"الست المصرية ب"100 راجل" انطلقت الكثيرات منهن فى العديد من الأعمال، فتجد التباعة والحلاقة وسواقة التاكسى والتوك توك جميعهن نزلوا الشارع ليحققن الأحلام البسيطة التى اختزلت فى إعالة أسرهن، أو التمرد على المجتمع الذى حصر المرأة فى الأنوثة والجسد والعادات والتقاليد، لم يلتفتن إلى انتقادات المجتمع السطحية، وخضن معركتهن الخاصة مع الحياة والعمل. كل واحدة لها قصة تتفرد بها أولهن هى "أم وليد" أول سائقة تاكسى فى مصر، تحكى ل"اليوم السابع" عن مشوارها مع القيادة التاكسى منذ أول مرة تطأ قدمها دواسة التاكسى، فبرغم مرور الكثير والكثير من الوقت إلا أنها مازالت قادرة على تذكر تفاصيل ذلك اليوم بكل ما يحتويه من ألم وتحدى وصعوبات وفرحة تحقيق حلمها، فى أن تكون سائقة تاكسى قائلة: "البداية كانت منذ أكثر من 33 عاما عندما مرض زوجى وقررت أن أبدأ رحلتى كأول سيدة تقود تاكسى، لاستكمل مشوار زوجى فى إعالة الأسرة وتربية الأولاد.. ولكن المجال كل مدى بيزيد سوءا ففى الثمانينات والتسعينات الزبائن كانوا مختلفين تماما، فمن كان يركب التاكسى فى ذلك الوقت كانوا من طبقة مرتفعة، وتعاملاتهم كانت راقية جدا، وهو عكس ما هو موجود الآن، فقد تغير سلوك الزبون تماما. وعن تجربتها، تقول: "فى البداية كان الأمر غريب بالنسبة للمحيطين بى وكنت أتعرض للنقد، وظللت أعمل عشر سنوات سيدة واحدة وسط الرجال، حتى ظهر بعد ذلك أكثر من سيدة، وكنت أشجعهن على الاستمرار فى العمل، وأنصحهن بالثبات وعدم الانصياع وراء تعليقات المحيطين بهن، حتى تقبل المجتمع هذه المهنة بالنسبة للسيدات مقارنة بالماضى. مضيفة" :عملى كسائقة تاكسى لم ينتقص من كونى سيدة أبدا، وأنا فى بيتى أم وزوجة وجدة حاليا، وعملى أفادنى كثيرا فتعلمت الصبر والشجاعة والتحدى، وأعطانى قدرة على معرفة الأشخاص جيدا وقراءتهم. "مروة" أول تباعة بمصر بعد أن انتهت من ندائها الأخير "جيزة.. حيزة"، قصتها مع هذه المهنة التى قضت حياتها بها وهى واقفة على سلالم الميكروباص تحاول جاهدة أن تجذب أكبر عدد من الزبائن التى ارتسمت على وجوهم نظرات التعجب والاندهاش، كونها مهنة احتكرها الرجال على مدى وقت طويل لتجد لنفسها سبيلاً للكسب بعدما تحولت هى مصدر الرزق الوحيد لعائلاتها. قائلة: "عمرى 22 عاما ووالدى توفى منذ حوالى 3 سنوات، وتركنا أنا وأمى وأخواتى دون أن يترك لنا أى مصدر للرزق، ومن هنا جاء قرارى للنزول للعمل واختيارى لأى مهنة مهما كانت شاقة ومتعبة طالما كانت حلال". وعن اختيارها لهذه المهنة دون غيرها تقول: "أشار على صديق للأسرة يعمل سائق "ميكروباص" لأعمل معه كتباعة، ليحمينى ويحافظ على من أعين الناس بعد أن تخبط بين أكثر من مهنة ولم أجد حظى بها، وبالفعل خضت التجربة ونجحت فى أن أكون عائل لأسرتى والحمد لله لم أقصر معهم فى شىء. فى حين تأتى "ولاء طيارة" أول بنت دليفيرى لتكسر كل القيود، فتحت شعار "بطلنا اللى يعطلنا"، تحدت كل الظروف ولم تعط لكلام الناس وتعليقاتهم السخيفة أكبر من حجمها، بعد قرارها أن تكون أول بنت دليفرى فى مصر، وانطلقت ب"موتوسيكلها" إلى شوارع مصر القديمة حتى توصل "الأوردر" سخن ولذيذ وبالهناء والشفاء، تاركة وراء ظهرها "قالوا وقولنا". وعن رحلتها فى العمل تقول "ولاء" إنها بدأت العمل مع خالها من عمر 8 سنوات على شواية دجاج فى الشارع، بعد انتقالها للعيش مع جدها بعد انفصال والديها، وتركت التعليم بمحض إرادتها بسبب اضطهاد المدرسين لها لعدم مقدرتها على أخذ دروس خصوصية أو حتى مجموعات تقوية، على حد قولها، فقررت ولاء أن تنجح فى حياتها العملية وتفرغت تماما للعمل مع خالها فى سن 12 سنة حتى تمكنت من شراء شواية دجاج جديدة وبدأت فى العمل بمفردها. وتضيف: "طورت أدائى وتعلمت قيادة الموتوسيكلات فى عمر 15 سنة بواسطة خالى، حتى أصبحت محترفة فى القيادة، وعملت ك"دليفرى" أنقل الطلبات إلى المنازل وتوسعت تجارتى". "يا واد يا بت" يعتبر هذا أبسط تعليق من سلسلة التعليقات السخيفة التى تسمعها ولاء يوميا، وهذا مما دفعها فى أحد الأيام إلى الصدام مع أحد زبائنها، الذى استمر فى قول تعليقات مستفزة حتى وصل الأمر لأنه سبها وتقول: "عينك ما تشوف إلا النور.. انهلت عليه ضربا مستخدمة الأدوات الخاصة بالشوى كالأسياخ وغيرها، ومن هذه اللحظة يحسب لى الجميع فى المنطقة 1000 حساب". وتنهى حديثها داعية كل بنت إلى أن تفعل ما تحب، طالما ليس عيبا ولا حراما، وتقول "لو كان الله لا يريد أن يساوينا بالرجال لخلقنا ناقصين ذراعا أو قدما، فالمرأة الآن قاضية فما الغريب أو الصعب فى أن تكون دليفرى". أما "الأسطى بطة" حلاقة الرجال فقررت أن تحلق للرجال وأن تتجاهل التعليقات الساخرة والانتقادات والمضايقات من حولها، وهى تقف فى صالون الحلاقة الخاص بها بالطلبية فيصل، بعد رحلة طويلة منذ السبعينات تنقلت خلالها فى أكثر من مكان حتى استقرت فى النهاية وسط أهالى الطلبية. وعن رحلتها مع الحلاقة تقول الأسطى بطة أنها بدأت عملها فى أوائل السبعينات بعد تخبط أحوالها المادية نتيجة تجنيد زوجها بالجيش، وفى ذلك الوقت كانت تعمل موظفة فى الشركة العالمية للزيوت والعطور، بشبرامنت بالجيزة، وكانت تتقاضى راتبها الذى لا يتعدى العشرين جنيها، وكان لا يكفيها هى وأبنها ووالدتها، حتى منتصف الشهر، ولذلك قررت أن تبحث عن مهنة أخرى تعينها على الحياة، ولن تجد أمامها سوى الحلاقة للرجال بعد أن أشار عليها احد جيرانها بالعمل معه فى محل حلاقة صغير بشبرا ومن هنا كانت نقطة الانطلاقة بالنسبة لها. وتضيف: "أنها بدأت حياتها المهنية فى السر فهى من عائلة صعيدية ترفض عمل المرأة أصلا، فما بالك كحلاق، وحتى زوجها لم يكن يعلم بمهنتها الجديدة، وتتذكر "بطة" أول يوم لها كحلاق قائلة: "كان الصالون تحيط به قهوتان ولذلك طلبت من صاحب الصالون أن يغلق الباب وأن يضع لى ستارا تحجبنى عن أعين الناس، ولكن لم يستمر ذلك كثيرا". واستكملت حديثها ضاحكة: "بعد ساعة طلبت منهم أن يزيلوا الستار فأنا لا أجد فى عملى ما يجعلنى أخجل وأهرب من نظرات الآخرين. وعلى نفس السياق قررت "الحاجة صباح" سائقة التوك توك أن تتحدى العالم من فوق ثلاث عجلات صغيرة يحملن توك توك، ولم تخش الوقوف أمام العالم الذى تركها وحيدة لتصنع لنفسها مكان يحفظ لها ولعائلتها لقمة عيش، بين الصخب والكلمات وربما المطاوى التى تتناثر هنا وهناك فى موقف صغير شعاره "البقاء للأقوى" كمعظم مواقف أم الدنيا رفضت الانزواء بين حوارى حى الوايلى مكتفية "بظل حيطة" كغيرها من السيدات وظلت تزاحم منذ أثنى عشر عاما وحتى اليوم فى رحلة أعطتها رتبة "أقدم سائقة توكتوك مصرية". تحكى صباح عن الظروف التى جعلتها تدوس على الرابع دون أن تترك لكلام الناس مساحة فى حياتها قائلة: "تزوجت فى عمر صغير وكان زوجى رجل خلوق لم يحرمنى يوما من أى شىء، حتى شاءت الأقدار وتبدلت الظروف وابتلاه الله بمرض السرطان اللعين الذى أخذ يدمر صحته يوما بعد يوم. متابعة: "ومن هنا قررت أن أكون له العون والسند وفعلا اشتريت توك توك وأجرته ولكن السواقين اشتغلونى لذلك قررت أن أتخلى عن أنوثتى واشتغل بنفسى، على الرغم المصاعب التى مريت بها طوال الأنثى عشر عاما إلا أننى استكملت مسيرتى تحت شعار "الضربة اللى ماتموتش تقوي" وفعلا كل موقف صعب مريت به كان يزيدنى قوة وجرأة على مواجهة الأصعب منه.