فى 8 إبريل 1897 ولد محمود سعيد، وفى 8 إبريل أيضا رحل، لكن فى سنة 1964 وبين هذين التاريخين أبدع الرجل لوحات عديدة بيعت إحداها- فى إبريل 2010 وهى لوحة الدراويش- بمبلغ 2.434 مليون دولار، وهو أعلى سعر للوحة فى الشرق الأوسط، وفقًا لصالة مزادات كريستيز العالمية. ولد محمود سعيد فى الإسكندرية لأسرة عريقة امتلكت المال والجاه، فوالده محمد سعيد باشا، تولى رئاسة الوزراء فى مصر فى الفترة من 1910/1914، ثم عاد إلى المنصب نفسه مرة أخرى لمدة خمسة أشهر فقط فى عام 1919، وبعد أن تخرج محمود فى مدرسة الحقوق الفرنسية عام 1919، سافر إلى باريس لاستكمال دراسته، فاستثمر الفرصة، والتحق بأكاديمية جوليان لدراسة الفنون الجميلة التى كان يعشقها، فعرف أصول الصنعة، وامتلك المهارات المطلوبة فى الرسم والتلوين. من الضرورى الإشارة هنا إلى أن الإسكندرية كانت تضج بعشرات الرسامين الأوروبيين الذين استوطنوها فى نهايات القرن التاسع عشر، وأسسوا مراسم لهم فى العاصمة الثانية لمصر، حيث شرعوا ينقلون فى لوحاتهم مشاهد حية لعروس البحر الأبيض المتوسط. وقد راح بعضهم يلقن أبناء الأسر الثرية أصول فن التصوير الزيتى، وقوانين النحت نظير أجر معلوم، ولا ريب فى أن الطفل محمود سعيد قد اطلع على مراسم هؤلاء الفنانين، وتأمل لوحاتهم وهو طفل وصبى، الأمر الذى يفسر شغفه بالفن، وبتصوير المناظر الطبيعية، وأجواء الأحياء الشعبية، وملامح البشر. فى باريس تزوّد الشاب الموهوب بالمعارف والدراسات، فاطلع على تاريخ الفنون فى أوروبا، وتجول فى المتاحف والمعارض، فأدرك أهمية الفن فى السمو بالذوق وترقيق المشاعر، وأيقن أن الفن ضرورة قصوى لتقدم الشعوب، فلما عاد إلى أرض الوطن انخرط فى سلك النيابة والقضاء حتى ارتقى إلى منصب مستشار، فلما أكمل الخمسين هجر منصة القضاء، وآثر معانقة الريشة، ومصادقة الألوان، والتفرغ تمامًا للفن. لم يتوقف نجمنا عن الرسم لحظة، ويقال إنه أحيانا يخط رسومًا سريعة وهو فوق المنصة حين يستبد به السأم من الإجراءات الرسمية، والخطب الرنانة للدفاع والنيابة، وقد ترك لنا الرجل كنزًا ثمينًا تمثل فى مجموعة من اللوحات البديعة، من أشهرها «بنات بحرى/الدراويش/الصلاة/بائع العرقسوس/ذات الجدائل الذهبية». اللافت للانتباه أن محمود سعيد، ابن الرفاهية والبذخ، تجلى أكثر حين كان يرسم الفقراء والبسطاء والمطحونين، وها هى لوحاته المتفردة شاهد حى على أن الفنان الصادق هو من يستلهم نبض أمته، وشعبها الطيب. ليت وزارة الثقافة تنشئ له متحفًا خاصًا أسوة بمحمود مختار.