أسعار الذهب فى مصر اليوم الخميس 2 مايو 2024    الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف اخترق المركز الأكاديمى الإسرائيلى العقل المصرى؟
بالأسماء.. المركز الأكاديمى الإسرائيلى وفريق من علماء الاجتماع والطب النفسى وصحفيى النظام مثلوا أدوات متقدمة للاختراق والتطبيع
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 12 - 2009

تحدثنا فى الحلقة السابقة عن المقولات والسياسات التى كانت شائعة فى السنوات الأولى من التطبيع مع العدو الصهيونى، ومثلت مقدمات فكرية وسياسية للاختراق الثقافى، اليوم نكمل.. بداية إذا سلمنا بأن مصر تمثل نقطة ارتكاز رئيسية للعقل العربى، أو ما أسماه المفكر الراحل د. جمال حمدان ب(الجهاز العصبى للأمة العربية)، فإن ما تتعرض له سوف يؤثر أوتوماتيكياً على الإطار المحيط بها، ومن ثم فإن ضرورة المتابعة لسيناريوهات الاختراق الصهيونى للعقل المصرى، خاصة فى تلك الفترة المبكرة للتطبيع الثقافى والسياسى من الثمانينيات، باتت من الأهمية بمكان، لأنها تعد بحق نموذجاً حياً لما تنويه الإرادة الإسرائيلية بالعقل العربى، ولقد تعمدنا هنا أن نسجل تفاصيل الأبحاث والمؤتمرات والأفراد المشاركين لنقدم من خلالها حقيقة الخطر الذى كان كامناً فى السنوات الأولى للثمانينيات فى استراتيجية الاختراق الصهيونى لنا، وأهمية العمل العربى المشترك لتلافى ولمواجهة هذا الخطر وهو ما لم يحدث للأسف وقتها.
المركز الأكاديمى الإسرائيلى1:
أنشئ هذا المركز عام 1982، تطبيقاً لبنود اتفاقات كامب ديفيد، ولقد مارس المركز عملية مسح منظمة للمجتمع المصرى اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، ولعب فى الثمانينيات من القرن الماضى وحتى اليوم(2010)، من خلال مديريه التسعة السابقين، دوراً هاماً فى اختراق مصر، ولم يكن غريباً أن يتم اكتشاف عدة شبكات للتجسس من الأمريكيين والإسرائيليين وبعض المصريين يعملون داخل المركز، وينطلقون فى تجسسهم من خلاله وذلك من أول شبكة كشفت فى أوائل أغسطس 1985 وحتى الشبكة الأخيرة عام 2008، ونظرة سريعة على الأبحاث السياسية والثقافية والاجتماعية التى قام بها المركز خلال حقبة الثمانينيات وسنوات التطبيع الأولى يبرز لنا وضوح عمق الخطر الذى يمثله كأداة متقدمة للمخابرات الإسرائيلية «الموساد»، وكيف أن ما يقوم به هذا المركز من اختراق منظم للعقل المصرى ما هو إلا مثال مصغر لما ينتظر العقل العربى فى حالة غياب وحدة العمل العربى المشترك تجاه التغلغل الإسرائيلى، فالمركز مثلاً أجرى أبحاثاً فى الأصول العرقية للمجتمع المصرى، وفى كيفية تفتيت مصر طائفياً، وفى الوحدة الثقافية والعقائدية بين اليهودية والإسلام، وفى الشعر العربى الحديث، وقضايا التعليم والزراعة والميكنة الزراعية واستصلاح الأراضى، وفى توزيع الدخل، وحياة البدو والبربروكيفية السيطرة عليها، وفى تأثير السلام على العقل العربى، وغيرها من الأبحاث الهامة. وقديماً فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى عمل العديد من الباحثين الأمريكيين واليهود فى خدمة مشروع التطبيع الثقافى مع العدو الصهيونى.
وكنموذج لليهود الأمريكيين والمزدوجى الجنسية (أمريكى/ إسرئيلى) الذين عملوا مع هذا المركز ومع المؤسسات الأمريكية الداعمة للتطبيع فى سنواته الأولى يأتى ليونارد بايندر، الذى عمل مستشاراً سياسياً لجولدا مائير أثناء حرب 1973 وشارك فى حرب 1948 مقاتلاً ضد العرب عندما كان شاباً، وهو حاصل على الجنسية الإسرائيلية بالإضافة إلى جنسيته الأمريكية! وهذا اليهودى الإسرائيلى عمل أستاذاً زائراً بالجامعة الأمريكية فى مصر وأستاذا للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو، وهو صاحب كتاب «الحرب العقائدية فى الشرق الأوسط»، وهو صديق لنفر مهم من أساتذة العلوم السياسية فى مصر، وله علاقات وطيدة بأساتذة الاجتماع فى جامعة عين شمس والقاهرة، وببعض المثقفين اليساريين، ولقد مولت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية جميع أبحاثه التى ذهبت جميعها إلى دراسة التيارات الدينية فى مصر والمنطقة العربية وإيران، وله دراسات فى «ظاهرة الجماعات الإسلامية» والتطرف الدينى فى مصر، والتغيرات السياسية والاجتماعية. وفى الجامعة الأمريكية بالقاهرة قام بعقد عدة صفقات بحثية مماثلة مع بعض الأساتذة المصريين العاملين بالجامعة حول الظواهر نفسها ، وكانت الهيئات البحثية الأمريكية، والمركز الأكاديمى الإسرائيلى هى الممولة لهذه الأبحاث!
التطبيع من خلال مؤتمرات الطب النفسى:
وفى السنوات الأولى للتطبيع أيضاً، وتحديداً خلال الفترة من مارس 1980 وحتى 9/9/1981 قام البروفيسور الإسرائيلى الشهير ستيفن كوهين بعقد عدة صفقات بحثية هامة مع بعض أساتذة علم النفس المصريين، وكان أشهر هذه الأبحاث هو بحث (رؤى الصراع) الذى اهتم بالجوانب الاجتماعية والنفسية للصراع، ومولته هيئة المعونة الأمريكية وجامعة نيويورك والمركز الأكاديمى الإسرائيلى، ومثل الجانب المصرى فيه كل من د.قدرى حفنى، ود.محمد شعلان، وعدد آخر من السياسيين الكبار، وفى مقدمتهم د.مصطفى خليل، وغيرهم ممن لم يخجلوا من بناء علاقات مع إسرائيل قبل أن يعود للعرب والفلسطينيين المحتلة أرضهم وحقوقهم.
وفى بداية سنوات التطبيع أيضاً عقد أول مؤتمر لعلماء الطب النفسى الصهاينة والمصريين فى فندق «ووترجيت» بواشنطن، فى الفترة من 20 إلى 25 يناير 1980 وكان تحت عنوان «المعوقات النفسية فى المفاوضات الدولية تطبيقاً على الصراع المصرى الإسرائيلى» وقد مثل الجانب المصرى فى هذا المؤتمر د.محمود محفوظ وزير الصحة المصرى الأسبق، ود.عصام جلال مستشار وزارة الصحة الأسبق ورئيس الجمعية المصرية للغدد الصماء، ود.محمد شعلان رئيس قسم الطب النفسى بجامعة القاهرة، ود.عادل صادق أستاذ الطب النفسى المساعد بجامعة عين شمس، والراحل د.عبدالعظيم رمضان أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنوفية والكاتب الدائم بمجلة أكتوبر قبل رحيله، وتحسين بشير الذى عمل هو أيضاً قبل رحيله بجامعة الدول العربية، وبالطبع لم ينشر شىء عن هذا المؤتمر فى حينه بل ضُرب حوله ستار متعمد من السرية، وبعد عامين ونصف العام.
وبعد عدة أشهر عقدت الجولة الثانية من جولات مؤتمرات الحوار النفسى، وتم ذلك فى لوزان بسويسرا، وكان موضوع المؤتمر «الاعتداء على الإنسان والقسوة عليه.. والصلح كيف يكون فى النهاية»، ولقد مثل الجانب المصرى ثلاثة هم: تحسين بشير، ود.محمد شعلان الذى مثل القاسم المشترك فى كل البحوث والمؤتمرات النفسية مع إسرائيل فى بداياتها كما تنبئنا وثائق تلك المرحلة، ود.عادل صادق، واعتذر عن عدم الحضور د.إبراهيم البحراوى، ود.محمود محفوظ، ومن الجانب الأمريكى حضر سبعة من علماء الطب النفسى، ومن إسرائيل ستة من العلماء النفسيين المشتغلين بالموساد.
وبعد شهور وفى الإسكندرية عُقد مؤتمر ثالث، وهو يعد من أخطر المؤتمرات حيث ضم الجانب الإسرائيلى خمسة أعضاء يتقدمهم شلوموجازيت الرئيس السابق للموساد «جهاز المخابرات الإسرائيلى» ورئيس جامعة بن جوريون أيام عقد ذلك المؤتمر، ود. رفائيل موزيس، ود.جبريل كوهين أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب، أما الجانب المصرى فقد ضم د.محمد شعلان، ود.عبدالعظيم رمضان، ود.لطفى فطيم، ود.صلاح العقاد، ود. عادل صادق، وكانت القضايا المطروحة للنقاش تدور حول «دلالات الانسحاب الإسرائيلى من سيناء» وما صاحبه من مشكلات وأمزجة إسرائيلية فى مستعمرتى ياميت وافيرا، وما ارتبط به من مواقف رسمية للحكومة الإسرائيلية فى مشاكل الحدود فى طابا، وأخيراً مستقبل قضية فلسطين.
مؤتمرات التطبيع الصحفى والبحثى:
ومن النشاط المشترك الأمريكى/ الإسرائيلى فى سنوات التطبيع الأولى ما قام به الصحفى الإسرائيلى إريه ليفى من زيارات شخصية للدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية فى تلك الفترة (الثمانينيات) والذى سيذيع صيته بعد ذلك، ويتمادى عبر مركزه (ابن خلدون) فى التطبيع مع المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة وجامعة حيفا، ثم يترك مصر بعد أن حكم عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة تلقى التمويل الأجنبى، وسعد الدين إبراهيم فى سنوات التطبيع الأولى عقد مع الإسرائيليين ومنهم الصحفى سالف الذكر، إريه ليفى، عدة صفقات بحثية حول الصراع العربى الإسرائيلى وما يرتبط به من قضايا وإشكالات، وترتب على هذه الصفقات زيارات عديدة لسعد الدين إلى منزل هذا الصحفى الإسرائيلى بإحدى العواصم الأوروبية، وبزيارات هذا الصحفى الشخصية لهذا الأستاذ بشكل شبه دورى بالقاهرة!
ولأمريكا فى شارع قصر الدوبارة مركز للبحوث الاجتماعية لعب فى بدايات التطبيع بين مصر وإسرائيل دوراً خطيراً مشاركاً بهذا الجامعة الأمريكية التى لا يقف تعاونها الغريب مع الإسرائيليين أو اليهود الأمريكان عند حد منذ إنشائها عام 1919 وحتى اليوم (2010).
مؤتمرات أخرى:
وينبئنا التاريخ أن علاقات إسرائيل البحثية ومحاولات اختراقها للعقل المصرى لم تقف عند هذا النطاق إذ إنها حضرت المؤتمرات العلمية المختلفة التى أقامتها فى سنوات التطبيع الأولى بعض جامعاتنا الوطنية، مثل مؤتمر العلوم والطاقة النووية الشهير الذى عقد فى الإسكندرية عام 1984، وأيضاً مؤتمر القانون الدولى الذى عقد بجامعة القاهرة.. كانت إسرائيل ممثلة بوفود على درجة عالية من الثقافة والتى يقول عنها بن جوريون فى كتابه «إسرائيل تاريخ شخصى»، إنه يندر أن تجد أكاديميا أو سياسيا إسرائيليا لم يتثقف على أيدى الموساد، ومن خلال منظمات الإرهاب الصهيونى فى الأربعينيات.
والنشاط الإسرائيلى لم يعرف زماناً أو مكاناً يتوقف عنده، فهو منذ زيارة السادات للقدس عام 1977، وهو يتغلغل فى مصر وبكل الأساليب وعبر جميع القنوات، وفى أوائل عام 1985 قاطعت نقابة الصيادلة بالإسكندرية وبعض أساتذة الصيدلة، جلسات المؤتمر الدولى لاتحادات طلاب كلية الصيدلة، احتجاجاً على مشاركة وفد طلابى إسرائيلى فى أعمال المؤتمر الذى كان يعقد فى مصر يومها لأول مرة، وكانت تنظمه كلية صيدلة الإسكندرية، وكان منظمو المؤتمر قد فوجئوا بوصول الوفد الإسرائيلى على نفس الطائرة التى تقل الوفد الطلابى الأمريكى، وتبين أن الطائرة الأمريكية هبطت فى مطار تل أبيب لاصطحاب الطلاب الإسرائيليين، ومن قبل هذا المؤتمر شارك الطلاب الإسرائيليون فى مؤتمر لطب الأسنان بجامعة الإسكندرية أيضاً، والمعروف أن الرئيس الأسبق للجامعة الدكتور/ الحضرى كان من أكبر المؤيدين للرئيس السابق السادات فى مجال التطبيع البحثى والعلمى مع إسرائيل، مما دفع بعض الأساتذة إلى الاحتجاج على ذلك إبان حكم الرئيس السابق، وكان فى مقدمتهم الدكتور/ عصمت زين الدين الذى وصل به الأمر إلى حد الإضراب عن الطعام!
ومع الإسرائيليين أيضاً كانت اتصالات عدد من الصحفيين المصريين بالإسرائيليين وسفر بعضهم إلى الكيان الصهيونى تحت حجج واهية، ولكنها حجج لا تحجب الطبيعة التطبيعية لتلك الزيارات ومن هؤلاء أنيس منصور، ومكرم محمد أحمد، وحسين سراج والصحفى المعروف «عبده مباشر» وقيامه هو ورئيس سابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام بإجبار باحثى هذا المركز على مقابلة الباحثين والسياسيين الإسرائيليين، وإجراء حوار معهم، وهى السنّة التى سيظل متبعاً إياها د. عبدالمنعم سعيد الرئيس السابق لهذا المركز طيلة التسعينيات وحتى اليوم (2010)، بالإضافة لاستضافة التليفزيون الإسرائيلى لعبده مباشر وأنيس منصور وغيرهما ليتحدثوا عن «الشخصية المصرية» بعد التطبيع، وكان ذلك قبل رحيل السادات بشهور قليلة واستمر فى عهد خلفه الرئيس مبارك طيلة سنوات التطبيع الأولى مع العدو الصهيونى، ثم ليتوسع بعد ذلك ويضم عدداً آخر من المشتاقين للمناصب والمغانم عبر قناة التطبيع.
كيف كانت سبل المواجهة للاختراق:
نعتقد أن حجم الاختراق الإسرائيلى للعقل العربى الذى تم فى سنوات التطبيع الأولى ظل محصوراً فى نطاق النموذجين المصرى والأردنى من ناحية، وفى نطاق التعاون غير المباشر عربياً مع بعض المؤسسات البحثية الأمريكية من ناحية أخرى، لقد كانت المواجهة بالإجمال ضعيفة وغير منسقة الأدوار رغم النجاحات المحدودة لبعضها كما هو الحال فى مصر، وباستعراض نموذج واحد (مبكر جداً) من نماذج المواجهة المصرية المنفردة للاختراق الصهيونى للعقل المصرى، يمكننا أن نخلص إلى عدد من الدلالات الهامة قد تفيد فى مجال التدعيم العربى لمصر فى هذا الجانب، والنموذج الذى نقدمه هنا شارك فيه كاتب هذه السطور شخصياً، وعاصر تجربته وهو نموذج (معرض القاهرة الدولى السابع عشر للكتاب) فى 22 يناير 1985، التحم الشعب المصرى بمثقفيه ودور النشر الوطنية والأحزاب السياسية وهيئات التدريس بجامعة مصر والنقابات الوطنية، فى مواجهة الوجود الإسرائيلى بالمعرض واستطاع أن يحول أرض المعرض لمواجهة حقيقية ترفض التطبيع والاختراق العقلى والعنصرية الثقافية والسياسية«2»، ولنتأمل فقط الجهات التى واجهت بالكلمة أو بالمظاهرة أو بالسجن الاختراق الصهيونى: (أحزاب: العمل التجمع، الوفد، الإخوان المسلمون، الناصريون، رؤساء ونقباء وأعضاء نقابات: الصحفيين، المحامين، اتحاد النقابات الفنية، نقابة التشكيلين، اتحاد عمال التجارة العرب، اتحاد الفلاحين المصريين، جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، اللجنة العربية لتخليد القائد جمال عبدالناصر، المنظمة العربية لمكافحة الاستعمار والدفاع عن السلام، واللجنة القومية لمناصرة شعب فلسطين ولبنان، واللجنة المصرية للدفاع عن الحريات، ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية، وبعض أعضاء مجلس الشعب، ومجالس النقابات المهنية والعمالية، ومجالس إدارات نوادى هيئات التدريس، واتحادات الطلاب وعدد من الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانين والناشرين).
وبنظرة سريعة على تركيبة القوى المصرية المشاركة فى رفض هذا الوجود والاختراق الصهيونى، يؤدى بنا إلى نتيجة هامة وهى أن الشعب المصرى ككل كان رافضاً فى تلك الفترة لهذا الاختراق، وأنه بمفرده فقط كان فى المواجهة، وينبغى أن نتذكر هنا أيضاً أن النقابات المهنية وفى مقدمتها نقابة الصحفيين قد أصدرت فى تلك الفترة قرارات حاسمة لا تزال سارية حتى اليوم برفض وتحريم جميع أشكال التطبيع المهنى والثقافى مع إسرائيل، ولم تؤازرها وقتها النقابات العربية بالقدر الكافى، وهنا يبرز الاتجاه الثانى المتصل بالدور العربى وأهمية وجوده بعد الغياب الطويل وأحياناً المقصود، وكان متوقعاً أن يكون هذا الوجود من خلال الدعم الأدبى والسياسى والتنسيق المشترك مع القوى المصرية السابقة، ومن خلال المؤتمرات واللقاءات المشتركة على مستوى الأقطار أولاً ثم على مستوى الجامعة العربية ومؤسساتها الثقافية ثانياً، وهو ما لم يحدث بل إن دوراً مفترضاً كان ينبغى أن تلعبه منظمة «الألكسو» المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فى مثل هذا المجال (مجال مواجهة التطبيع الثقافى تحديداً) سواء من خلال المجلات والدوريات التى تصدر عنها، أو من خلال المؤتمرات والاتفاقات الثقافية التى تعقدها مع الجهات الوطنية المصرية الرافضة للتطبيع الثقافى، وهى الجهات السابقة وغيرها، وأيضاً من خلال حذرها الشديد فى مجال الاتفاقات الدولية التى تعقدها مع المؤسسات الثقافية الغربية، والتى قد يتواجد بها الصهاينة، ولكن للأسف لم يتم هذا الدور، بل حدث العكس.
إن تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر تحتاج إلى أكبر إضاءة ممكنة عن أسرارها وتفاعلاتها، ووثائقها، ونحسب أنه رغم التطبيع الرسمى المصرى المستمر والمتزايد حتى اليوم (2010) مع إسرائيل، لم يكن له أن يظل مداناً أخلاقياً وأدبياً، ومحصوراً فى زمرة من المنبوذين من النخبة (الإعلامية والسياسية والاقتصادية) إلا بفضل تلك المقاومة الشعبية العفوية والمنظمة التى وضعت أسسها ولبناتها الأولى فى الثمانينيات من القرن الماضى، والتى توالى البناء عليها فى التسعينيات ثم السنوات العشر الأولى من هذا القرن، وهو ما تتولاه دراسات أخرى لنا ورغم صخب المطبعين على اختلاف مشاربهم ومساندة أنظمة الحكم لهم (وتحديداً النظام المصرى)، لكن التطبيع لا يزال حتى لحظة كتابة هذه الدراسة يمثل فعلاً فاضحاً يتحاشى الجميع وفى مقدمتهم هؤلاء المطبعين أن يوسموا به، وفى ذلك شهادة حية على جدوى مقاومة التطبيع (الثقافى والسياسى والاقتصادى) حتى لو بالكلمة، وعلى أهمية وجدوى العمل الدءوب على فضح أستاره، ورجاله، ومؤسساته، وجدوى استثمار دور الفتوى الدينية (الإسلامية والمسيحية) فى تحريمه، فقضيتنا مع هذا العدو طويلة ومركبة، وصراعنا معه صراع بقاء ووجود، ولأنه كذلك فكل فعل مقاوم (بالفكر أو بالسلاح) يصب لصالح إنهاء هذا الكيان الدخيل على أرضنا وثقافتنا، وتاريخنا.
والله أعلم
لمعلوماتك..
28 سنة مرت على تأسيس المركز الأكاديمى الإسرائيلى.
1979 وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام بين البلدين.
9 هم عدد السفراء الإسرائيليين فى مصر منذ عام 1980 وجميعهم ساهموا بدور كبير فى اختراق المجتمع المصرى ورغم إخفاقهم فإن محاولاتهم مازالت مستمرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.