نقلا عن اليومى.. العميان همل دائمًا، لا يهتم بهم أحد، ولقد بحث صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدى مؤلف كتاب «نَكت الهميان فى نُكت العميان»، الصادر فى «سلسلة الذخائر» عن هيئة قصور الثقافة، عن مؤلفات تتناول أحوالهم، فلم يجد إلا ثلاثة، وليتها كانت عنهم بأكملها، وإنما فصل أو بعض من فصل، وربما تأخر الفصل إلى آخر الكتاب، كما فى «المعارف» لابن قتيبة، و«تلقيح فهوم أهل الأثر» لابن الجوزى، و«رأس مال النديم» لابن بانه. ويذكر الصفدى فيما أطلق عليه «خطبة الكتاب»، وهو ما قصد به «المقدمة» فى أيامنا هذه، سبب إقدامه على تأليف هذا الكتاب، فيقول: «وجرى يومًا فى بعض اجتماعاتى بجماعة من الأفاضل ذكر فصل استطردت بذكره فى شرح لامية المعجم، ذكرت فيه جماعة من أشراف العميان، فقال لى بعض من كان حاضرًا: لو أفردت للعميان تصنيفًا تخصهم فيه بالذكر لكان ذلك حسنًا، فحدانى ذلك الكلام، وهزت عطفى نشوة هذه المدام، على أن عزمت على جمع هذه الأوراق، فى ذكر من أمكن ذكره، أو وقع إلى خبره». جاء الكتاب فى عشر مقدمات ونتيجة، وقد قصد بالنتيجة موضوع الكتاب. تناولت المقدمة الأولى ما يتعلق بكلمة أعمى فى اللغة، ومشتقات هذه الكلمة، ولاحظت أن العين المهملة والميم، كيفما وقعتا فى هذا القالب وبعدها أى حرف من حروف المعجم، فإن المعنى يكون «الستر»، أو «ذهاب الصواب عن الرأى»، وكل هذا من العماء. أما المقدمة الثانية فقد اهتمت بما يتعلق بلفظة «أعمى» من جهة التصريف والإعراب. وهى لفظة لا تنصرف لما فيها من العلتين الفرعيتين، وهما: الصفة ووزن الفعل. وقد تأخر تعريف العمى إلى المقدمة الثالثة التى اهتمت بحدوده، وقدمت مقارنة مفاضلة بين السمع والبصر، وأيهما مقدم؛ فقالت إن العمى هو عدم البصر عما من شأنه أن يبصر، وإن السمع مقدم على البصر، لأن الله قدمه فى القرآن أينما ذكرهما متتاليين. كما أن السمع شرط من أشراط النبوة، بعكس البصر. كما أن بالسمع تصل نتائج العقول. وفى المقدمة الرابعة استعرض المؤلف الأقوال التى تناولت الآية «عبس وتولى أن جاءه الأعمى»، ومعاتبة الله لنبيه من أجل «عبدالله ابن أم مكتوم» الأعمى، ومن هذه الأقوال ما ألقى بالملامة على «عبدالله ابن أم مكتوم»! أما المقدمة الخامسة فتتبعت ما جاء فى العميان من أخبار وآثار، كقصة الأقرع والأبرص والأعمى، وقد وردت فى صحيحى البخارى ومسلم، وفى بعض الأحاديث الشريفة التى تظهر معجزات الرسول فى إعادة البصر لبعض من طرأ العمى على عيونهم، وأورد المؤلف حكايات عن كرامات بعض الصالحين فى هذا الشأن. وعلى الرغم من أن المؤلف كان يحرص على الاستدلال بأحوال الأنبياء العميان أمثال: إسحاق ويعقوب وشعيب عليهم السلام، فإنه لم يورد فى هذه المقدمة معجزات المسيح عليه السلام فى هذا الشأن، على ما هى عليه من العظمة والثبوت! كان جواز العمى أو عدم جوازه على الأنبياء والرسل هو موضوع المقدمة السادسة، فقال حذاق الأصوليين إن العمى لا يجوز على الأنبياء، لأن مقام النبوة أشرف من ذلك، وأن ما قيل عن عمى شعيب وإسحاق محض افتراء، فلم يرد بذلك نص فى القرآن الكريم، ليكون العلم بذلك قطعيا، وأن ابيضاض عين يعقوب على يوسف ليس دلالة مؤكدة على العمى، وأن ارتداده بعد ذلك بصيرا يؤكد أنه فى الأصل كان مبصرا. أما ما يتعلق بالأعمى من الأحكام فى الفروع مما يخالف فيها البصراء فكان موضوع المقدمة السابعة، فليس للأعمى أن يجتهد فى تحديد القبلة، كما يكره أن يؤذن للصلاة، وناقشت إن كانت تستوى إمامته للناس بإمامة البصير، فمن العلماء من رأى أنها تستوى، وهو رأى الجمهور، ومنهم من رأى أن البصير أولى، مثل أبو حنيفة، وابن سيرين، حتى أن «أنس بن مالك» قال: وما حاجتهم إليه؟ يقصد الأعمى، تناولت هذه المقدمة أيضا أحكام البيع والشراء بالنسبة للأعمى وإن كانا يصحان له، وهل خلوته بامرأة تعد خلوة شرعية أم لا؟ أما المقدمة الثامنة فقد تناولت ما يعتقده المنجمون فى سبب عمى المولود، فنقل عن كتاب «المواليد» لأبى معشر البلخى أنه قال: «إذا ولد مولود والطالع من الكواكب الجوزاء وعطارد كان أعمى أو فى عينيه بياض، أما إذا ولد والطالع الحوت وزحل والمريخ كان أعمى ناتئ العينين، أما إذا كان المريخ فى جهة الشرق فهذا جيد، وإذا كان فى الغرب يصير المولود أعمى فقيرا، والزهرة إذا كانت فى الشرق فإنها تعطى الحياة والحسن والسعة والنصر، لكنها فى الشرق توقع الماء فى العين». وكانت نوادر العميان هى محل اهتمام المقدمة التاسعة، أورد المؤلف فيها بعضا يسيرا من هذه الطرائف واللطائف التى تخصهم، ومنها، مثلًا أن رجلًا أعمى تزوج امراة قبيحة، فقالت له: رزقت أحسن النساء وأنت لا تدرى، فقال لها: يا بظراء! وأين كان البصراء عنك قبلى؟ واهتمت المقدمة العاشرة والأخيرة بشعر العميان؛ ما قالوه، وما قيل فيهم، وكان أبلغ بيت هذا الذى قاله المعرى: سواد العين زاد سواد قلبى ليتفقا على فهم الأمور وأخيرا.. يتناول الكتاب فى مقتطفات مختصرة أحوال ثلاثمائة وعشرة من مشاهير العميان ومن كان المؤلف على معرفة بهم، جاء ترتيبهم على الألفبائية المعتادة عند التصنيف والترتيب.. أطال فى ذكر أحوال بعضهم، وقصر فى أحوال البعض الآخر، على حسب خطورة هذا الأعمى أو أهميته.