لحظة الموت لها قدسيتها، وعظمتها وجلالها، لحظة مختلفة تقرر فيها روحك أن تذهب إلى بارئها راغمة، تسلم نفسها لعزرائيل الذى يلوح لها من بعيد فتلهث نحوه، ويصبح بطل المشهد دون منازع.. وإذا كان للموت كل هذه الرهبة وكل هذا الجلال فلماذا يذهب البعض إليه بإرداتهم الحرة؟ لماذا يمنح المنتحرون روحهم لعزرائيل على نعش من فضة؟ كيف يقتلون الحياة الكامنة فيهم فى لحظة قرروا فيها أن يتحولوا إلى ذكرى؟ ولأن الانتحار فعل يتناقض مع الرغبة فى الحياة وهى رغبة طبيعية لدى كل من قدر له أن يعيش فيها، إلا أن المنتحرين لهم أسباب ودوافع تتراوح ما بين المرض النفسى والعقلى وحتى العوامل الثقافية والاجتماعية. وعلى الرغم من أن الانتحار فعلا محرما، لدى معظم الديانات السماوية إلا أنه يتخذ منطق الشرف والشجاعة لدى أصحاب الثقافات الأخرى، ففى الهند مثلا يطلب تقليد "سوتى" من الأرملة أن تحرق نفسها مع جثة زوجها المتوفى، وكذلك أيضا "الهاراكيرى" وهو تقليد يابانى يقوم فيه الفرد بقطع أحشائه بسيف صغير (خنجر) وذلك بشق بطنه بخط أفقى من الشمال إلى اليمين ثم يواصل الشق رأسياً إلى أسفل البطن. ولأن هذه الطريقة لا تسبب الموت الفورى بل يظل المنتحر يعانى من الآلام الرهيبة، فلابد من وجود شخص يقوم بقطع رقبته على الفور حتى يريحه من هذه الآلام. ولم تنته فنون الانتحار اليابانية عند "الهاراكيرى"، بل كان لطيارى "الكاميكازى" الانتحاريين أيضا دور البطولة فى الحرب العالمية الثانية حين كانوا يشنون هجماتهم المفاجئة على الأسطول الأمريكى وراح ضحية هذه العمليات أربعة آلاف من هؤلاء المقاتلين الانتحارين بعد أن تحولت طائراتهم إلى أدوات تدمير بالغة الخطورة .أما عند الإسكيمو فينتحر كبار السن الذين يشعرون أنهم أصبحوا عالة على ذويهم ولم يعودوا قادرين على العمل فيدفن الواحد منهم نفسه فى الثلج ويظل هكذا حتى يموت. وبعيدا عن العوامل الحضارية فقد يتخذ الانتحار أبعادا فلسفية تتعلق بالمعتقد الفكرى، فهناك من يعتنقون الفكر الوجودى الذى يعلى من قيمة إرادة الإنسان واختياره ومسئوليته بالدرجة التى تجعله مسئولاً عن كل شىء فى حياته مسئولية مطلقة، وأن عليه أن يحقق ذاته ويطلق إمكاناته كما يريد، وإذا عجز عن ذلك فعليه أن يختار توقيت إنهاء حياته بالطريقة التى يريدها. وفى بعض مدارس الفكر الوجودى المتطرفة يعتبرون قرار الانتحار شجاعة وسلوكاً شريفاً ونبيلاً من الشخص الذى قرر الانسحاب فى اللحظة التى شعر فيها أنه غير قادر على العطاء. ولأن الانتحار فعلا شاذا باتفاق أساتذة علم النفس وعلمائه فإن انتحار المشاهير يدخل فى قائمة الأكثر شذوذا، خاصة أن الحياة قد منحتهم من الشهرة والنجاح ما يجعلهم يطردون هواجس الانتحار على الفور إلا أن القائمة تتسع لتشمل الزعيم النازى "هتلر"، والملكة "كليوباترا" والفنانة "داليدا"، وأسطورة الرسم الهولندى "فان جوخ" وغيرهم الكثير، كذلك أيضا فهناك قائمة أخرى ممن يشك فى انتحارهم تتصدرهم السندريلا "سعاد حسنى" والمشير "عبد الحكيم عامر"، ونجمة الإثارة الأمريكية "مارلين مونرو".