أثناء دراستي لإدارة الأعمال اكتشفت مبدأ تكافؤ السلطة مع المسئولية، وهو يعنى ببساطة أن كل سلطة تقابلها مسئولية متكافئة معها، والسلطة بلا مسئولية ديكتاتورية واستبداد وفساد، ومسئولية بلا سلطة وضع للعربة أمام الحصان، وتقييد لليدين خلف الظهر. وأثناء دراستي للحقوق اكتشفت أن هذا المبدأ من المبادئ الأساسية للحياة الدستورية، ثم اكتشفت على ضوء ذلك أن أزمة النظام السياسى المصرى تتمثل فى أن رئيس الجمهورية يتمتع بكل السلطات والصلاحيات دون أدنى مسئولية من الناحية الواقعية، إذ أن المسئولية بوجه عام حال أَو صفة مَنْ يُسْأَلُ عن أَمْرٍ تقع عليه تبعَتُه، أى: ملزَم بعواقب أعماله، ورئيس الجمهورية لا يسأل عما يفعل وفقًا للدستور إلا من زاوية أن يكون هناك اتهام لرئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جناية، وقد اتفق دستور 2012م مع دستور 1971م فى أن يكون ذلك بناءً على طلب مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل، بخلاف دستور 2013م الذى اشترط أن يكون الطلب مقدمًا من الأغلبية ولا أدرى لماذا هذا التضييق غير المبرر؟ على الأقل، واتفقت الدساتير الثلاث على ألا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية الثلثين، وقد جعل المشرع الدستوري من مجلس الشعب سلطة اتهام وذلك دون ضمانة التحقيق والدفاع المكفولة للمتهم فى دستوري 1971م و2012م، وهذا ما أدركه دستور 2013م بتقييد صدور قرار الاتهام بالتحقيق الذى يجريه النائب العام أو من يحل محله حال وجود مانع مع رئيس الجمهورية، ومن خلال التحقيق يتبين ثبوت التهمة من عدمه، وقد أحال دستور 1971م تشكيل المحكمة وإجراءاتها والعقوبات المقررة إلى القانون الذى لم يصدر نتيجة ترأس مبارك لحزب الأغلبية الذى هيمن من خلاله على السلطة التشريعية، وقد تقدم دستور 2012 م خطوة عندما نص على تشكيل المحكمة، وتولى النائب العام الإدعاء أمامها، والواقع أن دستور 2013م قد خطا عدة خطوات فى الطريق الصحيح عندما أضاف إلى التهم التى يمكن أن توجه لرئيس الجمهورية تهمة انتهاك أحكام الدستور، إلى جانب الخيانة العظمى، والجنايات الأخرى، وأعطى النائب العام سلطة التحقيق، وتحريك الدعوى الجنائية بعد صدور قرار الاتهام بأغلبية الثلثين، وتولى الإدعاء أمام المحكمة، واعتبر أحكام المحكمة نهائية غير قابلة للطعن عليها، إلا أنه قد أحال تنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة إلى القانون الذى نأمل صدوره خاصة بعد اشتراط الدستور عدم تولى الرئيس لرئاسة أى من الأحزاب السياسية. كما أنه قد خطا خطوة فائقة عندما أعطى مجلس النواب الحق فى سحب الثقة من رئيس الجمهورية فى المادة 161 وهى مادة مستحدثة، حيث يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناءً على طلب مسبب من أغلبية الأعضاء وموافقة الثلثين، ويطرح ذلك فى استفتاء عام بدعوة من رئيس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية يعفى رئيس الجمهورية من منصبه، وتجرى انتخابات مبكرة. أما إذا كانت نتيجة الاستفتاء هى الرفض عد مجلس النواب منحلاً دستوريًا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد، وهذه المادة تعد ضمانة دستورية للتخلص من رئيس الجمهورية حال عدم رضاء الشعب عن أدائه، حتى حال عدم انتهاكه لأحكام الدستور، أو خيانته للوطن، أو ارتكابه لأي جريمة جنائية، وبذلك يمكن أن يتحقق مبدأ تكافؤ السلطة مع المسئولية على نحو يعيد التوازن إلى النظام السياسى المصرى بسلطاته الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتلك هى المقدمة الأولى لحياة ديمقراطية سليمة، من أجل ذلك سأصوت بنعم للدستور.