تكرس المجموعة القصصية (البهجة تحزم حقائبها) لقدرة الفن القصصى على اكتساب روح متجددة تصل لأجيال قادمة عبر رصد هامس لمواقف وحالات إنسانية بعيدا عن السائد فى الكتابة بمصر منذ الاحتجاجات الشعبية التى أنهت حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى مطلع 2011. وفى هذه المجموعة ينجو الكاتب المصرى مكاوى سعيد من "فخ" الكتابة عن "25 يناير" ويتجاوز هذا الإغراء مراهنا على أن ما يبقى هو النص الذى يتحدى اختبار الزمن ولا يكون مجرد صدى لزلزال كبير بحجم ما يجرى فى البلاد منذ 3 سنوات. فعقب إسقاط مبارك يوم 11 فبراير 2011 كتبت العشرات من دواوين الشعر والروايات والمجموعات القصصية والكتب التى توثق جوانب من الاحتجاجات ومنها كتاب صدر فى مطلع 2014 بعنوان (كراسة التحرير.. حكايات وأمكنة) رصد فيه سعيد على مهل تفاصيل إنسانية صغيرة وعميقة عن مهمشين أسهموا فى الاحتجاجات بنصيب كبير وإن أهملتهم الفضائيات. وفى مجموعة (البهجة تحزم حقائبها) لا يقترب المؤلف مما جرى باستثناء مشهد النهاية فى قصة (لا أحد قادرا على قهرها) إضافة إلى قصة (صابرين) وبطلتها فتاة فقيرة فى الرابعة عشرة كانت فى ميدان التحرير منذ "جمعة الغضب" 28 يناير والتى كانت ذروة الاحتجاجات ثم اختفت صابرين فى الاحتفالات بتنحى مبارك. والمجموعة التى صدرت عن (نون للنشر والتوزيع) فى القاهرة تقع فى 142 صفحة متوسطة القطع وهى العمل القصصى السادس للمؤلف الذى وصلت روايته (تغريدة البجعة) إلى القائمة القصيرة فى مسابقة الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) فى دورتها الأولى 2008. ويكاد الموت يشمل قصص المجموعة بداية من القصة الأولى (ثلاثة أشكال لأبى) وبطلها صبى فى العاشرة يعانى قسوة أبيه الأمى الذى يطلب منه أن يكتب خطابا لخاله فى الكويت ليرد دينا وعد بإرساله "بعد أن يقبض أول راتب" ولكن الخال لا يرد الدين بل يعود بعد 4 أشهر بسبب موت الكفيل ولا يطالبه الأب بشىء بل يسعى لتدبير قيمة تذكرة سفر إلى العراق ربما يكون حظه فيها أفضل. وفى قصة (الهابطون من السماء) يتحول موت إبراهيم (3 سنوات) إلى فجيعة لأهله الذين يظنون راوى القصة وهو طفل فى الثامنة تسبب فى موته عن غير قصد حين سقط من أعلى، ويصبح الموت شبحا يطارد الصبى إلى أن ينتقل أهله إلى مسكن بعيد يطمئن فيه إلى "أنه لن تباغتنى وتغيظنى الأسئلة عن القطط والعفاريت." وتحضر الحياة بعنفوانها فى (لا أحد قادرا على قهرها) عبر تتبع بطلتها "إلهام" وهى فنانة تشكيلية تعتز بأعمالها ورغم حاجتها إلى المال فإنها ترفض أن ترسم لوحات حسب الطلب إذ لا تحتمل العمل "بدماغ بائع الروبابيكيا". وتحضر آثار الاحتجاجات فى المشهد الأخير حيث تمر إلهام بشارع محمد محمود الذى شهد فى نوفمبر 2011 اشتباكات لبضعة أيام أسفرت عن سقوط نحو 40 قتيلا وأكثر من ألفى جريح. وتؤرخ جدران الشارع برسوم الجرافيتى لضحايا الاحتجاجات منذ إسقاط مبارك وتعرضت الرسوم للإزالة فى عهد الرئيس السابق محمد مرسى المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين ثم أعيدت فى فترة لاحقة. وفى هذا المشهد تندهش بطلة القصة من إزالة "الجرافيتى المعبر عن الثورة بحجة تنظيف الميدان" وتستجيب لطلب أم "تطلب من إلهام رسم صورة ابنها الشهيد على الجدار بعد أن محا صورته الأغبياء" إذ كانت الأم تمر بالشارع وتعود إلى بيتها راضية وحين أزيلت صورة الابن شعرت بأنه مات بالفعل.