نقلا عن اليومى.. «فى انتظار جودو»، نص مسرحى كتبه، صموئيل بيكيت، رائد مسرح العبث، وهو من أجمل النصوص المسرحية فى تاريخ الأدب، حيث تمت كتابة النص بعد الحرب العالمية الثانية، ويرصد ضياع القيم الإنسانية، ويشير إلى أن ما يحدث فى السياسة، وانعكاساته على الظروف الحياتية والاجتماعية، يجعل المشهد الملىء بتفاصيل الموت ورائحته أقرب إلى العبث، لا معنى لشىء، لا جدوى من أحلام تراودنا، كل الأشياء تتساوى، عندما يفقد الإنسان آدميته، وعندما يكون الصوت الأعلى للمصالح، ويصبح القبح هو سيد العالم. ويبدو أن الظرف الذى نعيشه، سياسيا واجتماعيا وإعلاميا، أقرب إلى حالة العبث، لا يصح أن نتساءل فيه عن المنطق، أو عن أصحاب «الوشوش» التى تتبدل، وتتغير تبعا للمصلحة، وحتى لو فكرنا أن نصم آذاننا، فسنجد أن الضجيج أكبر، وأكثر صخبا مما تتحمل طاقتنا الإنسانية، حتى عندما تفكر فى الانعزال عن كل ما حولك، ستجد أن المتلونين يقتحمون روحك، ويحولون تفاصيل يومك الاعتيادية إلى عذاب متواصل. مشهد عبثى، بلد كامل فى حالة انتظار، شعب يمنى نفسه بالقادم الذى يحمل العصا السحرية، لا أحد يفكر فى واقعه، ماذا يملك من معطيات، حتى يتوقع النتائج، جميعنا ننتظر جودو وهو النص البديع الذى صاغه بيكيت ووجدت نفسى أستدعيه، ولمن لا يعرف فأحداث هذه المسرحية تدور حول شخصين مشردين يقفان على قارعة الطريق فى أرض جرداء بالقرب من شجرة جرداء ليس عليها سوى أربع أو خمس أوراق ينتظران لمدة نهارين شخصا اسمه «جودو» على أمل أن يخلصهما من الحالة التى هما فيها، حالة اليأس والإحباط والحزن والضياع والحاجة، ولكن جودو لا أحد يعرف عنه شيئا، هل يهتم حقا لأمر هؤلاء؟، هل يستطيع فى يوم وليلة تبديل حالهما إلى حياة أخرى أكثر رحابة وطمأنينة؟، هم يصرون على الوقوف فى العراء مشردين وعلى حافة الفقر، لا يملكون قوت يومهم ورغم ذلك يصرون على الانتظار، والذى يبدو أنه عذاب آخر يضاف إلى باقى العذابات، ورغم ذلك فهم مستسلمون لحالة الانتظار، وأين جودو؟، ومن هو جودو الذى ينتظرانه؟، هل هو إنسان حقيقى أم وهمى؟، هل هو إنسان حقيقى يقدم المساعدة للآخرين وينقذهم مما هم فيه من شقاء؟، هل هو إنسان وهمى يرمز للأمل؟، هل هو إنسان عزيز صديق يحاول بقدر المستطاع تخليص الإنسان من المعاناة الحقيقية؟، هل هو المسيح الذى سيجىء ليخلص الناس من المآسى والمشاكل والأحزان؟، أم هو صاحب قوى خارقة وجاء ليخلص الناس من العذاب ويسكب عليهم من رحماته وينقذهم من حالتهم التى يعانون منها؟ فى النص المسرحى هناك شخصيتان «دى دى» و«جوجو»، وهما المشردان رمز الإنسانية وانهيار قيمها، بعد الحرب العالمية الثانية، وبوزو رمز المُستعبد، والطفل الذى يحمل الأمل رغم تناقضات أقواله وأفعاله، وما أشبه واقعنا بتلك الحالة، فالأغلبية تحاكى المشردين اللذين لا يملكان من أمرهما شيئا سوى الانتظار، وأيضا فقدوا الرغبة فى العمل والإنجاز، أما بوزو المُستعبد، فهناك الكثيرون من المتلونين أصحاب الأقنعة والذين يستمتعون بلعب هذا الدور. فمن هو جودو هذا؟.. أهو المنقذ، أم الشافى أم من يجعل الحلم حقيقة؟.. من هو؟.. أهو الأمل، الفرح، السعادة؟.. أهو الطفل الذى جاء لهم بعدة أخبار متناقضة، مرّة يقول إنه سيجىء، ومرّة يقول إنه لن يجىء اليوم؟.. أهو «بوزو» القوى المستعبد ل«لاكى» المستعبد الراضى باستعباده؟.. أهو الزمن الذى يحطم البشرية شيئا فشيئا، ويقودها، وهى ساهمة لاهية، تتجرع الموت؟ أم هو العبث: حيث لا شىء يحدث ولا أحد يجىء». رحل بيكيت وترك وراءه عملا خالدا، يؤرخ لحالنا وغيرنا من الشعوب التى أصبحت تمارس فعل القهر بشكل اعتيادى.