رابط الحصول على أرقام جلوس الثانوية الأزهرية 2025.. موعد وجدول الامتحانات رسميًا    القيمة المضافة.. الصناعات الزراعية أنموذجا    الدولار ب49.8 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 22-5-2025    إعلام فلسطيني: الاحتلال ينسف عددا من المنازل شمال قطاع غزة    رئيس الوزراء الكندي: ندرس الاستثمارات في نظام دفاع "القبة الذهبية"    صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل عقب رصد إطلاق صاروخ من اليمن    "أكسيوس": البيت الأبيض في ولاية ترامب بات خطرًا وفخًا للزعماء والرؤساء    في حال فشل المفاوضات.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟    إمام عاشور يتعرض لوعكة صحية ونقله إلى المستشفى    حريق هائل في مطعم بالإسكندرية.. والحماية المدنية تنقذ عشرات الطلاب    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 22-5-2025    شريف عبدالفهيم يكتب: السينما من الترفيه إلى الصناعة    إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)    تباين في أسعار الخضروات بأسواق مطروح.. والبامية والليمون تكسران حاجز ال 80 جنيهًا    زيادة كبيرة ب920 للجنيه.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع التاريخي    بعد استهداف الوفد الدبلوماسي، كندا تستدعي السفير الإسرائيلي وتطالب بالمحاسبة    أرباح إيسترن كومبانى تنمو 36% خلال 9 أشهر.. بدعم 27 مليار جنيه إيرادات    تويوتا RAV4 موديل 2026 تعتمد على نظام السيارة الهجينة القابلة للشحن    بعد تأهل توتنهام.. 3 فرق إنجليزية تضمن المشاركة في دوري أبطال أوروبا    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    وزارة المالية تعلن عن وظائف جديدة (تعرف عليها)    «استمرار الأول في الحفر حتى خبط خط الغاز».. النيابة تكشف مسؤولية المتهم الثاني في حادث الواحات    بالأسماء.. مصرع وإصابة 4 طلاب في حادث تصادم موتسكلين| صور    ضبط 7 عمال أثناء التنقيب عن الآثار بمنزل في سوهاج    ننشر أسماء المصابين في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالعريش في شمال سيناء    هذا أنا مذكرات صلاح دياب: حكاية جورنال اسمه «المصرى اليوم» (الحلقة الثالثة)    كريم محمود عبدالعزيز: «قعدت يوم واحد مع أبويا وأحمد زكي.. ومش قادر أنسى اللحظة دي»    محافظ الدقهلية: 1522 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية ابو ماضي مركز بلقاس    إجراء طبي يحدث لأول مرة.. مستشفى إدكو بالبحيرة ينجح في استئصال رحم بالمنظار الجراحي    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    الهلال يتمم المقاعد.. الأندية السعودية المتأهلة إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    بعد صدور لائحته التنفيذية.. عقوبة اصطحاب كلب دون ترخيص    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    وزير الزراعة يرد على جدل نفوق 30% من الثروة الداجنة في مصر    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    عادات المليونيرات.. 4 مفاتيح مالية يتجاهلها معظم الناس (تعرف عليها)    حاكم الشارقة يتسلم تكريما خاصا من اليونسكو لإنجاز المعجم التاريخى للغة العربية    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    لحظة وصول بعثة بيراميدز إلى جوهانسبرج استعدادا لمواجهة صن داونز (صور)    في الجول يكشف آخر تطورات إصابة ناصر ماهر    محافظ الدقهلية: 1522 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب«بلقاس»    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عطر الأحباب.. شادية الجوهرة الثمينة فى كنز الفن المصرى .. رجاء النقاش صياد الالئ الأدبية والفنية.. غاب القمر يا ابن عمى قطعة فنية من الرقة والعذوبة
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 02 - 2014

كان عام 2008 يحمل لى فاجعتين لم يبرأ القلب منهما حتى الآن.. فى فبراير رحل الأستاذ رجاء النقاش، وفى سبتمبر رحلت أمى. فى الرحيلين، الأول والثانى، كنت فى دبى، وحرمتنى الغربة من وداعهما، وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهما، كان عامًا للحزن والفراق للأحباء، وما أقساه من عام أحاول جاهدًا أن أنزع أوراق أيامه، وأمحو شهوره المبللة بالحزن من ذاكرتى دون جدوى.
قبل هذا العام بنحو 16 سنة كانت الصدفة الرائعة تقودنى للقاء الشخصى الأول مع الأستاذ رجاء النقاش فى رحلة إلى اليمن السعيد لحضور احتفالات عيد الوحدة بين الشمال والجنوب، كانت سعادتى لا توصف، فهذا هو الرجل الذى قرأت له وعرفته وأحببته قبل أن أراه، كان تواضعه المدهش فى الترحيب بى مشجعًا للاقتراب منه أكثر طوال أيام الرحلة، ومزاحمته فى كل اللقاءات والزيارات التى يقوم بها، فاليمن بمجالسه السياسية والأدبية وبرموزه الثقافية تربوا على كتاباته وإبداعاته، وصداقاته فى عدن وصنعاء تمتد لسنوات طويلة.. اقتربت أكثر منه دون غيره فى هذه الرحلة، واكتشفت أنه لم يكن فقط رجاء النقاش الكاتب الصحفى والأديب والمبدع والناقد الأدبى الفذ وآخر النقاد المميزين فى مصر، بل إنسان نبيل ورائع بكل ما تحمله الكلمة، قلب كبير تتمدد فيه مساحات الخير والجمال وحب الحياة والناس، إنسان جاذب عفوى، وبسيط وخجول يتميز بدفء المشاعر، ورقة الإحساس. لم أفارقه فى زياراته إلى «عزومات» الأدباء والسياسيين فى اليمن، قدمنى وأنا الشاب الصغير الذى يعمل فى صحيفة «مصر الفتاة» إلى الدكتور عبدالعزيز المقالح، وإلى رئيس وزراء اليمن، ومستشار الرئيس على عبدالله صالح، وإلى رموز العمل السياسى هناك. دارت بيننا نقاشات كثيرة بحضور زوجته السيدة الفاضلة الدكتورة هانية، كنت أنا بالطبع السائل والمستمع والمستمتع الأكبر الجالس كتلميذ فى رحاب الأستاذ، ينهل من خبرته وتاريخه وعلمه الغزير وثقافته الرفيعة.. فى كل مرة يهدينى إلى اسم كتاب معين لقراءته، بعد العودة للقاهرة يفتح لى مساحات جديدة من القراءة لم أتطرق إليها. بعد أيام قليلة من الزيارة تلقيت صدمة إغلاق صحيفة «مصر الفتاة» فبكيت بحرقة، ولم أجد سوى رجاء النقاش لإبلاغه بالخبر المفجع فراح يواسينى ويخفف من ألمى، ويحيطنى بدفء أبوى، فقد أصبحت «صديقه الناصرى الصغير» كما أسمانى بعد ذلك.
فى القاهرة، وبعد العودة دعانى للقاء فى منزله بالمهندسين- قبل انتقاله فى سنواته الأخيرة إلى منطقة حدائق الأهرام- سوف يجمع محمود درويش، وسميح القاسم، والطيب صالح، ولا أعرف حتى الآن لماذا تخلفت عن هذا اللقاء النادر مع الثلاثة الذين اكتشفهم، وكتب عنهم، وقدمهم للقارئ المصرى والعربى فى ستينيات القرن الماضى، وظلوا أوفياء له، ودامت صداقتهم له حتى وفاته. فوجئت بعد ذلك بسؤاله اللحوح عنى عبر أصدقاء فى دار الهلال، فذهبت للقائه مرة أخرى فى مكتبه، وتهيأت لعتابه ولومه لعدم تلبيتى الدعوة، فسارعت بالاعتذار والأسف، فطلب بود من كان بمكتبه الانصراف للجلوس معى. سألنى عن أحوالى بعد غلق الصحيفة، ولم ينتظر الإجابة، وعرض علىّ العمل فورًا معه فى مكتب صحيفة «اليوم» السعودية بالقاهرة، لم أتردد فى القبول، فسوف أكون بجانب «الأستاذ» وبرفقته دائمًا فى العمل والمنزل، وطوال ثلاث سنوات عملت خلالها معه لم أتخلف عن لقاءاته.. تعلمت منه الكثير على المستوى الإنسانى والصحفى، ولم يبخل أبدًا بنصائحه لى فى كيفية القراءة والكتابة.. ذكريات وتفاصيل وأسرار كثيرة حكاها لى وائتمننى عليها، مواقف إنسانية نادرة لا أنساها له طوال عمرى، ولا يعرف عنها سوى القليل من الأصدقاء، تدل على نبل ومروءة هذا الرجل.. لم تنقطع اتصالاتى وزياراتى ولقاءاتى به حتى بعد أن تركت العمل بمكتب «اليوم» إلى صحيفة «العربى»، ثم السفر والارتحال إلى العمل فى صحيفة «البيان» فى دبى.
قبل رحيله بثلاث سنوات تكرمت جائزة الصحافة العربية فى دبى بحصول رجاء النقاش على شخصية العام، وعرضت على الصديق ناصر عراق، مدير تحرير مجلة «دبى الثقافية» آنذاك، أن يكون الأستاذ أحد كتابها، فوافق على الفور بعد عرض الأمر على رئيس التحرير الشاعر الإماراتى المبدع سيف المرى، فأضفى على المجلة بهاءً ورونقًا وتميزًا بكتاباته البديعة.
داهمه المريض اللعين فجأة، قاومه بإصراره وإيمانه، وبإقباله وحبه للحياة وحبه لمن حوله، وبكل ما يملك من طاقة روحية.. كان لابد من مواجهة الموت المر ولحظات الرحيل القاسى بشجاعة ونبل، مثلما واجه فى حياته معارك كثيرة، وقاوم كل صور الشر بصبر وفروسية لا تليق إلا بأمثال رجاء النقاش.. ومثلما كان يدهشنى بحيويته وعافيته وحماسه فى الدفاع عن أفكاره ومبادئه التى لم يتخل عنها أبدًا، أدهشنى فى آخر مرة رأيته فيها فى منزله بمقاومته للمرض ومحاولة هزيمته.
فى 8 فبراير 2008 رحل رجاء النقاش عن 74 عامًا لأنه لا بد من الموت فى النهاية، لكنه ترك لنا ميراثًا ثقافيًا وإبداعيًا وإنسانيًا وأخلاقيًا لا يستطيع الموت أن يهزمه، فقد انحاز فى مشروعه النقدى والأدبى إلى ثقافة الشعب فى مقابل ثقافة النخبة، وعاش من أجل حرية واحدة هى حرية الفكر والإبداع.. وحرية الإنسان والوطن.
شادية.. فنانة استثنائية بدرجة مدير عام! جسّدت شادية دور الفتاة المكافحة المتعلمة بعد ثورة يوليو
إذا كانت أم كلثوم تعد الابنة النبيلة لثورة 1919، فإن شادية هى الابنة الوفية لثورة 23 يوليو 1952 بامتياز.. صحيح أن مطربتنا المحبوبة- رعى الله أيامها ولياليها- ظهرت على الشاشة قبل أن يتجرأ عبدالناصر والذين معه على الإطاحة بالملك فاروق، لكن شادية لم تتألق وتتجلى إلا مع استقرار هذه الثورة وانتصارها.. تعال نتحدث عن شادية بمناسبة عيد ميلادها الذى يوافق 8 فبراير، وسأترك لك تخمين السنة التى هلت فيها على الدنيا!
البدايات الخفيفة
ما الذى جعل الجمهور يعشق شادية قبل أكثر من خمسة وستين عامًا حين أطلت على شاشة السينما للمرة الأولى؟ وما الذى يدفعنا إلى تكرار الحب كلما مر طيفها الجميل أمام أعيننا الآن على شاشات الفضائيات؟.. باختصار لأنها رمز للبساطة والتلقائية والمرح.
لقد عرفت شادية طريقها إلى السينما من خلال قيامها بدور صغير فى فيلم «أزهار وأشواك/ عرض فى 1947/ 1/ 27» للمخرج محمد عبدالجواد مع مديحة يسرى، وعماد حمدى، ثم نالت دورًا أكبر مع المخرج حلمى رفلة فى فيلم «العقل فى إجازة 1947/ 5/ 12» مع ليلى فوزى، ومحمد فوزى، وفى نهاية العام تقاسمت البطولة مع هاجر حمدى، وكمال الشناوى فى فيلم «حمامة السلام 1947/ 11/ 27» للمخرج حلمى رفلة.
فى كل هذه الأفلام كانت شادية تعبر عن الفتاة المرحة المقبلة على الحياة، المتصالحة مع الزمن، وقد أضاف صوتها الرقيق إلى أدائها البسيط أجواءً من البهجة كلما لاحت أو غنت على الشاشة، حتى جاء فيلم «نادية/ عرض فى 1949/ 2/ 27» مع عزيزة أمير، ومحمود ذو الفقار، للمخرج فطين عبدالوهاب ليتأكد حضورها القوى، ولتصبح القاسم المشترك المهم فى أفلام كوميدية غنائية مغلفة بنبرة ميلودرامية زاعقة تخاطب الذوق العام للمصريين فى ذلك الوقت.
شادية بعد الثورة
كما هو معروف، كلما حدث تغيير سياسى اجتماعى ضخم وكبير فى دولة ما، تبدل الذوق العام للجموع، خاصة فيما يتعلق بعالم الفن، ولو لاحظنا- على سبيل المثال- أشكال وأحجام نجمات السينما قبل ثورة يوليو 1952 لتبين لنا أنهن كن طوالا مزودات بنزعة أرستقراطية فى الأداء، يعشن فى القصور الباذخة، ويرتدن الأماكن الفخمة، ولا عمل واضحًا لهن، ودائمًا منشغلات بالحبيب ومشكلاته وغيابه أو عبثه واستهتاره.. تذكر من فضلك ممثلاتنا الجميلات عقيلة راتب، وراقية إبراهيم، ومديحة يسرى، وتحية كاريوكا اللاتى ازدانت بوجوههن وأجسادهن الشاشة البيضاء طوال فترة الأربعينيات حتى مطلع الخمسينيات لتتأكد مما أقول، فلما اندلعت الثورة، وفتحت الباب أمام الملايين من البنات والبنين للتعليم المجانى، صارت شادية، ومعها فاتن حمامة وماجدة، نجمات العهد الجديد بامتياز، فصاحبة «يا حبيبتى يا مصر» تتمتع بجسد قليل الحجم، ووجه معبر عن ابنة الطبقة الوسطى الطامحة فى التعلم، المترعة بحب الحياة، المكافحة لإثبات ذاتها وحضورها.
وهكذا مثلت شادية دور الطالبة فى أكثر من فيلم، تذكر أغنيتها الشهيرة «التليفون» مع فاتن حمامة، والتى مطلعها «ألو.. ألو.. إحنا هنا.. ونجحنا أهو فى المدرسة» فى فيلم «موعد مع الحياة» للمخرج عز الدين ذو الفقار، وقد عرض هذا الفيلم فى 1953/ 7/ 12»، كما لا تنسَ دورها فى فيلم «أقوى من الحب للمخرج نفسه/ عرض فى 1954/ 2/ 8»، وقد جسدت فيه دور فتاة تدرس الرسم والفنون الجميلة، وتعجب بموهبة عماد حمدى! أما فى «لحن الوفاء للمخرج إبراهيم عمارة 1/3/ 1955 مع عبدالحليم حافظ» فقد جسدت دور فتاة تعشق الغناء، وتطمح لتحقيق ذاتها بالعمل فى فرقة موسيقية كبيرة.
لا تنسَ أن شادية لها فيلم عنوانه «التلميذة للمخرج حسن الإمام وقد عرض فى 1961/ 11/ 12» الأمر الذى يؤكد أن هذه الفنانة الاستثنائية كانت تعبيرًا عن- وجزءًا من- حالة سياسية اجتماعية فنية مصرية بامتياز، حققت فيها الفتاة كل ما يمكن من إنجازات، فتعلمت وعملت وكافحت، لكن كيف يمكن تقييم شادية بوصفها ممثلة؟ هل امتلكت الموهبة الكافية؟ هل تمتعت بالحس الفطرى الصائب الذى يتغلغل بيسر فى الشخصية التى تتقمصها، فيتفجر ذلك فى تعبيراتها وملامحها وهى تؤدى هذه الشخصية أو تلك؟!
الممثلة الموهوبة
فى ظنى أن شادية هى الفنانة الوحيدة التى جمعت أفضل الحُسنيين.. الغناء والتمثيل، وقد بلغت فيهما معًا مستوى غير مسبوق، فلا أم كلثوم كانت ممثلة متميزة، ولا ليلى مراد، ولا نجاة على، أو رجاء عبده، ولا غيرهن، مع كامل الاحترام والتقدير لأصوات هؤلاء السيدات الجميلات فى عالم الغناء والطرب، لكن شادية تستطيع أن تفاخر بالكثير من أدوارها التى أبرزت فيها مهارة لافتة فى فنون التمثيل والتقمص والإحساس بالشخصية.
فى فيلم «المرأة المجهولة للمخرج محمود ذو الفقار/عرض فى 1959 / 12/ 7» تبلور أداؤها التمثيلى بشكل مدهش، فرأيناها فى البداية فتاة مرحة تعمل موظفة فى محل، لكنها مقبلة على الحياة بروح جميلة، ثم شاهدناها زوجة عاشقة وفية، وأمًا حنونًا، ومع المفاجآت البائسة تتحول إلى بائعة هوى، فتتقن الدور الذى أجبرت على تمثيله لتحافظ على حياتها، وفى النهاية أضحت شادية حطام امرأة منحنية الظهر، زاهدة فى الحياة، لا يهمها سوى ابنها، فقتلت البلطجى الذى ينوى فضح سرها كى تحافظ على سمعة ابنها! فى هذا الفيلم تعطى لنا شادية دروسًا فى فنون التمثيل من خلال نظرة العين الشقية فى البداية، ثم الالتفاتة الثقيلة والتواء الشفتين مع ارتعاشة اليدين فى النهاية!
يمتدح ناقدنا الكبير كمال رمزى فى كتابه «نجوم السينما العربية.. الجوهر والأقنعة» أداء شادية فى هذا الفيلم من خلال تسليطه الضوء على المشاعر المتناقضة التى تبرع فى تجسيدها فى لحظات متقاربة. يقول الناقد الحصيف: «بينما تظهر شادية فى الملهى الليلى كواحدة من بنات الهوى، سواء باللادن الذى تلوكه بميوعة، أو بمشيتها التى تبرز فيها مفاتنها، أو بضحكتها الخليعة، فإن جوهرها الطيب يتبدى بوضوح فى علاقتها المفعمة بالمحبة والإخلاص مع صديقتها العليلة سعاد أو زهرة العلا».
حقًا.. إن فيلم «المرأة المجهولة» علامة فارقة فى تاريخ التمثيل فى المقام الأول، وقد وضعت هذه العلامة الفارقة فنانتنا الكبيرة شادية باقتدار يحسب لها.
المدير العام.. امرأة!
بالنسبة لى لم تقدم السينما المصرية فيلمًا يشبه «مراتى مدير عام» الذى أخرجه فطين عبدالوهاب عن قصة لعبدالحميد جودة السحار، وسيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وقد عرض الفيلم فى 20 يناير 1966.. لماذا هذا الفيلم مختلف؟
أنت طبعًا تتذكر أحداث الفيلم وتفاصيله، وبالتالى يمكن القول إن السينما لم تنتج فيلمًا قبل ذلك تصل فيه المرأة إلى منصب كبير فى الدولة، وكيف يمكن أن تفعل ذلك والمرأة المصرية كانت ضحية الجهل والحرمان من التعليم؟ فلما فتحت ثورة يوليو الباب واسعًا أمام أبناء الطبقات الكادحة لتلقى العلم مجانًا فى الجامعات، صار من المنطقى أن تصل سيدة متعلمة إلى منصب المدير العام «تذكر أن عبدالناصر قام بتعيين سيدة فى منصب وزير لأول مرة فى تاريخ مصر، وهى الدكتورة حكمت أبوزيد، وذلك عندما تولت وزارة الشؤون الاجتماعية فى مطلع ستينيات القرن الماضى».
فى هذا الفيلم تجلى أداء شادية وتبلور بشكل عجيب، فهى تمزج ببراعة بين المشاعر الجادة- بوصفها رئيسة العمل- وأحاسيس الحب الجارف للزوج الذى أصبحت رئيسته، محاولة تفهم مزاجه الشرقى الذى يرفض أن تكون زوجته أعلى منه فى المنصب والمكانة.. «رجاء.. لاحظ كيف- وهى المدير العام- نسيت منصبها الكبير، وراحت ترتب، بحس زوجة منظمة عاشقة، الأشياء والأدوات المبعثرة فوق مكتب زوجها فى أثناء مرورها للتفتيش على موظفيها، فلما نبهها وكيلها إلى الأمر استردت هيبة المنصب، وشرعت تطلب وتأمر بأداء بالغ العذوبة والطرافة»!
لقد عرّى فطين عبدالوهاب المكائد الصغيرة للموظفين، وغاص فى دهاليز البيروقراطية المصرية الممتدة عميقًا فى التاريخ، ونجح بامتياز فى إنجاز فيلم استثنائى، متكئًا على قصة محبوكة وسيناريو ذكى وحوار رشيق، علاوة على فريق من الممثلين المتميزين، كانت شادية تترأسهم وتقودهم باقتدار بوصفها «مدير عام» التمثيل!
فؤادة المصرية!
أظنك تدرك أننا لا نستطيع تقديم قراءة شاملة وافية عن شادية الممثلة فى هذه المساحة الصغيرة، خاصة أن فنانتنا المحبوبة صالت وجالت فوق الشاشة البيضاء، فمن ينسى أدوارها الفاتنة فى «الطريق/ اللص والكلاب/ زقاق المدق/ كرامة زوجتى/ عفريت مراتى/ نحن لا نزرع الشوك» وكلها عرضت فى الفترة من 1963 حتى عام 1970، لكن لا يمكن أن نطل على العالم السينمائى لشادية دون التوقف قليلاً لإلقاء التحية لها على مهارتها فى تقمص شخصية «فؤادة» فى الفيلم الموفور الصيت «شىء من الخوف للمخرج حسين كمال/ عرض فى 1969/ 2/ 3».
تأمل من فضلك نظراتها المفتونة ب«عتريس» قبل أن ينقلب الحال، وكيف غدا وجهها مترعًا بالعشق والحنين، ثم تذكر نظراتها المشفقة والقلقة على حبيب القلب حين بدأ ينزلق فى مناخ الإجرام، ثم تابع شرارة التحدى للرجل الجبار رافضة بكبرياء أن تمنحه نفسها برغم الحب القديم.. أجل، لقد نضجت شادية، وامتلكت أدواتها الفنية بإتقان، وها هى تقف «بالمرصاد الفنى» لتواجه عملاق التمثيل محمود مرسى، فتتكافأ معه، ويعزفان معًا أحد أفضل المقطوعات التمثيلية فى تاريخ السينما المصرية.
فى 19 نوفمبر 1984 عرض فيلم «لا تسألنى من أنا» للمخرج أشرف فهمى، وقد بدأ الزمن يترك آثاره فيخدش براءة الوجه الصبوح، فوافقت شادية على تجسيد دور أم ليسرا، وإلهام شاهين، وهشام سليم، وغيرهم، وقد حقق الفيلم نجاحًا لا بأس به، واجتهدت شادية ووُفقت، لكنها فى لحظة مكاشفة مع الذات قررت اعتزال هذا العالم الجميل، والاكتفاء بما قدمته فى السينما والغناء والمسرح، وهو ثرى وكثير، «لها مسرحية واحدة هى ريا وسكينة قدمت عام 1982»، فاحترم الجمهور رغبتها، واحتفظ لها بأكرم ركن فى قلبه، واستدعاها فورًا حين اندلعت ثورة 25 يناير 2011، فاحتضنت بصوتها الحنون ومشاعرها الفياضة ملايين المصريين الثائرين فى ميدان التحرير وهى تصدح «يا حبيبتى يا مصر».
يا ست شادية.. كل عام وأنت طيبة!
أول من اكتشف الشاعر محمود درويش والمطربة وردة كان حريصا على أن يظهر مقاله فى «دبى الثقافية» فى أبهى صورة
من حسن الطالع أن المودة ربطت بين الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش وبينى، فقد جمعتنا أواصر محبة وعمل كبير فى السنوات الأخيرة من عُمر هذا الرجل النادر المثال فى حياتنا الثقافية والفنية والصحفية.
منذ لقائنا للمرة الأولى فى مساء يوم من أيام 2004 وحتى رحيله فى 8 فبراير 2008، والتعاون بيننا فى العمل يشهد نجاحات متواصلة، فقد اتفقت معه على أن يكتب لنا مقالا شهريا فى مجلة «دبى الثقافية» التى شاركت فى تأسيسها بدبى وأصبحت أول مدير تحرير لها، حيث رحب رئيس التحرير الشاعر والإعلامى الإماراتى الكبير سيف المرى بدعوة رجاء النقاش للانضمام إلى أسرة كتاب المجلة الدائمين قائلا لى: «الأستاذ رجاء مكسب كبير للمجلة»، وهكذا رتب لنا موعدا الأستاذ سعيد شعيب - شفاه الله - مراسل المجلة آنذاك، وتم الاتفاق، وزادت أواصر المودة بيننا، وظللت طوال أربعة أعوام كاملة حريصا على مقابلته والإنصات إليه كلما عدت إلى بلدى فى زيارة، أو جمعتنا الظروف فى احتفال بدبى أو ندوة فى الكويت، حيث شاركنا مرة فى ندوة نظمتها مجلة العربى الكويتية.
حسب علمى، حقق رجاء النقاش إنجازا لم يسبقه إليه أحد، وهو أن يصبح ناقدا أدبيا وفنيا فى وقت واحد، فلك أن تعلم - على سبيل المثال - أنه كتب مقدمة الديوان الأول للشاعر الرائد أحمد عبدالمعطى حجازى - سقى الله أيامه - وهو ديوان «مدينة بلا قلب/ عام 1959»، مشجعا ومؤيدا الشعر الجديد فى مصر، وفى ذلك العام نفسه، كان رجاء أول صحفى مصرى يكتب مبشرا بالمطربة الجديدة وردة الجزائرية، قبل أن تهبط أرض القاهرة، إذ استمع إليها فى دمشق، وعاد إلى عاصمة الفن ليسجل إعجابه بها وحماسه لها فى صفحتين من مجلة «صباح الخير» على ما أذكر، حيث كتب عنوان الموضوع من كلمة واحدة فقط وهى «وردة»!
تمتع الأستاذ رجاء بمقدرة استثنائية على الغوص فى بحر الأدب والفن واصطياد اللآلئ والجواهر بحصافة مذهلة، فلعلك تعلم أنه أول من كتب عن الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، وكان مغمورًا فى ذلك الوقت لا يعرفه أحد، فلما أصدر عنه كتابًا شارحًا صار المرجع الأهم لكل من يريد أن يتعرف على درويش الشاعر والإنسان، وقد أصدر النقاش هذا الكتاب عام 1968 وعنوانه «محمود درويش.. شاعر الأرض المحتلة»، وحين أقيم احتفال برجاء قبل رحيله بأسابيع قليلة «رجاء مولود فى عام 1934» كتب درويش رسالة بليغة يحيى فيها الرجل الذى اكتشفه وقدمه إلى العالم كله، وكان عنوان الرسالة موحيا، وهو «كنتَ قد ساعدتَ جناحى على الطيران»!
بالنسبة لى كان الأستاذ رجاء مستودع الحكايات والقصص عن عالم الأدب والفن والصحافة والسياسة، فهو حكاء بارع، فكنت أجلس إليه بالساعات أسأل وأستفسر وألح، وهو بكرمه المعتاد يجيب بصبر وهدوء شارحا وموضحا وناقدا، وكم كانت سعادتى حين يدعونا إلى بيته ونظل فى حضرته أكثر من خمس ساعات نقضيها فى رحاب الأدب والفن والتاريخ، ولزوجته الدكتورة هانيا الفضل الكبير فى إعداد الأجواء المناسبة لهذه الجلسات الممتعة.
تبقى كلمة أخيرة ينبغى قولها فى حق هذا الرجل الاستثنائى، وهو إتقانه للعمل والانكباب عليه، وأذكر كيف كان يحرص أشد الحرص على أن يوافى دبى الثقافية بمقالاته ودراساته المتنوعة والمتميزة، وكان يرسلها لى بالفاكس، ويطلبنى ليطمئن أنها وصلتنى، ثم يطلبنى ليبدل كلمة هنا أو يضيف عبارة هناك، أو يرسل لى صورا نادرة بالبريد، وهكذا يظل الأستاذ رجاء مشغولا بما يكتب حتى يخرج للناس فى أبهى صورة.
فى 8 فبراير من عام 2008 رحل رجاء النقاش فقررنا أن نخصص عدد مارس من دبى الثقافية للحديث عن دوره وإنجازاته، وقد رجوت جميع كتاب المجلة أن يخصصوا مقالاتهم عن الرجل، وكم كانت دهشتى حين انهمرت علىّ المقالات والشهادات من مصر وكل البلاد العربية مشمولة بتقدير كبير للراحل، إذ يعترف فيها كتابها الكبار بالدور الرائد لرجاء فى تكوين ذائقتهم الإبداعية وحسهم النقدى، «لا تنس أنه يكتب فى الصحافة الثقافية والفنية منذ عام 1953 كما أكد لى»، وكم كان رائعًا أننا أصدرنا مع العدد كتابًا أهديناه مجانا للقارئ العربى يضم 21 مقالا طويلا نشرها النقاش فى مجلة دبى الثقافية بداية من العدد الخامس «صدر فى أكتوبر 2005»، حتى العدد 25 «صدر فى يونيو 2007».
لقد أصدر النقاش العديد من الكتب المهمة فى الأدب والفن والثقافة نذكر منها «لغز أم كلثوم/ نساء شكسبير/ مطالعات وتأملات»، ليت هيئة الكتاب تعيد نشرها لتعم الفائدة، خاصة أن الناقد الراحل يمتلك أسلوبا بالغ الرشاقة والعذوبة يغرى بالقراءة ويحرض على معانقة المتعة الذهنية.
حقا.. لقد كان من حسن الطالع أن ألتقى الأستاذ رجاء النقاش!
قطعة فنية من الرقة والعذوبة
من أصعب الأمور أن تختار أغنية واحدة فقط لشادية لتكتب عنها فى هذا الباب، ذاك أن مطربتنا الجميلة قدمت مئات الأغنيات الساحرة منذ ظهرت على الشاشة وحتى اعتزالها، لكن يمكن تقسيم تاريخ شادية الغنائى باختصار إلى ثلاث مراحل رئيسية، الأولى: اتسمت بالأغنيات الخفيفة التى تترنم بها فتاة شقية مرحة فى مقتبل العمر، ولا مانع لديها أن تقدم اسكتشات كوميدية لطيفة مع إسماعيل ياسين، ومحمود شكوكو، وفريد الأطرش، وعبد الحليم، كما شاهدنا فى أفلام كثيرة، علاوة على بعض الأغنيات الرومانسية الرقيقة مثل «مكسوفة/ شبك حبيبى/ شباكنا ستايره حرير/ حسن يا خولى الجنينة/ إن راح منك يا عين/ يا نور عينينا وأكتر/ سيد الحبايب يا ضناى انت».
أما المرحلة الثانية، فهى مرحلة النضج التى يمكن أن نحددها بمطلع الستينيات حتى نهايتها، وفيها شدت بأعمال بديعة مازالت تسحر الألباب نذكر منها «وحياة عينيك وفداها عينيه/ قولوا لعين الشمس/ يا حبيبى عد لى تانى/ آه يا أسمرانى اللون/ فارس أحلامى/ عنب بلدنا/ البرتقان/ والله يا زمن/ غاب القمر يا ابن عمى»، ناهيك عن الأغنيات الوطنية التى تتسلل إلى الوجدان فتغرورق العيون بدموع سخية فى محبة مصر.
فى المرحلة الثالثة والأخيرة التى طالت حتى نهاية السبعينيات، اكتفت بتقديم مجموعة قليلة من الأغنيات العاطفية والوطنية، كان لها تأثير كبير نذكر منها «يا حبيبتى يا مصر/ يا أم الصابرين/ راحة فين يا عروسة/ آخر ليلة/ خلاص مسافر/ بوست القمر/ مصر اليوم فى عيد».
عندى تظل «غاب القمر يا ابن عمى» لها طابع خاص، فالكلمات الرقيقة التى كتبها مجدى نجيب تصطاد الأجواء الريفية وتعيد صياغتها فى تراكيب بليغة ممتعة، وكذلك فعل الفنان الموهوب محمد الموجى، حيث أنجز لحنا يقطر شجنا وسحرًا.
تذكر معى هذا الكوبليه «ضحك الهوا حواليك واتمايلت النجمات/ سلم على شعرى ورماه عليك حكايات/ مشوارنا همسة وضحكة شاردة فى الفضا/ مشوارنا خطوة وعمرها ما بتنقضى/ بعت القمر مرسال/ بعت النجوم موال/ وخطوتك وانت جنبى شوق يفرحنى/ غاب القمر يا ابن عمى يالله روحنى».
الله عليك يا شادية وأنت تترنمين بهذا المقطع!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.