نقيب المهندسين: المعادلة شرط أساسي لتأهيل طلاب الدبلومات    وزير العمل يسلم 350 شهادة لخريجي الدورات التدريبية المجانية على 23 مهنة    أطباء السودان: وفاة 13 طفلا في مخيم نازحين بدارفور جراء سوء التغذية    أول تعليق من إسرائيل على اعتزام بريطانيا الاعتراف بدولة فلسطين    هل ارتكب محمد صلاح إثما؟ علماء الأزهر يحسمون الجدل حول زيارة نجم ليفربول لمعبد بوذي    الأهلي يفوز على إنبي بثنائية نظيفة وديا استعدادا للموسم الجديد    طعنة على كوبري سيدي جابر.. راكب يهاجم سائق ميكروباص بسبب جنيه في الإسكندرية    المؤبد لعامل وتغريمه 200 ألف جنيه لاتجاره في المخدرات بالقليوبية    كيس على البنكرياس، محمود سعد يكشف تطورات الحالة الصحية لأنغام    الفنانون المصريون والسفر لتقديم العزاء لفيروز!    وكيل صحة الشرقية يشارك في ورشة عمل "الغسيل البريتوني بالنظام المغلق"    جدول امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة 2025 للمكفوفين.. المواعيد والتفاصيل    الغندور: صفقة تاريخية على وشك الانضمام للزمالك في انتقال حر    سعر ومواصفات 5 طرازات من شيرى منهم طراز كهرباء يطرح لأول مرة فى مصر    مراسل "إكسترا نيوز": الفوج الخامس من شاحنات المساعدات يفرغ حمولته بالجانب الفلسطيني    رئيس جامعة برج العرب في زيارة رسمية لوكالة الفضاء المصرية    نصائح للاستفادة من عطلات نهاية الأسبوع في أغسطس    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد فى هذه الحالة    أمين الفتوى: تأخير الصلاة عن وقتها دون عذر ذنب يستوجب التوبة والقضاء    بريطانيا: سنعترف بدولة فلسطين في سبتمبر إذا لم تُنه إسرائيل حربها على غزة    مبابي ينتقل لرقم الأساطير في ريال مدريد    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي لا يصلح لإصدار الفتاوى ويفتقر لتقييم المواقف    من أجل قيد الصفقة الجديدة.. الزمالك يستقر على إعارة محترفه (خاص)    بدء انتخابات التجديد النصفى على عضوية مجلس نقابة المهن الموسيقية    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    تجديد حبس 12 متهما في مشاجرة بسبب شقة بالسلام    وزير العمل: مدرسة السويدي للتكنولوجيا تمثل تجربة فريدة وناجحة    وزارة الأوقاف تعقد (684) ندوة علمية بعنوان: "خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي"    20% من صادرات العالم.. مصر تتصدر المركز الأول عالميًا في تصدير بودرة الخبز المُحضَّرة في 2024    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    نقابة الموسيقيين تكشف تفاصيل التحقيق مع محمود الليثي ورضا البحراوي |خاص    من عبق الحضارة إلى إبداع المستقبل| فعاليات تبهر الأطفال في «القومي للحضارة»    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    برلمانية تطالب بإصدار قرار وزاري يُلزم بلم شمل الأشقاء في مدرسة واحدة    هآرتس تهاجم نتنياهو: ماكرون أصاب الهدف وإسرائيل ستجد نفسها في عزلة دولية    حتى لا تسقط حكومته.. كيف استغل نتنياهو عطلة الكنيست لتمرير قرارات غزة؟    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    لماذا يتصدر الليمون قائمة الفاكهة الأكثر صحة عالميا؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. 8 محظورات خلال فترة الصمت الانتخابي    «بيفكروا كتير بعد نصف الليل».. 5 أبراج بتحب السهر ليلًا    أُسدل الستار.. حُكم نهائي في نزاع قضائي طويل بين الأهلي وعبدالله السعيد    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 في شمال سيناء    الكهرباء: الانتهاء من الأعمال بمحطة جزيرة الذهب مساء اليوم    موعد مرتبات شهر أغسطس.. جدول زيادة الأجور للمعلمين (توقيت صرف المتأخرات)    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عليك بقراءة الفاتحة بعد مشاهدة فيلم أولاد العم
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 12 - 2009

يبدو مدهشا لأقصى مدى اختيار السيناريست عمرو سمير عاطف لاسم أولاد العم كعنوان لفيلمه الذى تدور أحداثه عن اختراق مخابراتى إسرائيلى للمجتمع المصرى وقيام المخابرات المصرية بصد هذا الاختراق.
لقد استخدم الإسرائيليون والصهاينة تعبير أولاد العم بما يحمله من دلالات تاريخية فى الإشارة للعرب، لأسباب واضحة ومحددة تتعلق بترسيخ الوجود الإسرائيلى فى المنطقة قبل أكثر من ستين عاما عندما تم إعلان قيام دولة إسرائيل على الأراضى الفلسطينية، فمن ناحية يشير التعبير إلى حق تاريخى ما للإسرائيليين فى أرض فلسطين باعتبارهم أحفاد سام، ومن ناحية أخرى قد يساهم ذلك فى تقبل العربى للإسرائيلى حيث تمتد جذورنا جميعا لنفس الأصل أبناء نوح عليه السلام.
وبصرف النظر عن التأصيل التاريخى للمسألة والذى يخضع للكثير من الجدل ووجهات النظر المتباينة حول من هم أبناء سام ومن أبناء حام، فإن الأمر برمته اختراع صهيونى خبيث، لأنه وبنفس المنطق يمكننا الحديث عن إخوة العالم بانتمائه لنوح ومن قبله آدم وحواء.
ولا أعرف كيف لم ينتبه السيناريست والمخرج لخطورة استخدام طرح إسرائيلى مثل أولاد العم فى تقديمهم للفيلم، لأننا بهذا الشكل نضع أنفسنا فى مأزق قيمى حاد فنحن نرفض وجود أبناء عمومتنا إلى جوارنا بل ونتقاتل معهم، أو على أقل تقدير نبدو متضررين من هذا الوجود.
هذا المفهوم وإلى جواره عدد لا بأس به من التفاصيل التى استعرضت مميزات إسرائيل كالنظافة والنظام، واحترام الحريات الفردية، والديمقراطية، وسلمية تداول السلطة فى إسرائيل، والتقدم العلمى فى العديد من المجالات، بل واحترام حرية العقيدةأيضا وغيرها، كل ذلك يدفعنا للتساؤل حول المحصلة النهائية التى يمكن أن يخرج بها المشاهد بعد متابعته للفيلم.
وأغلب الظن أن هذه المحصلة ستتناقض وهدف صانعه الحقيقى الذى أرادوا تحقيقه.
لقد أفرد الفيلم مساحات واسعة لعرض مميزات إسرائيل ليس فقط على لسان بطله الجاسوس الإسرائيلى دانيال قدم الشخصية بحرفية استثنائية شريف منير- وإنما أيضا على لسان شخوص ثانوية كالمهندس المصرى الذى اختار طواعية العيش والعمل فى إسرائيل.
لقد ظهرت إسرائيل من الداخل مجتمعا شديد التسامح، يتقبل الآخر ببساطة، وهو ما ينفى كون إسرائيل بالأساس كيانا عنصريا.
ليس هذا وحده بل لقد صاغ الفيلم دون أن يتعمد صناعه ذلك مبررات قوية لسياسات إسرائيل الهمجية تجاه الفلسطينيين، عبر إشاراته للعمليات الانتحارية التى يذهب ضحيتها المدنيون.
وفى المقابل اكتفى الفيلم بالرد على كل ذلك بعبارات إنشائية للضابط المصرى– كريم عبد العزيز- حول الدين والوطن يحاول بها إقناع الزوجة المخطوفة- منى زكى- بزيف ما تراه حولها، كى تستجيب لمساعدته فى الإيقاع بالجاسوس الهارب.
والمفارقة أن كلا الضابطين الإسرائيلى والمصرى كان يقدم الشعارات الدينية على أولوياته الوطنية، فدانيال يخاطر بحياته من أجل أهداف تخدم يهوديته فى المقام الأول لأنه من وجهة نظره إسرائيل هى وطن اليهود فى كل دول العالم.
والضابط المصرى يؤكد للزوجة أن عملها معه خدمة لدينها أولا ثم وطنها ثانية.. فماذا لو لم تكن سلوى أو منى زكى مسلمة وكانت مسيحية، أو حتى يهودية مصرية من القليلين الذين لم يغادروا مصر، فهل كانت وطنيتها وإحساسها بأنها تعيش فى أرض الأعداء سيختلف؟!
أجزم بأن صناع الفيلم كانت نيتهم حسنة، لكن حسن النوايا لا يصنع وحده الأعمال الفنية المحكمة، كذلك لا يمكنك أن تعتمد على بريق الفكرة وحده كى تصنع فيلما جيدا، الصراع المخابراتى بين مصر وإسرائيل واستعراض البطولة المصرية والتأكيد على أنه ورغم كل شىء مازلنا نمتلك مقومات التفوق، فكرة قد تكون لامعة وتحمل أهدافا نبيلة، لكنها ليست بالجديدة على السينما المصرية، لقد قدمت نادية الجندى قبل سنوات طويلة فيلمها مهمة فى تل أبيب واستطاعت فى هذا الفيلم الدخول إلى مبنى الموساد وتصوير مستندات سرية وخطيرة وأرسلتها لمصر تماما كما فعل بطلنا كريم عبد العزيز فى أولاد العم، وكلاهما تم كشفه والقبض عليه فى اللحظة التى تسبق هروبه مباشرة، بعد إتمامه لعمليته بنجاح، وكلاهما تعرض لأبشع أنواع التعذيب على يد أفراد الموساد، وفى النهاية كلاهما استطاع الهرب والعودة سالما لأرض الوطن، مقدما روحا بطولية شديدة الجبروت والصلابة فى مواجهة الأعداء حتى إن كلا من نادية الجندى وكريم عبد العزيز بصق فى وجه معذبه الإسرائيلى، لكن بينما حاولت نادية الجندى تقديم شخصيتها بجدية بالغة تتناسب وتصوراتها الشخصية حول العميلة المخابراتية؟ استلهم كريم عبد العزيز روح شخصية أدهم صبرى بطل سلسلة رجل المستحيل فى روايات مصرية للجيب التى كتبها دكتور نبيل فاروق. على كل حال فقد شكل أدهم صبرى نموذجا لرجل المخابرات لدى جيلى بأكمله والذى ينتمى إليه كريم عبد العزيز، لكن أدهم صبرى كان شخصية مكتوبة قد يتسع الخيال الذهنى للامعقوليتها، أما مصطفى فهو أمامى على الشاشة وعليه إقناعى بواقعية ما يفعل، وهذا مالم ينتبه له كريم عبد العزيز ولا المخرج المخضرم شريف عرفة، فبدت مشاهد الضابط المصرى فى إسرائيل لا معقولة للحد الذى حول الفيلم إلى فيلم هزلى يقترب من الفانتازيا الركيكة.
الفارق الوحيد بين الفيلميين أن مهمة فى تل أبيب كانت أحداثه تدور فى فترة ما قبل حرب أكتوبر المجيدة، أما فيلمنا أولاد العم فتدور أحداثه فى عصرنا الحالى. والحقيقة أن هذا الفارق لم يشكل أى خصوصية لدى أولاد العم، اللهم إلا التأكيد على رفاهية العيش فى إسرائيل. لاحظ الفارق بين تواضع بيت البطلة فى مصر وفخامة البيت الذى تعيش فيه فى إسرائيل، وحتى ملابسها وطريقة تصفيفها لشعرها فى مصر والصورة التى صارت عليها فى إسرائيل.
وهو أيضا أمر محير فكيف لم ينتبه مخرج بحجم شريف عرفة لمثل هذه التفاصيل فى فيلمه، ربما كان مشغولا بشكل أكبر فى إيجاد حلول بصرية للتصوير الخارجى للمشاهد التى تدور أحداثها فى إسرائيل، وهو ما نجح فيه بذكاء فقد اختار للمشاهد البانورامية التصوير من الأعلى كى يتحايل على عدم قدرته التصوير فى الأماكن الفعلية للأحداث، كما استخدم اللقطات المتوسطة لممثليه فى المشاهد الخارجية، وهكذا لم يراود المشاهد شك فى أن هذه هى إسرائيل بالفعل.
نقطة أخرى قد تحسب للفيلم ولمخرجه وهى المتعلقة بشكل الحياة اليومية فى المجتمع الإسرائيلى، أولاد العم هو أول فيلم يتعرض لها فكيف يعيش الإسرائيلى وكيف يحتفل وكيف يشترى احتياجاته، كلها مناطق مجهولة بالنسبة للمشاهد المصرى الذى تنحصر أفكاره حول المجتمع الإسرائيلى فى أنه مجتمع مذعور دائما وغير مستقر فى الأغلب ويسيطر عليه الحس الأمنى بالكامل وهو ما ليس صحيحا على إطلاقه.
مشاهدة فيلم أولاد العم، دفعتنى لقراءة الفاتحة ترحما على الراحل العظيم صالح مرسى، الذى كتب دموع فى عيون وقحة ورأفت الهجان، فعبقرية مرسى لم تكن فى براعته فى عرض بطولات المخابرات المصرية فى مواجهة الموساد، بل كانت فى قدرته على دمج هذه البطولات مع ما قرأه فى كتب التاريخ وما عاصره من وقائع، ليخرج فى النهاية عملا إنسانيا متكاملا قبل أن يتحول لمسلسل درامى، وهذا فى تقديرى الفارق الأساسى بين السيناريست الذى لا يكتفى بموهبته ومعرفته بتقنيات حرفة الكتابة ويصقلهما بقراءات تشكل وعيا ثقافيا فيتحول لمبدع. وبين آخر يكتفى بأن يكتب فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.