تحتاج الحكومة الآن وبصورة عاجلة أكثر من أى وقت مضى لإعادة هيكلة نظام الأجور المعمول به فى الدولة والقطاع العام وليس فقط فى تحديد الحد الأدنى للأجور، ناهيك عن الحد الأعلى للأجور. وفى التعريف فإن الحد الأدنى للأجور يعرف بأنه الدخل الشهرى الذى يوفر حياة كريمة للأسرة تغطى احتياجاتها الأساسية بحيث تعلو بها عن خط الفقر طبقاً لما هو متعارف عليه دولياً ومحلياً، وبذلك فإن الحد الأدنى للأجور المعمول به حالياً فى مصر يجب أن يرتفع لتحقيق هذه الغاية، وهو مطلب مجتمعى يؤيده رجال الأعمال ورجال الصناعة قبل أن يكون مطلبًا عماليًا. الحد الأدنى للأجور يجب أن يعلو خط الفقر المتعارف عليه بمسافة كافية حتى يتمكن المجتمع من تحسين جودة الحياة للمستويات محدودة الدخل، وبذلك يعمل على مكافحة الفقر من ناحية وتوليد قوة شرائية تزيد من الإنتاج وتوفر السلع وتزيد من حصيلة الضرائب على المبيعات وتُحسن من الأداء الخدمى للنقابات واتحادات العمال عن طريق زيادة مواردها. إن إعادة النظر فى نظام الأجور المعمول به حاليًا فى الحكومة والقطاع العام تتطلب فى المقام الأول إعادة هيكلته حتى تستطيع الحكومة توفير الخدمات المختلفة بالجودة المطلوبة على مختلف مستويات الأداء، وهو ما من شأنه تحسين الأداء الحكومى وهو مطلب مُلح لا يقبل الإرجاء. الأمر قد يتطلب التريث فى بحث الحد الأعلى للأجور فى إطار المتناقضات المحيطة به، إذ إنه من الثابت أن فى خفض الحدود العليا للأجور الحد من قدرة الحكومة والوزارات التابعة لها فى الحصول على الكفاءات التى تحتاجها من التخصصات النادرة التى لها سعرها المرتفع والمتعارف عليه دولياً قبل أن يكون محلياً. مثال ذلك خبراء الصناعات البتروكيماوية وخبراء صناعة الأدوية وغير ذلك من تخصصات نادرة تحتاجها البلاد بشدة للدخول فى مرحلة الانطلاق الاقتصادى. الدور الحيوى الذى يلعبه القطاع الصناعى فى هذا الشأن يتمثل فى تلاحم أصحاب الأعمال والإدارة مع رأس المال البشرى وما لذلك من أهمية كبرى توفر اتفاق المصالح بينهما، مما يؤمن المسيرة الصناعية القابلة للتطور، كما أن القطاع الصناعى يعى جيداً أن فى تدنى أجور العمالة عائقا أمام الحصول على أفضل الكفاءات البشرية مما يعوق من الحفاظ على منظومة الجودة ويؤمن استمراريتها. وهناك عدد من النقاط التى يثور حولها الجدل والاختلاف تتمثل فى: أولا: تعريف ما هو أجر العامل، وتعريف ما هو الأجر، وما هو الدخل الخاص بالعامل والموظف وكذا نصيب الفرد من دخل الأسرة. ثانياً: هناك اختلاف أساسى بين الهيكل الوظيفى الحكومى والهيكل الوظيفى المعمول به فى الصناعات ومؤسسات الأعمال بالقطاع الخاص، وهو الأمر الذى يتطلب إحداث تقارب أو توازٍ فى السلم الوظيفى والهيكلى بينهما. ثالثًا: يحتوى نظام الدخول فى قطاع الأعمال الخاص على عدد من النماذج المختلفة التالية: الجمع بين الأجر وحافز الإنتاج - تقدير دخل الوظائف الإدارية والخدمية داخل المؤسسة بنسبة يتم التعارف عليها من الأجور ومتوسطات حوافز الإنتاج فى ذات القطاع الصناعى التابع له. العمل بنظام المقطوعية «Accord» مثل صناعة الملابس - البناؤون - مبلطو القيشانى والأرضيات والصناعات النسجية وسائقو التاكسى وما إلى ذلك. المهن التى يعتمد أساسها على البقشيش حيث يتم احتساب أجر صغير نسبى بينما يستكمل الدخل الرئيسى من البقشيش، مثال ذلك: الحلاقون - الجرسونات بالمطاعم، وما إلى ذلك. الأجور الخاصة بالتخصصات الصناعية النادرة مثل: سائق الونش - قائد القطار- لحام أوعية الضغط- فنى المعالجات الحرارية للمعادن، وما شابه ذلك فإن أجورهم تعلو بحد كبير تلك الخاصة بالتخصصات وفيرة العمالة. تتأثر الأجور بوجه عام جغرافيًا حيث تنخفض فى الصعيد والمناطق الريفية عنها فى الحضر، كما أن تكاليف الحياة فى تلك المناطق تنخفض إلى حد كبير أيضًا. أنظمة تحديد الأجور وقواعد تحريك تلك الأجور دورياً الكثير من الدول وعلى وجه الخصوص دول العالم الثالث تعتمد على إنشاء مجلس قومى يجمع المتخصصين والخبراء تحت مسمى المجلس القومى للأجور، إلا أنه فى كثير من الأحيان يختزل ذلك فى إجراء واحد بصدور قرار وزارى من وزير العمل بتحديد الزيادة السنوية للأجور، الذى غالبًا ما يكون ملزماً للقطاع الخاص، وقد تتجاوب معه اختياريًا الحكومة والقطاع العام دون إلزام، أما فى الدول الأوروبية التى لديها هياكل وظيفية محدثة فإنه يتم التفاوض بين كل نقابة عامة على حدة مع أصحاب الأعمال المنتمين للمهنة، والذى ينتهى بالوصول إلى حل وسط يرتضيه الطرفان يراعى فيه عوامل غلاء المعيشة ونسب التضخم. المعايير المختلفة لقياس حد الفقر يعرف حد الفقر المُدقع بأنه دخل قيمته دولار واحد فى اليوم للفرد: 1× 30 يوما × 7 جنيهات = 210 جنيهات شهريا، وتم ذكر هذا المعيار تأثراً بالمجاعات والأوبئة فى أفريقيا فى ضوء إحجام كثير من الدول الكبرى عن مد يد المعونة وانتشال أفريقيا من الأوبئة والمجاعات بصورة كافية فى حينها، وهو أمر لا يخصنا فى مصر من قريب أو بعيد. أما معيار خط الفقر الذى ورد فى كثير من القياسات فهو يعادل 2000 دولار سنويًا بما يعنى: 2000 دولار سنويًا ÷ 12شهر= 167 دولارا شهريا ×7 جنيهات= 1167جنيها شهريا.. وهو معيار لا يبعد عن القيمة التى تتجه إليها الحكومة حاليًا. وفيما يخص معيار قياس دخل الفرد فى الأسرة: «الدخل الشهرى × عدد الأفراد الذين يعملون» ÷ عدد أفراد الأسرة = نصيب الفرد فى دخل الأسرة. التجربة الألمانية الحكومة الألمانية أعلنت مؤخراً أنها حددت الحد الأدنى بقيمة 8.5 يورو عن كل ساعة عمل، وهو أمر يختلف عما كانت تطبقه من قبل. وقيمة الأجر فى حد ذاتها لا تقدم جديداً بغض النظر عن القيمة ذاتها، أما الجديد فهو طريقة احتساب تلك القيمة للأجر، وبالبحث عن المعادلة المنشأة لهذا الرقم وكيف أنها صالحة للتطبيق سواء على مستوى القطاع الخاص الصناعى أو الخدمى أو الحكومى، يتبين أن الحكومة الألمانية كانت قد قامت باستقصاء لقطاعات عديدة من الدولة حددت مجموع الأجور المدفوعة فى كل قطاع مقسومة على عدد الأفراد بالكامل ووصلت لما يسمى متوسط الأجر بالقطاع، ثم حددت قيمة الحد الأدنى للأجور بقيمة %40 من متوسط الأجور بالقطاع، وبذا وصلت إلى رقم توافقى قيمته 8.5 يورو عن كل ساعة عمل. هذا الأمر جعل الحد الأعلى للأجور محفزاً لرفع الحد الأدنى للأجور إلى أعلى، إذ إن فى زيادته رفع للحد الأدنى للأجور بالتبعية وهو ما يناقض النظرية العكسية التى تجعل من الحد الأدنى للأجور قيمة محدده تهبط بالحد الأقصى للدخل. فئات لا يشملها الحد الأدنى للأجور ولا بد أن يعنى القانون بالكثير من التعاريف منها: تعريف الأجر والدخل وتعريف العامل باعتباره العامل المنتج لسلعة أو خدمة، تعريف الهيكل الوظيفى للمهن الصناعية التى تبدأ بالتلمذة الصناعية أو صبى تحت التأهيل - مساعد عامل - عامل إنتاج غير متخصص - عامل فنى متخصص - مساعد أسطى - أسطى - مساعد رئيس قسم - رئيس قسم - رئيس أقسام - مساعد مدير مصنع - مدير مصنع. والأمر ينسحب على جميع الوظائف الأخرى فى جميع القطاعات كل فيما يخصه، أما الفئات التى لا يشملها الحد الأدنى للأجور فهى غالباً ما تكون متدرب التلمذة الصناعية - مساعد العامل، حيث إن الجهد المبذول فى تعليمه يكون عبئًا على المؤسسة الصناعية لا يقابله إنتاج من جانبه وللمؤسسة أن تحدد المكافأة التى تؤديها له طبقاً لما تطبقه من سياسات، والأجدى أن تمتد خدمات الدولة من تأمين اجتماعى وتأمين صحى على هذا المتدرب دون أن تقتضى أى اشتراك منه أو من المؤسسة التى تقوم بتدريبه، وهذا الأمر ليس فيه اجتهاد، وإنما هو نظام مطبق فى دول الاتحاد الأوروبى منذ فترة طويلة جداً. وهناك بالتالى ضرورة أن تلتزم الحكومة بالحد الأدنى للدخل الذى تقرره بالتوافق مع أصحاب الأعمال واتحاد الصناعات والنقابات العمالية الرسمية فى آن واحد، إذ إنه مطلب توافقى يحقق اتفاق المصالح للعامل وصاحب العمل والدولة فى آن واحد.. موضحة أن الحكومة لم تكن تلتزم بالحد الأدنى فى مراحل سابقة للأجور بينما تُلزم به أصحاب الأعمال من القطاع الخاص وفى هذا مجافاة لتحالف قوى الشعب العاملة، إذ إنه لا يجوز التفرقة فى الحد الأدنى للأجور بين العاملين بالدولة ومرافقها وبين العاملين بالقطاع الخاص، لأسباب جوهرية كثيرة لا يتسع المجال للخوض فيها ولكنها واضحة وغير مختلفة حولها. عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية ورئيس اتحاد منظمات الأعمال المصرية الأوروبية.