شهرزاد مزعورة.. قلقة..متوترة.. تفتش خبايا عقلها بحثا عن تلك الليلة الواحدة بعد الألف.. آخر ليالى الصبر.. ليلة الحصاد وانتظار النتيجة.. ألف ليلة كاملة دأبت فيها على الحكى وبث القيم والأفكار والمبادئ فى حكاياتها.. آمنت بأن التغيير لا يأتى فى لحظة وإنما يحتاج إلى صبر وأناة .. كانت لشهريرها كالطبيب المشفق على مريضه.. أعطت له من عمرها ألف ليلة تعمل على مهل فى تغيير أفكاره وقناعاته فى الحياة ولم تبق إلا ليلة وترى حصاد غرسها.. ولكن أين مضت تلك الليلة اللعينة.. تفتش عنها فى كل خبايا عقلها وخيالها فلا ترى لها أثرا. طال انتظارها وبحثها حتى أصابها الإعياء، وأدركت الحقيقة المفجعة.. لقد هربت الليلة الأولى بعد الألف.. انهارت قواها وأحست بأن أحلامها تتهاوى أمام عينيها وأن ليالى الصبر الطويلة محصلتها لاشىء.. لا ينال الثمر إلا بعد أن ينضج. انتفضت فجأة وقررت أن تمضى بحثا عن ليلتها الهاربة سافرت فى مجاهل الخيال.. طارت على جناح جنى من أفكارها.. سرعتها كسرعة الضوء.. بصرها الثاقب يمسح أركان دنيا الحكايات بحثا عن ليلة هاربة متمردة.. وهنااااااااك.. فيما وراء جبل قاف.. فى شتاء الوحدة وجدتها.. مستكينة حزينة تجلس تلك الليلة تفكر ودمعة كبيرة فى ماقيها .. كانت شهرزاد محملة بأعاصير الغضب .. كانت تنتوى أن تفجر فى ليلتها شحنة غضبها الكاملة حين تراها .. ولكن ما ان وقعت عليها عيناها حتى انطفأت حدة غضبها قليلا واكتسى ذلك الغضب بمسحة من إشفاق. ودنت منها فى حنو ضمت ليلتها الهاربة إلى قلب خيالها وسألتها فى حنو: لماذا؟ التفتت إليها ليلتها بعين دامعة ولم تجب ضمتها إليها أكثر وهى تقول: تعلمين حبى لك.. أنت جزء من خيالى وعقلى فلم تتركينى فقالت الليلة الحزينة: ولم أبق؟ نظرت إليها فى دهشة وتعجب.. فاستطردت الليلة: تقولين أنى ليلة غالية وجزء من حياتك وخيالك ونسيج عقلك !! ألن يكون مصيرى مصير الليالى السابقة!!؟ ازدادت دهشة شهرزاد وقالت: وهل هناك مصير أعظم من مصير الليالى الألف السابقة!!؟؟.. كم ليلة مرت فى الزمان وأسقطها التاريخ من ذاكرته ؟؟.. كم ليلة نالت الخلود كما نالت ليالى أنا ؟؟.. بالألف ليلة التى ذكرتى سيكتب لك الخلود وبغيرها ستكونين لا شىء.. ليلة أخرى من ملايين الملايين من الليالى المنسية فى عمر البشرية وذاكرة التاريخ .. الألف ليلة التى تحكين عنها هى سر خلودك.. أنا من أهبك الخلود.. أما هنا فى شتاء الوحدة.. تموتين وتنتهين كما انتهت كل الليالى المجدبة. صرخت الليلة المتمردة وقالت: لا أريد الخلود.. لا أريد الشهرة؟؟ قالت شهرزاد: فماذا تريدين؟ - أريد أن أحس بأننى ليلة ذات قيمة.. لايهمنى أن يتحاكى بى لسان الرواة مدى التاريخ ولكن يهمنى أن أشعر بالعطاء.. أن أكون لحظة تغيير حقيقية.. ألف ليلة من أخواتى سقتها أنت إلى جلمود صخر.. يسمع كل ليلة سرد حكاياتك وكأنه ما يسمع.. لم استشعر فيه استجابة ولا تغيير... أذن تسمع وحواس جامدة.. ماذا جنيت بعد كل هذا الصبر الطويل وضحاياك التى تساق إليه من لياليك. ادهشت شهرزاد بما تسمع وقالت: وكيف نرجو حصاد غرس لما يستوفى وقته.. لماذا نمضى دوما بأجمل بداية ولا نقوى على الصبر إلى النهاية فيضيع جهدنا هباءً منثورا.. التغيير يتطلب العزيمة والصبر.. هربتى ولما يبقى لنا على الحصاد.. ليلة واحدة ونقطف الثمرة ولكننا دوما نستعجل القطاف فنفقد كل ما قدمنا دون نتاج. ...............