عميدة طب بنات الأزهر في حفل تخرج الوافدين: كونوا نبراسًا للرحمة ببلادكم    ننشر حصاد وزارة الإسكان خلال أسبوع| فيديو جراف    الفضة تقفز ل 119 جنيها للجرام محليا.. وتلامس أعلى مستوى تاريخي عالميا عند 75 دولارًا للأوقية    الزراعة: خطط إرشادية لرفع إنتاجية المحاصيل.. والإرشاد زود إنتاجية القمح ل20 أردبا    استطلاع صادم يكشف أزمة قيادة غير مسبوقة داخل حزب العمال البريطاني    جيش الاحتلال الإسرائيلى يشن غارات عنيفة على قرى ومحافظات جنوب لبنان    مجموعة الفراعنة.. أنجولا وزيمبابوي يتعادلان 1 - 1 فى الشوط الأول    الجيش الأوكراني: أسقطنا 73 مسيرة روسية استهدفت مناطق متفرقة في البلاد    أمم أفريقيا 2025| «مجموعة مصر».. تعادل إيجابي بين أنجولا وزيمبابوي في الشوط الأول    القبض على عاطل استغل إصابة شخص واستولى على دراجته النارية| فيديو    مراسل القاهرة الإخبارية: تفجير مسجد الإمام سبب ذعر المصلين أثناء صلاة الجمعة    وكيل الصحة بالإسماعيلية تفاجئ مستشفى الحميات    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    تركيا: اعتقال مشتبه به ينتمي ل "داعش" كان يخطط لشن هجوم في رأس السنة الجديدة    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية فى سلاح السيف    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    إطلاق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة في جولة الإعادة بالدوائر ال19 الملغاة    تحسن صحة محمود حميدة وخروجه من المستشفى.. ويستعد لطرح فيلمه الجديد "الملحد" الأربعاء المقبل    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    الرعاية الصحية تعلن قيد جمعية الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة رسميا بوزارة التضامن    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    هيئة الدواء: هذه الأخطاء الشائعة في استخدام الأدوية تهدد صحتك    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    غارات وقصف ونسف متواصل يستهدف مناطق واسعة بقطاع غزة    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    أمن الجيزة يكشف غموض العثور على جثة بائع بمدينة 6 أكتوبر    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    معركة العمق الدفاعي تشغل حسام حسن قبل مواجهة جنوب إفريقيا    كأس الأمم الأفريقية.. زيمبابوي وأنجولا اليوم من أجل التعويض    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف اخترق المركز الأكاديمى الإسرائيلى العقل المصرى؟
بالأسماء.. المركز الأكاديمى الإسرائيلى وفريق من علماء الاجتماع والطب النفسى وصحفيى النظام مثلوا أدوات متقدمة للاختراق والتطبيع
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 12 - 2009

تحدثنا فى الحلقة السابقة عن المقولات والسياسات التى كانت شائعة فى السنوات الأولى من التطبيع مع العدو الصهيونى، ومثلت مقدمات فكرية وسياسية للاختراق الثقافى، اليوم نكمل.. بداية إذا سلمنا بأن مصر تمثل نقطة ارتكاز رئيسية للعقل العربى، أو ما أسماه المفكر الراحل د. جمال حمدان ب(الجهاز العصبى للأمة العربية)، فإن ما تتعرض له سوف يؤثر أوتوماتيكياً على الإطار المحيط بها، ومن ثم فإن ضرورة المتابعة لسيناريوهات الاختراق الصهيونى للعقل المصرى، خاصة فى تلك الفترة المبكرة للتطبيع الثقافى والسياسى من الثمانينيات، باتت من الأهمية بمكان، لأنها تعد بحق نموذجاً حياً لما تنويه الإرادة الإسرائيلية بالعقل العربى، ولقد تعمدنا هنا أن نسجل تفاصيل الأبحاث والمؤتمرات والأفراد المشاركين لنقدم من خلالها حقيقة الخطر الذى كان كامناً فى السنوات الأولى للثمانينيات فى استراتيجية الاختراق الصهيونى لنا، وأهمية العمل العربى المشترك لتلافى ولمواجهة هذا الخطر وهو ما لم يحدث للأسف وقتها.
المركز الأكاديمى الإسرائيلى1:
أنشئ هذا المركز عام 1982، تطبيقاً لبنود اتفاقات كامب ديفيد، ولقد مارس المركز عملية مسح منظمة للمجتمع المصرى اجتماعياً وسياسياً وثقافياً، ولعب فى الثمانينيات من القرن الماضى وحتى اليوم(2010)، من خلال مديريه التسعة السابقين، دوراً هاماً فى اختراق مصر، ولم يكن غريباً أن يتم اكتشاف عدة شبكات للتجسس من الأمريكيين والإسرائيليين وبعض المصريين يعملون داخل المركز، وينطلقون فى تجسسهم من خلاله وذلك من أول شبكة كشفت فى أوائل أغسطس 1985 وحتى الشبكة الأخيرة عام 2008، ونظرة سريعة على الأبحاث السياسية والثقافية والاجتماعية التى قام بها المركز خلال حقبة الثمانينيات وسنوات التطبيع الأولى يبرز لنا وضوح عمق الخطر الذى يمثله كأداة متقدمة للمخابرات الإسرائيلية «الموساد»، وكيف أن ما يقوم به هذا المركز من اختراق منظم للعقل المصرى ما هو إلا مثال مصغر لما ينتظر العقل العربى فى حالة غياب وحدة العمل العربى المشترك تجاه التغلغل الإسرائيلى، فالمركز مثلاً أجرى أبحاثاً فى الأصول العرقية للمجتمع المصرى، وفى كيفية تفتيت مصر طائفياً، وفى الوحدة الثقافية والعقائدية بين اليهودية والإسلام، وفى الشعر العربى الحديث، وقضايا التعليم والزراعة والميكنة الزراعية واستصلاح الأراضى، وفى توزيع الدخل، وحياة البدو والبربروكيفية السيطرة عليها، وفى تأثير السلام على العقل العربى، وغيرها من الأبحاث الهامة. وقديماً فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى عمل العديد من الباحثين الأمريكيين واليهود فى خدمة مشروع التطبيع الثقافى مع العدو الصهيونى.
وكنموذج لليهود الأمريكيين والمزدوجى الجنسية (أمريكى/ إسرئيلى) الذين عملوا مع هذا المركز ومع المؤسسات الأمريكية الداعمة للتطبيع فى سنواته الأولى يأتى ليونارد بايندر، الذى عمل مستشاراً سياسياً لجولدا مائير أثناء حرب 1973 وشارك فى حرب 1948 مقاتلاً ضد العرب عندما كان شاباً، وهو حاصل على الجنسية الإسرائيلية بالإضافة إلى جنسيته الأمريكية! وهذا اليهودى الإسرائيلى عمل أستاذاً زائراً بالجامعة الأمريكية فى مصر وأستاذا للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو، وهو صاحب كتاب «الحرب العقائدية فى الشرق الأوسط»، وهو صديق لنفر مهم من أساتذة العلوم السياسية فى مصر، وله علاقات وطيدة بأساتذة الاجتماع فى جامعة عين شمس والقاهرة، وببعض المثقفين اليساريين، ولقد مولت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية جميع أبحاثه التى ذهبت جميعها إلى دراسة التيارات الدينية فى مصر والمنطقة العربية وإيران، وله دراسات فى «ظاهرة الجماعات الإسلامية» والتطرف الدينى فى مصر، والتغيرات السياسية والاجتماعية. وفى الجامعة الأمريكية بالقاهرة قام بعقد عدة صفقات بحثية مماثلة مع بعض الأساتذة المصريين العاملين بالجامعة حول الظواهر نفسها ، وكانت الهيئات البحثية الأمريكية، والمركز الأكاديمى الإسرائيلى هى الممولة لهذه الأبحاث!
التطبيع من خلال مؤتمرات الطب النفسى:
وفى السنوات الأولى للتطبيع أيضاً، وتحديداً خلال الفترة من مارس 1980 وحتى 9/9/1981 قام البروفيسور الإسرائيلى الشهير ستيفن كوهين بعقد عدة صفقات بحثية هامة مع بعض أساتذة علم النفس المصريين، وكان أشهر هذه الأبحاث هو بحث (رؤى الصراع) الذى اهتم بالجوانب الاجتماعية والنفسية للصراع، ومولته هيئة المعونة الأمريكية وجامعة نيويورك والمركز الأكاديمى الإسرائيلى، ومثل الجانب المصرى فيه كل من د.قدرى حفنى، ود.محمد شعلان، وعدد آخر من السياسيين الكبار، وفى مقدمتهم د.مصطفى خليل، وغيرهم ممن لم يخجلوا من بناء علاقات مع إسرائيل قبل أن يعود للعرب والفلسطينيين المحتلة أرضهم وحقوقهم.
وفى بداية سنوات التطبيع أيضاً عقد أول مؤتمر لعلماء الطب النفسى الصهاينة والمصريين فى فندق «ووترجيت» بواشنطن، فى الفترة من 20 إلى 25 يناير 1980 وكان تحت عنوان «المعوقات النفسية فى المفاوضات الدولية تطبيقاً على الصراع المصرى الإسرائيلى» وقد مثل الجانب المصرى فى هذا المؤتمر د.محمود محفوظ وزير الصحة المصرى الأسبق، ود.عصام جلال مستشار وزارة الصحة الأسبق ورئيس الجمعية المصرية للغدد الصماء، ود.محمد شعلان رئيس قسم الطب النفسى بجامعة القاهرة، ود.عادل صادق أستاذ الطب النفسى المساعد بجامعة عين شمس، والراحل د.عبدالعظيم رمضان أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنوفية والكاتب الدائم بمجلة أكتوبر قبل رحيله، وتحسين بشير الذى عمل هو أيضاً قبل رحيله بجامعة الدول العربية، وبالطبع لم ينشر شىء عن هذا المؤتمر فى حينه بل ضُرب حوله ستار متعمد من السرية، وبعد عامين ونصف العام.
وبعد عدة أشهر عقدت الجولة الثانية من جولات مؤتمرات الحوار النفسى، وتم ذلك فى لوزان بسويسرا، وكان موضوع المؤتمر «الاعتداء على الإنسان والقسوة عليه.. والصلح كيف يكون فى النهاية»، ولقد مثل الجانب المصرى ثلاثة هم: تحسين بشير، ود.محمد شعلان الذى مثل القاسم المشترك فى كل البحوث والمؤتمرات النفسية مع إسرائيل فى بداياتها كما تنبئنا وثائق تلك المرحلة، ود.عادل صادق، واعتذر عن عدم الحضور د.إبراهيم البحراوى، ود.محمود محفوظ، ومن الجانب الأمريكى حضر سبعة من علماء الطب النفسى، ومن إسرائيل ستة من العلماء النفسيين المشتغلين بالموساد.
وبعد شهور وفى الإسكندرية عُقد مؤتمر ثالث، وهو يعد من أخطر المؤتمرات حيث ضم الجانب الإسرائيلى خمسة أعضاء يتقدمهم شلوموجازيت الرئيس السابق للموساد «جهاز المخابرات الإسرائيلى» ورئيس جامعة بن جوريون أيام عقد ذلك المؤتمر، ود. رفائيل موزيس، ود.جبريل كوهين أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب، أما الجانب المصرى فقد ضم د.محمد شعلان، ود.عبدالعظيم رمضان، ود.لطفى فطيم، ود.صلاح العقاد، ود. عادل صادق، وكانت القضايا المطروحة للنقاش تدور حول «دلالات الانسحاب الإسرائيلى من سيناء» وما صاحبه من مشكلات وأمزجة إسرائيلية فى مستعمرتى ياميت وافيرا، وما ارتبط به من مواقف رسمية للحكومة الإسرائيلية فى مشاكل الحدود فى طابا، وأخيراً مستقبل قضية فلسطين.
مؤتمرات التطبيع الصحفى والبحثى:
ومن النشاط المشترك الأمريكى/ الإسرائيلى فى سنوات التطبيع الأولى ما قام به الصحفى الإسرائيلى إريه ليفى من زيارات شخصية للدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية فى تلك الفترة (الثمانينيات) والذى سيذيع صيته بعد ذلك، ويتمادى عبر مركزه (ابن خلدون) فى التطبيع مع المركز الأكاديمى الإسرائيلى بالقاهرة وجامعة حيفا، ثم يترك مصر بعد أن حكم عليه بالسجن سبع سنوات بتهمة تلقى التمويل الأجنبى، وسعد الدين إبراهيم فى سنوات التطبيع الأولى عقد مع الإسرائيليين ومنهم الصحفى سالف الذكر، إريه ليفى، عدة صفقات بحثية حول الصراع العربى الإسرائيلى وما يرتبط به من قضايا وإشكالات، وترتب على هذه الصفقات زيارات عديدة لسعد الدين إلى منزل هذا الصحفى الإسرائيلى بإحدى العواصم الأوروبية، وبزيارات هذا الصحفى الشخصية لهذا الأستاذ بشكل شبه دورى بالقاهرة!
ولأمريكا فى شارع قصر الدوبارة مركز للبحوث الاجتماعية لعب فى بدايات التطبيع بين مصر وإسرائيل دوراً خطيراً مشاركاً بهذا الجامعة الأمريكية التى لا يقف تعاونها الغريب مع الإسرائيليين أو اليهود الأمريكان عند حد منذ إنشائها عام 1919 وحتى اليوم (2010).
مؤتمرات أخرى:
وينبئنا التاريخ أن علاقات إسرائيل البحثية ومحاولات اختراقها للعقل المصرى لم تقف عند هذا النطاق إذ إنها حضرت المؤتمرات العلمية المختلفة التى أقامتها فى سنوات التطبيع الأولى بعض جامعاتنا الوطنية، مثل مؤتمر العلوم والطاقة النووية الشهير الذى عقد فى الإسكندرية عام 1984، وأيضاً مؤتمر القانون الدولى الذى عقد بجامعة القاهرة.. كانت إسرائيل ممثلة بوفود على درجة عالية من الثقافة والتى يقول عنها بن جوريون فى كتابه «إسرائيل تاريخ شخصى»، إنه يندر أن تجد أكاديميا أو سياسيا إسرائيليا لم يتثقف على أيدى الموساد، ومن خلال منظمات الإرهاب الصهيونى فى الأربعينيات.
والنشاط الإسرائيلى لم يعرف زماناً أو مكاناً يتوقف عنده، فهو منذ زيارة السادات للقدس عام 1977، وهو يتغلغل فى مصر وبكل الأساليب وعبر جميع القنوات، وفى أوائل عام 1985 قاطعت نقابة الصيادلة بالإسكندرية وبعض أساتذة الصيدلة، جلسات المؤتمر الدولى لاتحادات طلاب كلية الصيدلة، احتجاجاً على مشاركة وفد طلابى إسرائيلى فى أعمال المؤتمر الذى كان يعقد فى مصر يومها لأول مرة، وكانت تنظمه كلية صيدلة الإسكندرية، وكان منظمو المؤتمر قد فوجئوا بوصول الوفد الإسرائيلى على نفس الطائرة التى تقل الوفد الطلابى الأمريكى، وتبين أن الطائرة الأمريكية هبطت فى مطار تل أبيب لاصطحاب الطلاب الإسرائيليين، ومن قبل هذا المؤتمر شارك الطلاب الإسرائيليون فى مؤتمر لطب الأسنان بجامعة الإسكندرية أيضاً، والمعروف أن الرئيس الأسبق للجامعة الدكتور/ الحضرى كان من أكبر المؤيدين للرئيس السابق السادات فى مجال التطبيع البحثى والعلمى مع إسرائيل، مما دفع بعض الأساتذة إلى الاحتجاج على ذلك إبان حكم الرئيس السابق، وكان فى مقدمتهم الدكتور/ عصمت زين الدين الذى وصل به الأمر إلى حد الإضراب عن الطعام!
ومع الإسرائيليين أيضاً كانت اتصالات عدد من الصحفيين المصريين بالإسرائيليين وسفر بعضهم إلى الكيان الصهيونى تحت حجج واهية، ولكنها حجج لا تحجب الطبيعة التطبيعية لتلك الزيارات ومن هؤلاء أنيس منصور، ومكرم محمد أحمد، وحسين سراج والصحفى المعروف «عبده مباشر» وقيامه هو ورئيس سابق لمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام بإجبار باحثى هذا المركز على مقابلة الباحثين والسياسيين الإسرائيليين، وإجراء حوار معهم، وهى السنّة التى سيظل متبعاً إياها د. عبدالمنعم سعيد الرئيس السابق لهذا المركز طيلة التسعينيات وحتى اليوم (2010)، بالإضافة لاستضافة التليفزيون الإسرائيلى لعبده مباشر وأنيس منصور وغيرهما ليتحدثوا عن «الشخصية المصرية» بعد التطبيع، وكان ذلك قبل رحيل السادات بشهور قليلة واستمر فى عهد خلفه الرئيس مبارك طيلة سنوات التطبيع الأولى مع العدو الصهيونى، ثم ليتوسع بعد ذلك ويضم عدداً آخر من المشتاقين للمناصب والمغانم عبر قناة التطبيع.
كيف كانت سبل المواجهة للاختراق:
نعتقد أن حجم الاختراق الإسرائيلى للعقل العربى الذى تم فى سنوات التطبيع الأولى ظل محصوراً فى نطاق النموذجين المصرى والأردنى من ناحية، وفى نطاق التعاون غير المباشر عربياً مع بعض المؤسسات البحثية الأمريكية من ناحية أخرى، لقد كانت المواجهة بالإجمال ضعيفة وغير منسقة الأدوار رغم النجاحات المحدودة لبعضها كما هو الحال فى مصر، وباستعراض نموذج واحد (مبكر جداً) من نماذج المواجهة المصرية المنفردة للاختراق الصهيونى للعقل المصرى، يمكننا أن نخلص إلى عدد من الدلالات الهامة قد تفيد فى مجال التدعيم العربى لمصر فى هذا الجانب، والنموذج الذى نقدمه هنا شارك فيه كاتب هذه السطور شخصياً، وعاصر تجربته وهو نموذج (معرض القاهرة الدولى السابع عشر للكتاب) فى 22 يناير 1985، التحم الشعب المصرى بمثقفيه ودور النشر الوطنية والأحزاب السياسية وهيئات التدريس بجامعة مصر والنقابات الوطنية، فى مواجهة الوجود الإسرائيلى بالمعرض واستطاع أن يحول أرض المعرض لمواجهة حقيقية ترفض التطبيع والاختراق العقلى والعنصرية الثقافية والسياسية«2»، ولنتأمل فقط الجهات التى واجهت بالكلمة أو بالمظاهرة أو بالسجن الاختراق الصهيونى: (أحزاب: العمل التجمع، الوفد، الإخوان المسلمون، الناصريون، رؤساء ونقباء وأعضاء نقابات: الصحفيين، المحامين، اتحاد النقابات الفنية، نقابة التشكيلين، اتحاد عمال التجارة العرب، اتحاد الفلاحين المصريين، جمعية أنصار حقوق الإنسان بالإسكندرية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان، اللجنة العربية لتخليد القائد جمال عبدالناصر، المنظمة العربية لمكافحة الاستعمار والدفاع عن السلام، واللجنة القومية لمناصرة شعب فلسطين ولبنان، واللجنة المصرية للدفاع عن الحريات، ولجنة الدفاع عن الثقافة القومية، وبعض أعضاء مجلس الشعب، ومجالس النقابات المهنية والعمالية، ومجالس إدارات نوادى هيئات التدريس، واتحادات الطلاب وعدد من الصحفيين والكتاب والأدباء والفنانين والناشرين).
وبنظرة سريعة على تركيبة القوى المصرية المشاركة فى رفض هذا الوجود والاختراق الصهيونى، يؤدى بنا إلى نتيجة هامة وهى أن الشعب المصرى ككل كان رافضاً فى تلك الفترة لهذا الاختراق، وأنه بمفرده فقط كان فى المواجهة، وينبغى أن نتذكر هنا أيضاً أن النقابات المهنية وفى مقدمتها نقابة الصحفيين قد أصدرت فى تلك الفترة قرارات حاسمة لا تزال سارية حتى اليوم برفض وتحريم جميع أشكال التطبيع المهنى والثقافى مع إسرائيل، ولم تؤازرها وقتها النقابات العربية بالقدر الكافى، وهنا يبرز الاتجاه الثانى المتصل بالدور العربى وأهمية وجوده بعد الغياب الطويل وأحياناً المقصود، وكان متوقعاً أن يكون هذا الوجود من خلال الدعم الأدبى والسياسى والتنسيق المشترك مع القوى المصرية السابقة، ومن خلال المؤتمرات واللقاءات المشتركة على مستوى الأقطار أولاً ثم على مستوى الجامعة العربية ومؤسساتها الثقافية ثانياً، وهو ما لم يحدث بل إن دوراً مفترضاً كان ينبغى أن تلعبه منظمة «الألكسو» المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فى مثل هذا المجال (مجال مواجهة التطبيع الثقافى تحديداً) سواء من خلال المجلات والدوريات التى تصدر عنها، أو من خلال المؤتمرات والاتفاقات الثقافية التى تعقدها مع الجهات الوطنية المصرية الرافضة للتطبيع الثقافى، وهى الجهات السابقة وغيرها، وأيضاً من خلال حذرها الشديد فى مجال الاتفاقات الدولية التى تعقدها مع المؤسسات الثقافية الغربية، والتى قد يتواجد بها الصهاينة، ولكن للأسف لم يتم هذا الدور، بل حدث العكس.
إن تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر تحتاج إلى أكبر إضاءة ممكنة عن أسرارها وتفاعلاتها، ووثائقها، ونحسب أنه رغم التطبيع الرسمى المصرى المستمر والمتزايد حتى اليوم (2010) مع إسرائيل، لم يكن له أن يظل مداناً أخلاقياً وأدبياً، ومحصوراً فى زمرة من المنبوذين من النخبة (الإعلامية والسياسية والاقتصادية) إلا بفضل تلك المقاومة الشعبية العفوية والمنظمة التى وضعت أسسها ولبناتها الأولى فى الثمانينيات من القرن الماضى، والتى توالى البناء عليها فى التسعينيات ثم السنوات العشر الأولى من هذا القرن، وهو ما تتولاه دراسات أخرى لنا ورغم صخب المطبعين على اختلاف مشاربهم ومساندة أنظمة الحكم لهم (وتحديداً النظام المصرى)، لكن التطبيع لا يزال حتى لحظة كتابة هذه الدراسة يمثل فعلاً فاضحاً يتحاشى الجميع وفى مقدمتهم هؤلاء المطبعين أن يوسموا به، وفى ذلك شهادة حية على جدوى مقاومة التطبيع (الثقافى والسياسى والاقتصادى) حتى لو بالكلمة، وعلى أهمية وجدوى العمل الدءوب على فضح أستاره، ورجاله، ومؤسساته، وجدوى استثمار دور الفتوى الدينية (الإسلامية والمسيحية) فى تحريمه، فقضيتنا مع هذا العدو طويلة ومركبة، وصراعنا معه صراع بقاء ووجود، ولأنه كذلك فكل فعل مقاوم (بالفكر أو بالسلاح) يصب لصالح إنهاء هذا الكيان الدخيل على أرضنا وثقافتنا، وتاريخنا.
والله أعلم
لمعلوماتك..
28 سنة مرت على تأسيس المركز الأكاديمى الإسرائيلى.
1979 وقعت مصر وإسرائيل معاهدة السلام بين البلدين.
9 هم عدد السفراء الإسرائيليين فى مصر منذ عام 1980 وجميعهم ساهموا بدور كبير فى اختراق المجتمع المصرى ورغم إخفاقهم فإن محاولاتهم مازالت مستمرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.