إليه من الطائرة مباشرة، وقبل انضمامه، سأل عبد الناصر بومدين: "ماذا ترى أن أقول له؟، رأيى أن نترك له الحرية المطلقة فى العمل إذا كان يستطيع استعادة الضفة"، انفعل بومدين قائلا لعبد الناصر: "مشكلتنا نحن العرب أننا لم نتعلم كيف نموت".