بعد إحالتى إلى المعاش منذ عشرين عامًا، كتبت قصيدة بعنوان "النورس العجوز" انتهت بلمحة توحى بالتوقف، وأنه: "ما عاد يستطيع"، "ما عاد يستطيع". وتمر الأيام، أعنى السنين، أعنى الثوانى، أعنى الميكروثوانى، وأجدنى "ما زلت أستطيع"، "ما زلت أستطيع"، وأكتشف أنى خلال هذه العشرين عاما قد ظللت أحلق رغمًا عنى، فقط أتقنت الهبوط لهم لأصعد معهم، فبدونهم لا فائدة، ولا معنى للتحليق. ثم قرأت مؤخرًا قصة قصيرة للكاتب الأمريكى ريتشاد ديفيد باخ بعنوان "النورس جوناثان ليفنجيستون، كتبها عام 1970 وأهداها إلى النورس الحقيقى الذى يعيش بداخل كل منا، وكان موضوع ندوة جمعية الطب النفسى التطورى فى مستشفى المقطم، يوم أمس، أول إبريل، فرجعت إلى المراجعة، وأكملت القصيدة بعد عشرين سنة. القصيدة الأولى: أنهكًنِى التحليُق فى سمائِها اللعوبْ أنهكَنِى نجاحِىَ الدؤوبْ وصخرتِى تودّع الصلابةْ لكنّها لا تنكسرْ *** أريدُ والدى أريده يحول بينها وبينى أرُيد سجَّانا يفكُّ قيدى إذْ يُِحكم الأقفال لا أضيعُ حرّا *** أريد أن أنام فى حضن التى ترانى: كما أنا: فرخًا صغيراًً لائذاًً بعُشَّهِ لا فى الأعالى حيث يحسَبُون لم ينمُ بعدُ ريشُهُ فلم يَطِر أصلاً فكيف تبحثون عنه فى السماءِ أيها القُساهْ أريد مَنْ ترانى فاتحا منقارىَ الطرىّ القُطُ من منقارها الحنانَ والأمانَ والحياهْ أريد أنطوى تحت الجناحِ أعبرُ الفيافى دون أن أحلّقْ *** أريد "خيزرانةً" تفيقنى، أرى بها حدودى أريد جلاَّدا يحول دون قتلى يأبَى أضيعُ وسْطَ وهْم ذاتِى *** لا تضحكوا على طفلٍٍ غريرٍ صدّق الأكذوبة لا تخدعوه تتركوهُُ فى سمائها، والخيطُ فى أيديكمُو كأنَّهُ المشانقُ الخفيّهْ. لا تزعموا بأنه "أرادْ" *** النورسُ الجسورُ لم يعد يدورْ. قد أنهكتْهُ لُعبة الصعودِ، والسرابُُ يسبقهْ، يغمرُه الدُّوار، والفراغُ يخنُقه قد آن أن يحُطَّ فوق أرضكمْ لا ترجموهُ كهلا. إن حطَّّ تدفنوه دون معزَى تأكله الديدان وهو بعدُ حيّا . *** لا لن يعودْ أسنَّة الرماح مُشرعة تملأ وجه الأرض والقلوب لم يبقَ إلا أنْ يظلّ فوقَ الفوق ضائعَا وكلُّ ما يشُدّه يذوبْ فتختفى السماءُ فى الضياءْ ويختفى الضياءُ فى الغروبْ يتوهُ فى دوائرِ الصباح والمساءْ يواصلُ التحليقَ صاعدًا معانِدًا لكنّهُُ: ما عاد يستطيع .....ما عاد يستطيع ***** (التكملة بعد عشرين عاما): ما عاد يستطيعُ أن يعود من جديدْ يواكب الأسرابَ فى القريب والبعيد يطّاير الزبدْ ويبقى ما يفيدْ يسبِّح الصمدْ ذا العرش المجيدْ