الظاهرة الغريبة التى استوقفتى طوال الفترة الماضية هى زواج شباب صغير فى العشرينيات أو نحوها من سيدات فى الأربعين، وربما فوق الأربعين أيضًا. وقد كنت حتى وقت قريب أعتقد بأن هذه مجرد حالات فردية، إن لم تكن حالات شاذة، ولكن حين بحثت الأمر ورحت أستقصى الحالات التى أعرفها ويعرفها أصدقائى اكتشفت أنها بلغت من الكثرة إلى الحد الذى يجعل منها ظاهرة أو تكاد. وقد سألت بعض هؤلاء ممن أعرفهم، فقالوا إنهم رفضوا هذه الظاهرة، هى شىء ينتمى إلى الأفكار القديمة الموروثة، وهى أفكار بالية عفى عليها الزمن، ولم تعد مما يتفق ومواصفات العصر، وقد دللوا على هذا بأن نبينا العظيم، صلى الله عليه وسلم، تزوج وهو فى الخامسة والعشرين من عمره من السيدة خديجة وكانت فى الأربعين من عمرها، فضلاً على أنها كانت ثيبًا، سبق لها الزواج، فهل يعقل أن يفعل النبى الكريم ذلك قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا، ثم نأتى نحن لنستهجن هذا فى ظل كل الاستنارة والتقدم الفكرى الذى نعيش فيه. لقد كان معقولاً أو شبه معقول أن تتزوج فتاة من رجل يكبرها سنًا بعشرين سنة أو أكثر، وقد حدث هذا ومازال يحدث رغم أن المجتمع والناس لم يتقبلوه أبدًا، وما يقال إن هذا الزواج غير متكافئ فى العمر إنما هو مصلحة، فتطمع هذه العروس فى مال الزوج، أو مركزه المرموق، لأنها ليست على استعداد لأن تتزوج شابًا من سنها فى بدء حياته، حيث يتحتم عليها أن تكافح معه يومًا بعد يوم إلى أن يبنيا حياتهما معًا. ومثل هذا وأكثر منه يقال فى حالة زواج شاب صغير من سيدة فى الأربعين، فالمجتمع لا يتقبل هذا أبدًا، ولا يسلم أصحاب هذا الزواج من كلام الناس الذى ينزل عليهم كالسياط، ودائمًا ما يقال إن هذا الشاب تزوج من هذه السيدة من أجل نقودها، أو لأنها ستوفر له حياة رغدة فى فيلا أنيقة، أو ستوجد له وظيفة مرموقة. ولكن ماذا عن شاب يشغل فعلاً وظيفة محترمة، ولا يحتاج مالاً من زوجته، ما الذى يدفعه إلى الزواج من واحدة تكبره بعشرين عامًا أو أكثر أو أقل.. يقول هؤلاء الشباب إن السيدة الأكبر منهم هى أكثر نضجًا من الأخرى العشرينية، وتستطيع الواحدة منهن أن تحتوى زوجها بعقلها ونضجها النفسى والعاطفى، فضلاً على خبرتها فى ممارسة الحب بشكل أفضل. والأهم هنا أن هؤلاء الأزواج الصغار لا يتزوجون هؤلاء النساء زواجًا عابرًا أو مؤقتًا أو قائمًا على المصلحة، بل يتزوجونهن زواجًا دائمًا بدليل أننى رأيت نماذج ينجبن الأولاد والبنات، وليس أدل على ذلك من هذا المشهد الذى رأيته بنفسى فى عيادة أحد كبار أطباء النساء والتوليد، حيث كان الزوجان، وهما شاب فى حوالى الثلاثين من عمره وسيدة فى بداية الأربعينيات ينتظران دورهما بحثًا عن الإنجاب، والغريب أنهما كانا يذوبان فى حالة من الحب الذى لا يصدق، أو الأغرب من ذلك أننى قرأت فى نفس اليوم رسالة من شاب يحب سيدة أكبر منه سنًا، ويريد أن يتزوجها، لكن أسرته ترفض، وهو يتساءل فى رسالته: ما دخل السن فى الحب؟ وما دخل الآخرين فى حياة الناس؟! وهنا صمتُ، ولم أستطع أن أجيب، ولكنى وضعت نفسى فى هذا الموقف، وتخيلت لو أن ابنى فى هذا الوضع، وهو فى سن الشباب ماذا سيكون موقفى؟