تحيى وزارة الخارجية يوم غد السبت، ذكرى "يوم الدبلوماسية المصرية" بحضور لفيف من وزراء الخارجية السابقين والسفراء والدبلوماسيين. ويتم تكريم لفيف من السفراء المحالين إلى التقاعد اعتزازا بدورهم فى العمل الدبلوماسى وخدمة مصالح مصر الوطنية. كما يشهد احتفال هذا العام، تقليدا جديدا يتمثل فى تكريم وزير الخارجية نبيل فهمى لعدد من رموز الإعلام الدبلوماسى قدامى المحررين الدبلوماسيين، تجسيدا لمدى التلاحم والتكامل بين الدبلوماسية والإعلام واعتزازا بدور الصحافة المصرية فى العمل على تحقيق مصالح مصر القومية، وطموحات شعبها فى الحرية والكرامة. والصحفيون المكرمون هم: "عصام صالح ورجاء أبو شهبة وليلى عبدالجواد من وكالة أنباء الشرق الأوسط، ومها عبدالفتاح وسونيا دبوس ومحمد بركات والسيد النجار من مؤسسة أخبار اليوم، وهدايت عبدالنبى وهدى توفيق وأفكار الخرادلى من جريدة الأهرام". ويلقى وزير الخارجية نبيل فهمى كلمة خلال الاحتفال يعرب خلالها عن الشكر والتقدير لهذه الرموز على جهودها التى أسهمت بشكل واضح فى رفع اسم مصر، وتنفيذ سياستها الخارجية. ويسبق الاحتفال بيوم الدبلوماسية المصرية ندوة بعنوان "دور الدبلوماسية المصرية فى خدمة المصالح الوطنية والقومية وقت السلم والحرب" يفتتحها السفير محمد شاكر ويتحدث خلالها نبيل العربى أمين عام الجامعة العربية. كما يتحدث خلالها السفراء عبدالرءوف الريدى وهانى خلاف وإبراهيم على حسن، وكذلك السفير منير زهران والسفير محمود السعيد، وسوف يتحدث الوزير نبيل فهمى فى ختام الندوة حول دور الدبلوماسية المصرية بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو 2013. ويتوافق يوم الدبلوماسية المصرية الذى يتم الاحتفال به فى الخامس عشر من مارس كل عام مع ذكرى عودة عمل وزارة الخارجية المصرية بعد إعلان والاستقلال عن بريطانيا فى 22 فبراير1922، وذلك إثر إلغاء وزارة الخارجية المصرية لمدة سبع سنوات بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914، وتحويل اختصاصاتها إلى المندوب السامى البريطانى، حيث أبلغت الحكومة البريطانية فى يوم 15 مارس 1922 الدول التى كان لها ممثلون فى القاهرة بأن الحكومة المصرية قد "أصبحت الآن حرة فى إعادة وزارة الخارجية، ومن ثم فإن لها إقامة تمثيل دبلوماسى وقنصلى فى الخارج". كما تتوافق ذكرى يوم الدبلوماسية المصرية مع انسحاب آخر جندى إسرائيلى من طابا فى 15 مارس عام 1989 وعودة آخر ذرة تراب لأحضان الوطن بعد معركة ضارية خاضتها الدبلوماسية المصرية باقتدار. وتشير الوقائع التاريخية إلى أنه منذ البدايات الأولى للتفكير فى إنشاء ما أصبح فيما بعد وزارة الخارجية، منذ يونيو 1819، حين وجه محمد على أمراً إلى "الخواجه باغوص بك يوسفيان لتولى وظيفة الترجمان" باعتباره من متحدثى لغات عدة منها التركية والأرمنية واليونانية والإيطالية والفرنسية، لتولى الاتصال بالجاليات الأجنبية فى مصر والتعامل فى بعض الأمور مع "بحر بره" "المجتمع الدولى كما كان يطلق عليه آنذاك"، وحتى استقرار العمل بوزارة الخارجية ما بعد 15 مارس 1922، فقد احتلت الخارجية مكاناً خاصاً فى الجهاز الحكومى المصرى وتحت أى مسمى كانت تحمله على مر العصور، وظلت رمزاً من أهم رموز السيادة والاستقلال الوطنيين. وهذه الحقيقة هى ما أدت إلى القرار البريطانى بالإصرار على إلغاء وزارة الخارجية ضمن تبعات قرار إعلان الحماية البريطانية على مصر فى 19 ديسمبر 1914 كمظهر من مظاهر التبعية لبريطانيا، حيث تشكلت لأول مرة وزارة حسين رشدى الثانية بدون وزارة خارجية، وفرضت الحكومة البريطانية أن يكون المندوب السامى البريطانى هو وزير الخارجية أسوة بما تم مع تونس ومراكش. ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى فى نوفمبر 1918، واندلاع ثورة 1919 طرح موضوع إعادة وزارة الخارجية المصرية كأحد أهم مظاهر استعادة الاستقلال الوطنى، وقد استمر الحوار بين الجانبين على قضية إعادة عمل وزارة الخارجية المصرية ثلاث سنوات.. وطرح الأمر على ثلاثة مراحل: الأولى: حين أشارت لجنة ملنر فى تقريرها عن اجتماعات الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول واللجنة خلال شهرى يونيو وأغسطس 1920 بالنص "أدركنا ونحن فى مصر أن المصريين جميعهم، والسلطان ووزراؤه فى جملتهم، يرون أن تمَثل بلادهم سياسياً فى الخارج مهما اختلفت آراؤهم فى المسائل الأخرى، وكانوا كلهم ممتعضين من إلغائنا منصب وزير الخارجية عند إعلاننا الحماية وتسليمنا وزارة الخارجية إلى المندوب السامى البريطانى". كما سبق أن رصد المندوب السامى البريطانى فى تقرير سرى له فى ديسمبر 1918 نمو طموحات المسئولين المصريين إلى "الحلول محل تركيا كأولى دول العالم الإسلامى"، وإن لم تنجح هذه المحاولة الأولى فى إعادة عمل الخارجية المصرية فى ظل استمرار الحماية البريطانية على مصر، مع إصرار الجانب البريطانى على أن تبقى إدارة جميع العلاقات الخارجية فى يد بريطانيا. الثانية: إثر الإعلان البريطانى فى 26 فبراير 1921 "أن الحماية علاقة غير مرضية" بين البلدين، وإن لم يتم فى إطار هذا الإعلان إعادة عمل وزارة الخارجية كذلك خوفاً من انفتاح مصر على دول تنافس بريطانيا العظمى، وقلقاً من سعى مصر لتبوء موقعها كقوة إقليمية كبرى مما قد يضر بالمصالح البريطانية، حيث أصرت بريطانيا على عدم تضمين تشكيل وزارة عدلى باشا يكن وزارة للخارجية، وذلك فى الرد على طلب تضمينها فى التشكيل الوزارى متذرعة "بأن التسليم بتعيين وزير خارجية لمصر يتعارض مع الأسس التى وضعتها وزارة الخارجية البريطانية للمفاوضات"، وحتى حين وافقت الخارجية البريطانية لاحقاً على إعادة وزارة الخارجية قيدت موافقتها بشروط عديدة، منها اشتراط الحصول على موافقة بريطانيا العظمى على جميع الاتفاقيات السياسية، مما أدى إلى رفض الجانب المصرى الاقتراحات البريطانية وتأجيل عودة وزارة الخارجية. وجاءت المرحلة الثالثة لمساعى إعادة عمل وزارة الخارجية مع استقالة وزارة عدلى يكن فى 8 ديسمبر 1921 حيث بدأت مفاوضات تشكيل حكومة جديدة على يد عبدالخالق ثروت باشا والذى أصر فى ديباجة برنامجه السياسى لتشكيل الحكومة على "تصريح الحكومة البريطانية بإلغاء الحماية والاعتراف باستقلال مصر بادئ ذى بدء"، ثم مباشرة "بإعادة وزارة الخارجية وتمثيل خارجى من سفراء وقناصل". وقد قنعت بريطانيا فى نهاية المطاف بأن تسعى إلى إيقاف الانفتاح المصرى على العالم من خارج مصر بدلاً من تقييد حركة وزارة الخارجية داخلياً، وهو ما انعكس فى الكتاب الدورى الذى أرسلته حكومة لندن إلى كافة ممثليها فى الخارج فى 15 مارس 1922 فيما أسماه اللنبى "بمبدأ مونرو البريطانى" ليبلغه السفراء البريطانيون إلى الحكومات المعتمدين لديها، وتضمن ما يلى: 1. سيكون للحكومة المصرية حرية إعادة إنشاء وزارة للخارجية تمهيداً لتمثيل مصر فى الخارج تمثيلاً دبلوماسياً وقنصلياً. 2. لن تمد بريطانيا العظمى فى المستقبل حمايتها على الرعايا المصريين فى البلاد الأجنبية إلا فى حدود ما تطالبها به الحكومة المصرية وإلى حين تمثيل مصر الدبلوماسى فى هذه البلاد. 3. أن إنهاء الحماية البريطانية على مصر لن يمس الأوضاع القائمة بالنسبة للدول الأخرى فى مصر بأى تغيير. 4. أن رخاء مصر وسلامتها ضروريان لأمن الإمبراطورية البريطانية، ولذلك فإنها ستحتفظ على الدوام بالطابع الخاص للعلاقات بينهما من حيث إن هذا الوضع مصلحة بريطانية قصوى، وقد أوضح الاعتراف البريطانى باستقلال مصر وسيادتها هذا الوضع. 5. بناء على هذا المبدأ ستعتبر محاولة أى من تلك الدول التدخل فى شئون مصر عملاً عدائياً، كما ستعتبر أى عدوان على الأراضى المصرية عملاً تعاقب عليه بكل الوسائل التى تملكها". كما تم إبلاغ ممثلى الدول الأجنبية فى مصر يوم 15 مارس 1922 "أن الحكومة المصرية قد أصبحت الآن حرة فى إعادة وزارة الخارجية، ومن ثم فإن لها إقامة تمثيل دبلوماسى وقنصلى فى الخارج"، وصدر منشور يوم 16 مارس 1922 موجه لممثلى الدول الأجنبية فى مصر لإبلاغهم بتعيين عبدالخالق ثروت باشا وزيراً للخارجية وبأن اتصالاتهم فى المستقبل سوف تتم مباشرة من خلاله. وكان أول مقر لوزارة الخارجية بعد عودتها للعمل هو قصر البستان بحى باب اللوق بوسط القاهرة، واستمر عمل عبدالخالق ثروت وزيراً للخارجية مع مجموعة محدودة فى تصريف أعمال الوزارة لمدة عامين على نفس النظام الإدارى السارى قبل 1914، حتى تم إصدار أول قرار بتقسيم وتنظيم إدارات وزارة الخارجية فى 4/8/1923 إلى 7 أقسام، تلاه قرار جديد فى 29/11/1925 بتحديد اختصاصات إدارات الوزارة وتوزيع الأعمال عليها، ثم توالت بعد ذلك القرارات والقوانين التى أصبحت تحكم العمل فى السلك الدبلوماسى والقنصلى ويجرى تطويرها بما يتلاءم مع تطورات العصر والمتطلبات المتزايدة والمتنوعة للعمل الدبلوماسى والقنصلى. وفى لمحة سريعة عن تطور مستوى التمثيل الأجنبى فى جمهورية مصر العربية، والتمثيل المصرى فى الخارج فإن البداية كانت قبل عام 1914، حيث انحصر التمثيل الخارجى فى مستوى وكيل أو قنصل عام، ثم بعد إعلان 1922 وحتى عام 1936 توقف مستوى التمثيل للبعثات الأجنبية فى القاهرة عند درجة وزير مفوض ووقفت بريطانيا ضد أية محاولات لرفع مستوى التمثيل إلى درجة سفير، ولم يتغير الوضع إلا بعد التوصل إلى معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا العظمى فى 26 أغسطس عام 1936 والتى نصت مادتها الثانية على "أنه يقوم من الآن فصاعداً بتمثيل صاحب الجلالة الملك لدى بلاط جلالة ملك مصر وبتمثيل صاحب الجلالة ملك مصر لدى بلاط سان جيمس سفراء معتمدون بالطرق المرعية". أما بالنسبة لتطور حجم التمثيل الدبلوماسى المتبادل، فقد كان فى القاهرة غداة إعلان استقلال مصر يوم 28 فبراير 1922 ممثلون لسبع عشرة دولة بصفتهم وكلاء وقناصل عموميين، تطور خلال الفترة من 1922 حتى انضمام مصر إلى عصبة الأمم إلى 26 دولة، وتوالى بعد ذلك افتتاح السفارات والقنصليات ومكاتب المنظمات الدولية والإقليمية فى مصر لتبلغ حالياً نحو 240 بعثة دبلوماسية فى القاهرة التى أصبحت واحدة من أكبر مراكز استقبال التمثيل الدبلوماسى فى العالم. وبالنسبة للتمثيل الدبلوماسى المصرى فى الخارج، فقد بدأت أولى خطوات السلك الدبلوماسى والقنصلى المصرى بالخارج بأربع بعثات فقط لحين تشكيل الكوادر اللازمة من رؤساء بعثات وأطقم دبلوماسية وإدارية، حيث صدر أول مرسوم ملكى فى 24 سبتمبر عام 1923 بتعيين مندوبين فوق العادة ووزراء مفوضين: عبدالعزيز عزت باشا فى لندن، محمود فخرى باشا فى باريس، أحمد زيور باشا فى روما، وسيف الله يسرى باشا فى واشنطن. ومع اتساع رقعة العلاقات المصرية بالعالم الخارجى وتشعبها تزايدت أعداد الممثليات المصرية فى الخارج، حيث بلغ عددها فى عام 1936 حوالى 57 ممثلية (تنوعت بين 23 مفوضية أو سفارة، واثنتى عشر قنصلية عامة، وواحد وعشرون قنصلية ومأمورية واحدة)، وتزايدت هذه السفارات مع اضطراد العلاقات المصرية الخارجية وزيادة حجم المصالح المصرية وسفر المواطنين المصريين إلى مختلف أنحاء المعمورة.. ويضم السلك الدبلوماسى والقنصلى عناصر مشهود لها بالمستوى الرفيع والمتميز الذى يليق بالمدرسة الدبلوماسية المصرية، ويتم تعيينهم فى الوزارة وإيفادهم للخارج عبر مرحلتين مختلفتين من الامتحانات التحريرية والشفوية ويعاونهم فى ذلك طاقم مالى وإدارى على درجة عالية من الكفاءة. تجدر الإشارة إلى أن هذا الاحتفال هو الأول من نوعه بعد ثورة الثلاثين من يونيو، حيث كثفت وزارة الخارجية من جهودها من أجل حماية ودعم الثورة ونقل صورتها الحقيقية للعالم الخارجى وتبنى مبادئها، والعمل على استعادة مصر لموقعها العربى الأفريقى والمتوسطى وتنشيط دورها إقليمياً ودولياً، والتعامل مع القضايا العاجلة المرتبطة بالأمن القومى المصرى، فضلاً عن وضع الأرضية الشاملة والأسس الصحيحة للسياسة الخارجية المصرية.