عندما استقلت قطر عن بريطانيا عام 1971 كانت المشيخة تحت حكم الشيخ أحمد بن على آل ثانى الذى أطيح به فى انقلاب عسكرى نفذه ابن عمه الشيخ خليفة بن حمد آل ثانى، وقام خليفة بتوطيد حكمه من خلال تسليم مفاصل الدولة لأولاده، إلا أنه لم يكن يعلم أن الضربة ستأتيه من حيث لا يحتسب.. أى من ابنه البكر حمد. ففى السابع والعشرين من يونيو عام 1995 كان الشيخ خليفة قد غادر قطر إلى أوروبا فى رحلة استجمام كعادة شيوخ الخليج الذين يهربون من حر الصيف إلى برودة أوروبا، ولم يكن الشيخ خليفة يعلم أن حفل الوداع الذى أجرى له فى مطار الدوحة كان الأخير، وأن الابن حمد الذى قبل يد والده أمام عدسات التليفزيون كان قد انتهى من وضع خطته للإطاحة بأبيه واستلام الحكم. وفى هذا اليوم قطع تليفزيون قطر إرساله لإعلان البيان رقم واحد، وعرض التليفزيون صورا لوجهاء المشيخة وهم يقدمون البيعة للشيخ حمد خلفا لأبيه.. وقيل فيما بعد إن المشاهد التى عرضت دون صوت كانت ممنتجة ومزورة، وقالت مصادر مقربة من الشيخ خليفة إن ابنه حمد وجه الدعوة إلى وجهاء المشيخة وقام التليفزيون بتصويرهم وهم يسلمون عليه دون أن يكونوا على علم بما يجرى. تمخض الانقلاب عن اعتقال 36 شخصا من المقربين للشيخ الأب خليفة، وتم الزج بهم فى سجن بوهامور، وكانت تلك هى بداية الانهيار الجديد فى الأسرة الحاكمة، ففى فبراير 1996 أعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم الجديد يتزعمها ابن عم الشيخ خليفة، ويبدو أن أولاد الشيخ حمد قد شاركوا بشكل أو بآخر فيها انتصارا لجدهم، لذا تم طرد الشيخ فهد بن حمد من سلاح الدروع واتهامه بأنه «إسلامى متطرف»، وتم وضع الشيخ مشعل بن حمد قيد الإقامة الجبرية، وقيل يومها إن الشيخين عزلا بضغط وتخطيط من الشيخة موزة حتى يخلو لولديها جاسم وتميم الجو، وهذا ما كان، حيث أعلن فى أكتوبر عام 1996 عن تعيين جاسم بن حمد وليا للعهد، وهو الابن البكر للشيخة موزة، وهو – مثل أبيه ومثل سائر أبناء حكام الخليج – تخرج من كلية ساندهيرست فى بريطانيا دون أن يكمل تعليمه الثانوى العادى. ومع أن تاريخ مشيخة قطر يقوم كله على الانقلابات والخيانات والغدر بالمحارم والأقارب، فإن ما فعله الشيخ حمد الحاكم الحالى جدير بأن يدخل التاريخ كنموذج للنذالة وشهوة الحكم فى أوضح صورها. فالشيخ حمد كان وليا لعهد أبيه أنهى دراسته الثانوية فاشلا، ثم التحق بكلية ساندهيرست العسكرية فى بريطانيا ليتخرج منها. وبدأت قطر قبل ثلاثة أعوام بتهيئة أرضها لاستقبال القوات الأمريكية بحجم كبير، وأبلغ الأمير الشيخ حمد بن خليفة ضيوفاً أمريكيين زاروه بقصره عن رغبته فى استقبال 10 آلاف عسكرى أمريكى ليقيموا بشكل دائم فى قاعدة «العديد» الجوية التى كانت لا تزال فى حينه فى طور البناء، وجدد هذا العرض حينما زاره وليام كوهين، وزير الدفاع الأمريكى السابق والجنرال زينى. وللبرهنة على أن بإمكان الأمريكيين الاعتماد عليهم فى أوقات الشدة فتح القطريون مدرجات الإقلاع الجوية أمام الطائرات الأمريكية لأداء مهام عسكرية ضد العراق فى فترة التسعينيات بعد رفض المملكة العربية السعودية السماح بذلك من أراضيها. ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومقر وزارة الدفاع «البنتاجون» فى واشنطن، لتفتح الطريق لثلاثة آلاف عسكرى أمريكى كى يقيموا فى قاعدة «العديد» الجوية، حيث قاموا ببناء مدينة عملاقة تغطيها خيمة ضخمة وتسندها أعمدة خشبية عملاقة، وبهذا تم إنشاء الموقع القيادى العسكرى لإدارة العمليات العسكرية، ويقول المسؤولون الأمريكيون والقطريون إنهم قريبون من اليوم الذى سيصبح فيه الوجود العسكرى الأمريكى دائما فى قطر، إذ تفكر الولاياتالمتحدة فى الإبقاء فى قطر وبشكل دائم على 50 طائرة حربية وعدة آلاف من جنودها. وعرضت قطر إنفاق 400 مليون دولار لتطوير القاعدة الجوية، عبر بناء بيوت ثابتة ومستودعات لخزانات وقود الطائرات بمعدل مليون جالون مع بناء مواقع الإدارة والقيادة، من جانبها تريد قطر ضمانات أمريكية مكتوبة بأن الوجود العسكرى الأمريكى سيكون دائما. ملف العلاقات القطرية - الإسرائيلية التى انطلقت أيضا عام 1996 بعد زيارة شيمعون بيريس لقطر وتوقيع اتفاقيات بيع الغاز القطرى لإسرائيل ثم إنشاء بورصة الغاز القطرية فى تل أبيب، والتبادل التجارى والزيارات التى لم تنقطع حتى فى أكثر اللحظات سخونة فى المنطقة، يفتح الباب على أسئلة كثيرة وكبيرة، ليس أهمها لماذا؟ بل متى وكيف وإلى أين؟ قد يكون مفيدا أن نطلع على دراسة إسرائيلية صدرت عن مركز دايان الإسرائيلى لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، دراسة بعنوان «علاقات قطر بإسرائيل.. نموذج لسياسة خارجية مستقلة»، للباحث الإسرائيلى د. عوزى رابى، رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا فى جامعة تل أبيب، وباحث متخصص فى الشؤون الإيرانية والخليجية، تناول فى دراسته طبيعة العلاقات «القطرية - الإسرائيلية» وأهدافها.. والجديد فى هذه الدراسة هو أنها تتناول هذه العلاقات من المنظور القطرى. وفى عام 1996 قام حمد بتمويل أول قناة تليفزيونية مستقلة «الجزيرة»، وقامت هذه القناة بتدمير المسلمات الشرق أوسطية والعربية.. وتسببت فى خلافات بين قطر والدول العربية وتباعدت قطر عن المملكة العربية السعودية أكثر وأكثر، كما تباعدت أيضا عن عدد من دول الخليج الأخرى عام 1997 عندما رفضت التراجع عن قرارها باستضافة قمة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التى حضرها مندوب عن إسرائيل.