هذا المشروع المثير للجدل تقدم به النائب البرلماني الدمياطي ناصر شاكر عضو مجلس الشعب عن حزب النور السلفي متناسيا مشكلة العنوسة التي تعاني منها آلاف الفتيات في مصر وأن السبب الرئيسي في تجاوزهن قطار الزواج هو تدهور الأوضاع الاقتصادية. قصص الفتيات والشباب الذين فاتهم قطار الزواج كثيرة جدا، وتحمل في طياتها أسبابا عديدة لوصول الحال بهم إلي ماهم عليه، نسوق بعضا منها لهذا النائب وغيره ممن غاب عنهم السبب الحقيقي للعنوسة. القصة الأولي من قلب الريف المصري وبالتحديد محافظة الشرقية .. »ناهد« إحدي الفتيات اللاتي من الله عليها بحسن خلاب وخفة ظل لاتضاهيها فيها أي فتاة أخري جعلها موطن إعجاب كثيرمن شبان القرية إضافة الي تفوقها العلمي الذي أهلها للالتحاق بكلية التربية فزادها من المميزات ميزة إلا أن محاولات هؤلاء الشباب لم تفلح في الإيقاع بها وفضلت عليهم حب "محمود" أحد زملائها في الكلية وهو شاب تمتع بسيرة طيبة وخلق حسن جعله موضع إعجاب الكثيرين وظل الحبيبان يتناجيان ويرسمان معا أحلامهما ويصبران بعضهما البعض حتي تنتهي سنوات الدراسة الثقيلة. وقد عاهدت الحبيبة نفسها أن تكون ملكا لحبيبها فقط لذا أغلقت بابها أمام الخطاب والعاشقين وبالطبع سري الشك والحيرة في نفس والدها ذلك التاجر الكبير والمرموق إلا أنه تغاضي عن ذلك وبمجرد انتهاء السنة الدراسية النهائية اتفق محمود مع الحبيبة علي كافة التفاصيل وتم تحديد ميعاد الزيارة وطار الحبيب ليخبر والديه وعندما حان ميعاد الزيارة ارتدي محمود أبهي حلله وهيأ نفسه لهذه المقابلة الهامة إلا أن كل أحلامه سرعان ماتبخرت فوالد العروس لم يقتنع بإمكانياته المادية التي اعتبر أنها لاتؤهله حتي لاستئجار شقة صغيرة وعاد محمود محطم الآمال مهزوما لايدري مايفعل أما ناهد فقد عاهدت نفسها ووالدها ألا تتزوج إلا محمود حتي ولو أكملت عمرها كله وهي تحمل لقب"عانس"ولكن هذا الكلام لم يقنع والدها الذي لايفكر إلا بمنطق المال فسرعان ماتقدم لخطبة ابنته رجل بلغ من العمر أرذله ولكنه من أغنياء الشرقية المعدودين فسرعان ماتمت الخطبة والزيجة رغم رفض ابنته القاطع وتهديدها بالانتحار إلا أن قلب الوالد لم يرق أو يلين فتمت الزيجة التي لم تستمر سوي عامين وتم الطلاق بينهما وخلفت هذه الزيجة طفلة جميلة كانت هي الأخري ضحية لافتراء الجد والمجتمع الذي لايقدر الحب أو يعطف علي المحبين. القصة الثانية لشاب مصري حاله لايختلف كثيرا عن أحوال أقرانه من الشباب. أطلقت عليه والدته اسم الزين تيمنا بأحد أثرياء قريته التي تقع في قلب الصعيد فهذا الزين الثري سافر الي بلاد الغربة منذ أن وصل إلي سن السادسة عشرة وقد اختار دولة إيطاليا أو إمبراطورية اليورو كما يحلو لأبناء تلك القرية أن يسموها وأقام فيها أكثر من عشرين عاما وعاد إلي قريته محملا بالخير الكثير وأصبح من أغنياء البلدة المعدودين وشيد منزلا كبيرا وتزوج "سميحة" أجمل فتيات القرية رغم أنها لم تتجاوز السابعة عشرة ربيعا. وبالطبع ذاع صيت هذا الزين حتي أن القرية عرفت باسمه وبعد أن ولد الزين الصغير أدخلته والدته مدرسة القرية الابتدائية وظل يستكمل دراسته وبمجرد انتهاء المرحلة الإعدادية قامت الأم ببيع كل ماتملك من حطام الدنيا فباعت قطعة الأرض التي ورثتها عن شريك حياتها كما باعت الكردان الذهبي الذي ورثته عن والدتها كل هذا لتتيح للزين الصغير فرصة السفر الي بلد اليورو كما فعل الزين الثري ولكن حظهما العثر أوقعهما في يد أحد المحتالين الذي أقنعهما بإمكانية مساعدته وتوفير فرصة عمل هناك مقابل مبلغ خيالي تم دفعه بنفس راضية وسافر الزين إلا أن كل أحلامه سرعان ما تبخرت فالأزمة الاقتصادية عصفت باقتصاد معظم دول أوربا وعلي رأسها إيطاليا وظل الزين يحاول إيجاد لقمة عيش سهلة ولكن خابت محاولاته وقرر العودة مرة أخري إلي دياره رافضا فكرة تحمل وتجرع آلام الغربة من جديد. وبمجرد أن حطت أقدامه أرض القرية شعر بكونه غريبا ومدعاة سخريتهم فقد عاد خالي الوفاض ولم يحصل حتي علي أي شهادة تؤهله للعمل في وطنه ورضي بالأمر الواقع وقرر العمل في إحدي مزارع قصب السكر التي يمتلكها الزين الثري. ومرت الأعوام وذات يوم طلب منه شهادة ميلاده لتسجيل بعض بياناته الشخصية المطلوبة في العمل وسرعان ما اجتاحته الرهبة وساوره القلق فقد أكمل عامه الأربعين دون أن يدخل قفص الزوجية مثل باقي أقرانه فعزم علي القيام بتلك الخطوة ولكنه ندم علي التفكير فيها بعد ذلك فقد وقع اختياره علي "روحية"وهي فتاة أكملت عامها السادس والعشرين وفاتها قطار الزواج إلا أنه بمجرد الشروع في طلب خطبتها سرعان ما تذكرالأعباء الاقتصادية المتراكمة عليه وكيف أنه غير مؤهل لشراء شبكة أو دفع مهر يقدر بآلاف الجنيهات وتأثيث عش الزوجية الذي يليق بقدر العروس خاصة أن" روحية "حاصلة علي شهادة جامعية عليا فقرر صرف النظر عن هذا الموضوع وعلم بعد ذلك أن مشكلة العنوسة قد تفشت في قريته نظرا لسوء الأحوال الاقتصادية وشبح البطالة الذي قرر أن يسكن في كل بيت من بيوت القرية وأن روحية ليست بالفتاة الوحيدة التي تحمل لقب "عانس"بل هناك ألف "روحية وروحية"وقرر الزين أن يظل بجوار والدته يحتمي بقوتها ويتحمل مرارة السنين. هذه القصص وغيرها الكثير تؤكد أن مشكلة المجتمع المصري ليست في سن العروس أو العريس بل في الظروف الاقتصادية السيئة التي خلفت وراءها أكثر من مليون عانس". علماء الدين كان لهم رأي في مسألة الزواج المبكر تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الفتاة في هذه المرحلة لم تتشكل جنسياً ولا جسمانياً بل إننا لانستطيع أن نصفها الا بالطفلة فكيف نطالب بتزويجها في هذه السن المبكرة فكيف لها أن تتحمل مسئولية الزواج وإنجاب الأطفال؟. فهل نترك طفلة تربي طفلة؟ لابد أن يعي من يطالب بهذه الدعوات أن ما كان يحدث في عصر الإسلام الأول من زواج القاصرات واتخاذهم حالة السيدة عائشة التي تزوجت في سن التاسعة كحجة يتذرعون بها ليطبقوا مثل هذه القوانين فقد نسوا أن فتاة هذا العصر تختلف اختلافا كبيرا عن فتيات العصور الماضية وذلك بسبب تطور الأزمنة. تضيف نصير: من المعروف أن مشكلة العنوسة وتأخر سن الزواج في مصر سببها سوء الأحوال الاقتصادية وعدم قدرة الشاب ماديا علي تجهيز عش الزوجية أو شراء الشبكة ومن هنا يحجم الشاب عن التفكير في هذا الموضوع وبالطبع إذا حاولنا التفكير في سن تشريع أوحتي عرف اجتماعي يقضي بتخفيض نفقات الزواج واستكمال الحاجات الأساسية بعد الزواج سنجد أن المشكلة في طريقها للانفراجة أما فيما يتعلق بتزويج أهل الريف بناتهم في سن صغيرة بطرق غير شرعية تهربا من القانون فهل إذا قمنا بسن مثل هذا القانون فهل ستوجد ضمانات لعدم التلاعب به بعد ذلك؟. أما نهاد أبوالقمصان الناشطة الحقوقية فتقول: لاشك أن المرحلة التي تمر بها مصر الآن تختلف اختلافا كبيرا عن سابقتها فبعد فوز الإسلاميين في البرلمان باكتساح سادت المخاوف لدي قطاع كبير من الشعب خاصة السيدات نظرا لآرائهن ومعتقداتهن فيما يتعلق بعمل المرأة إضافة الي المطالبة بسن قانون حد الحرابة وغيره فهل يعقل ونحن في الألفية الثالثة أن نوافق علي قانون يسمح بتخفيض سن الزواج ليصل إلي السادسة عشرة ولايمنع من تزويجها وهي في سن الثانية عشرة أي قبل الوصول الي مرحلة النضج الجنسي الذي يؤهلها لأن تكون أما فالبنت تنهي دراستها الثانوية ويكون عمرها 81عاماً، ومعني تزويجها وعمرها 61سنة أن تؤخذ طفلة من الدار للنار وهي بعد في الصف الأول الثانوي علي أقصي تقدير دون أن تعي معني الاختيار، فأهلها في هذا العمر هم من يختارون لها شريك حياتها والنتيجة ارتفاع حالات الطلاق وتشرد الأبناء. وعن المخاطر الطبية التي قد تتعرض إليها الفتاة إذا تزوجت في هذه السن يقول د. محمد عبدالرحمن إخصائي النساء وأمراض الجهاز التناسلي والعقم: مرحلة النضج الجنسي، هي المرحلة التي تتطور فيها وظائف الجهاز التناسلي ليقوم بوظيفة الانجاب وهي الوظيفة الأولي لهذا الجهاز، وتبدأ بالبلوغ الذي يعبر عن النضوج التناسلي وما يصاحبه من تغيرات جسدية ونفسية وعاطفية مختلفة، ويحدث البلوغ عند الفتي من سن 21 إلي 51سنة وعند الفتاة من سن 11 إلي 14 سنة ومن سمات البلوع عن الفتاة بدء الدورة الشهرية المعروفة طبياً باسم (الطمث) أو (الحيض) التي تعتبر العلامة المميزة لخصوبة المرأة التي تبدأ من سن البلوغ وتستمر حتي 54 - 05 عاماً، أما الإباضة فتحدث بعد عدة مرات من بداية الحيض، غير أنه قد تحدث بعض المشكلات والاضطرابات ذات المنشأ العضوي التي تبكر أو تؤخر أو حتي تؤدي لفقدان البلوغ، لذلك فزواج الفتاة قبل ال 71 عاماً خطر علي صحتها وقد يؤخر الإنجاب لديها لفترة طويلة لأن البلوغ المبكر لدي الفتاة يسبب أمراض القشرة الكظرية وأورام المبيض وازدياد إفراز الأستروجين، يضاف إلي ذلك النشاط المبكر للمحور الغددي النخامي، وقد يتأخر بسبب وجود خلل في عمل الغدة النخامية أو قصور في عمل المبيضين. ويستكمل د. عبد الرحمن قائلا: وحتي إذا تمت عملية الولادة بنجاح فإن حالات الوفيات لهؤلاء الأطفال تزداد إضافة إلي إنجاب مواليد ناقصي الوزن وهو ما يجعل هؤلاء المواليد أكثر عرضة للمخاطر. ويتفق معه الدكتور لطفي الشربيني أستاذ الطب النفسي بجامعة الإسكندرية فيقول: الزواج المبكر يعود بأضرار نفسية علي الفتاة صغيرة السن وتدهور حالتها الصحية والبدنية والعقلية نتيجةً لعدم تقبلها العيش مع شخص أكبر منها سناً وخروجها عن جو المألوف الذي كانت تعيشه مع أسرتها مثل أمراض الاضطراب النفسي والاكتئاب الهيستيري خاصة أن الزوجة الطفلة تحاول إرضاء زوجها كبير السن بكافة الطرق مما يعرضها للإصابة بتلك الأمراض التي تؤثر عليها في الكبر، وكثير من الأضرار النفسية السيئة التي تنعكس سلبا علي نفسية الفتاة، قد تؤدي إلي إخضاعها للعلاج النفسي ومحاولة إعادتها لوضعها الطبيعي السابق كما أنه يزيد من حالات الطلاق نظرا لصغر سن الزوجة وعدم قدرتها علي تحمل المسئولية وغياب التفاهم بينها وبين زوجها لأنهما لا يتعلمان قبل الزواج أسس التعامل بينهما وكيفية بناء البيت بطريقة صحيحة.