انفض المؤتمر السنوى للحزب الوطنى بعد أن استحوذت فعالياته على اهتمام كبير فى وسائل الإعلام دون أن يتغلغل هذا الاهتمام إلى الشريحة الكبرى من الشعب المصرى على الرغم من أنهم المعنيون فى المقام الأول بكل ما دار فى أروقة المؤتمر. وقد اتسم مؤتمر هذا العام بقدر كبير من الأبهة والهالة الإعلامية، وحين شاهدت بعض اللقطات التى بثتها المحطات الفضائية لجلسات المؤتمر بدا لى بوضوح أن هناك قدرًا كبيرًا من التنظيم والانضباط ولا سيما فى التجهيزات التقنية المستخدمة فى قاعات الاجتماعات والإضاءة وغيرها من الأمور الفنية التى عادة ما لا تتميز بها مثل هذه المؤتمرات فى مصر، ومن الواضح أيضًا أن مبالغ طائلة أنفقت على هذا المؤتمر وتوابعه كى يخرج بهذه الصورة البهية. لكن ما لفت نظرى أكثر هو تراجع، وربما غياب، الحديث عن الأمن القومى المصرى وما تفرضه ثوابته من إملاءات على السياسة الخارجية للدولة، وكلاهما مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنمية الداخلية. نعم من الضرورى لأى كيان سياسى مثل الحزب الوطنى أن يركز على المشاكل الداخلية وعلى هموم المواطنين لأنهم وفقًا للظروف الطبيعية للممارسة الديمقراطية السوية هم من يرفعون هذا الحزب أو ذاك إلى سدة الحكم أو يسقطه منها، لذا تركز الأحزاب السياسية فى الديمقراطيات الكبيرة الناضجة على الداخل دون إغفال السياسة الخارجية ومحاور الأمن القومى للأمة والتى يشكل الاهتمام بها الضمانة الأولى لتحقيق أهداف التنمية الداخلية. وتزداد أهمية التركيز على تلك السياسات بالنسبة لدولة مثل مصر بتعداد سكانها الذى يقترب من 80 مليون نسمة يعيشون فى قلب واحدة من أكثر مناطق العالم سخونة واضطربًا ولهم وزنهم الذى كونوه بالتاريخ وأكدت عليه الجغرافيا. ولا يخفى على أحد حجم التحديدات الخارجية المطبقة على مصر من اتجاهات عدة وعلى مستويات مختلفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر أصبح موضوع الأمن المائى يحتل مكانًا متقدما للغاية على قائمة التحديات الخارجية التى يتعين التعامل معها بمنتهى الجدية، ولا أتصور غياب مثل هذا الموضوع بما يشكله من أولوية عن أى استراتيجية تنموية للدولة، ففى حالة تراجع حصة مصر من مياه النيل بفعل فاعل فسيكون ذلك سابقة هى الأولى من نوعها فى التاريخ، وهذا السيناريو وإن بدا بعيدًا إلا أنه غير مستبعد من منظور التخطيط الاستراتيجى والأمن القومى، ومع ذلك لم يظفر هذا الموضوع بما يستحقه من أهمية فى مؤتمر الحزب الحاكم، ولم نر أيا من قيادات الحزب أو كوادره يبادر بالتصدى له فى إطار سياسة واضحة المعالم ولو كان من قبيل طمأنة المصرى على شرفة الماء التى هى سر حياته منذ الأزل فى الوادى القديم. وفى الإطار ذاته، لم نر أو نسمع الكثير عن خطط الحزب المستقبلية فى التعامل مع القوى الإقليمية الناشئة والتى أدى بزوغ نجمها إلى تغيير كبير فى معادلات القوة وتوزيع الأدوار الإقليمية، لم يقل لنا أحد فى الحزب الوطنى ما هى تصورات الحزب فى حالة ظهور دول جديدة على الخريطة خاصة والسودان مقبل على منعطف تاريخى حين يجرى الاستفتاء فى الجنوب على الانفصال عن الشمال، ولم نسمع من يتحدث عن تصور العلاقات بين مصر ودول مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، وبالطبع لم نسمع عن العلاقة الشائكة بين مصر ومكونات القضية الفلسيطية التى لا تزال تترك أثرها المباشر على التحرك السياسى المصرى، وبالطبع لها تأثيرها على الداخل. لم نسمع أحدًا يتناول بالبحث والتمحيص تصور العلاقات مع الولاياتالمتحدة، وروسيا والاتحاد الأوروبى ودول حوض المتوسط. للأسف الشديد لم نسمع عن أى من تلك المواضيع الحساسة أو بالكاد سمعنا عنه القليل. كم كنت أتمنى أن نرى ونسمع مناقشات واسعة ومستفضية عن هذه القضايا الحيوية ذات التأثير المباشر على أى خطط تنموية والتى، بلا شك، تندرج تحت الشعار الذى اعتمده الحزب من أجلك أنت. مدير استقطاب الطلبة- الجامعة الإمريكية فى الشارقة