كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء, ومدي جواز محاكمة رموز النظام السابق أمام تلك المحكمة, واختلف الرأي في هذا الشأن. والثابت عن مطالعة الأحكام التشريعية في هذا الصدد ودراستها أن المشرع سبق أن نظم محاكمة رئيس الجمهورية بمقتضي أحكام القانون رقم (347) لسنة 1956م, ونظم محاكمة الوزراء ونوابهم بمقتضي أحكام قرار رئيس الجمهورية بقانون رقم (79) لسنة 1958م, وهي الأحكام التي قررت إنشاء محاكم خاصة لمحاكمتهم بتشكيل خاص وقواعد إجرائية خاصة في الاتهام والمحاكمة. وبصدور دستور مصر الدائم المعطل حاليا عام 1971 م, نجد أنه نص في المادة (85) منه علي أنه: يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي أو بارتكاب جريمة جنائية بناء علي اقتراح مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب علي الأقل, ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس. ويوقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولي نائب رئيس الجمهورية الرئاسة مؤقتا لحين الفصل في الاتهام. وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب, وإذا حكم بإدانته أعفي من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخري. ونص ذات الدستور في المادة (159) منه علي أنه: لرئيس الجمهورية ولمجلس الشعب حق إحالة الوزير إلي المحاكمة عما يقع منه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها. ويكون قرار مجلس الشعب باتهام الوزير بناء علي اقتراح يقدم من خمس أعضائه علي الأقل, ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس. ونص ذات الدستور أيضا في المادة (160) منه علي أنه: يوقف من يتهم من الوزراء عن عمله إلي أن يفصل في أمره, ولا يحول انتهاء خدمته دون إقامة الدعوي عليه أو الاستمرار فيها, وتكون محاكمة الوزير وإجراءات المحاكمة وضماناتها والعقاب علي الوجه المبين بالقانون. وتسري هذه الأحكام علي نواب الوزراء, غير أنه برغم وجود هذه النصوص في الدستور إلا أنه لم يصدر القانون الذي ينظم أيا من هاتين المحكمتين المشار إليهما حتي الآن إعمالا للأحكام الدستورية سالفة الذكر, الأمر الذي يثير التساؤل حول محاكمة رئيس الجمهورية وكذا الوزراء ونوابهم وكيفية ذلك وإجراءات المحاكمة, والمحكمة التي تختص بذلك والعقوبات التي توقع علي من تثبت إدانته من أولئك, وذلك في ظل النصوص والأحكام سالفة البيان. وقبل التعرض للإجابة عن هذا السؤال, سنتناول الأحكام الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية, وكذا الأحكام الخاصة بمحاكمة الوزراء ونوابهم. فقد أفرد المشرع في القانون رقم (347) لسنة 1956م المشار إليه نظاما خاصا لمحاكمة رئيس الجمهورية, سواء في إجراءات التحقيق أو المحاكمة, فالمادة الأولي من هذا القانون نظمت تشكيل المحكمة التي تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية, فنصت علي أن تشكل المحكمة من ستة مستشارين وستة برلمانيين من أعضاء مجلس الأمة (مجلس الشعب حاليا), علي أن تكون رئاسة هذه المحكمة لأقدم المستشارين. ويتم اختيار المستشارين (عدد 3) بطريق القرعة من بين مستشاري محكمة النقض و(عدد 3) من أقدم مستشاري الاستئناف, أما أعضاء مجلس الأمة يتم اختيارهم بطريق القرعة. ويقوم بوظيفة الاتهام أمام هذه المحكمة ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة ينتخبهم المجلس بالاقتراع السري بأغلبية الأعضاء, الذين يتكون منهم المجلس, بعد صدور قرار الاتهام, ويجوز أن يعاونهم محام عام يندبه النائب العام بناء علي طلب مجلس الأمة. وبالنسبة لمحاكمة الوزراء ونوابهم, فقد نظم المشرع محاكمتهم بموجب أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 79 لسنة 1958م, الذي نص في المادة الأولي منه علي أن: تتولي محاكمة الوزراء محكمة عليا تشكل من اثني عشر عضوا يختارون بطريق القرعة, ستة منهم من أعضاء مجلس الأمة, وستة من مستشاري محكمة النقض, ويختار بذات الطريقة عدد مساو من أعضاء مجلس الأمة والمستشارين بصفة احتياطية. وهذا التشكيل لهذه المحكمة يتطابق تماما مع التشكيل الذي قرره المشرع في القانون رقم 347 لسنة 1956م المشار إليه, للمحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية كما سلف البيان. ونظم المشرع في القرار بقانون رقم 79/1958م المشار إليه جهة الإدعاء أمام المحكمة الخاصة بمحاكمة الوزراء ونوابهم, فقرر في المادة الثالثة منه أن يقوم بوظيفة الإدعاء أمامها ثلاثة من أعضاء مجلس الأمة ينتخبهم المجلس بالاقتراع السري بأغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس, وذلك بعد صدور قرار الاتهام, ويجوز أن يعاونهم واحد أو أكثر من رجال النيابة العامة يندبه النائب العام بناء علي طلب مجلس الأمة. وخلاصة ما تقدم أن المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية وكذلك المحكمة الخاصة بمحاكمة الوزراء ونوابهم طبقا للتنظيم القانوني لهما سالف البيان والسابق علي دستور1971 م الحالي( المعطل) كان يجعل منهما صورا (نماذج) للقضاء الاستثنائي الذي دأب المشرع المصري علي ابتداعه بأشكال مختلفة, لافتقاد تلك المحاكم لمقومات وضمانات القضاء الطبيعي. وقد حدد المشرع الدستوري في الدستور الحالي الصادر سنة1971 م المعطل كيفية محاكمة رئيس الجمهورية, حيث قرر في المادة (85) منه سالفة الذكر أن تكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها والعقاب الذي تملك توقيعه في حالة الحكم بالإدانة. كما قرر في المادة رقم (160) منه, أن تكون محاكمة الوزراء ونوابهم وإجراءات هذه المحاكم وضماناتها والعقاب الذي يجوز توقيعه علي الوجه المبين بالقانون, غير أنه برغم وجود هذين النصين في الدستور الحالي, إلا أن المشرع لم يصدر القانون الذي ينظم محاكمة رئيس الجمهورية, أو الذي ينظم محاكمة الوزراء ونوابهم إعمالا لأحكام نصوص الدستور المشار إليها. وفي ظل هذا الفراغ التشريعي يثور التساؤل بشأن تحديد كيفية محاكمة رئيس الجمهورية وكذا محاكمة الوزراء ونوابهم؟ فيذهب رأي في هذا الصدد إلي أنه يتعين في هذه الحالة الرجوع إلي الأحكام السابقة علي الدستور التي تنظم ذلك, بالتالي تطبق أحكام القانون رقم 347 لسنة 1956م في شأن محاكمة رئيس الجمهورية, وتطبق أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 79 لسنة 1958م بشأن محاكمة الوزراء ونوابهم حتي تصدر التشريعات التي تنظم ذلك إعمالا لأحكام الدستور المشار إليها سلفا. ويذهب رأي آخر إلي أن القرار بقانون رقم 79/1958م المشار إليه قد صدر في زمن الوحدة بين مصر وسوريا, وأن النص الخاص بتشكيل المحكمة المشار إليها قد سقط بانتهاء الوحدة بين البلدين, وبالتالي فإن محاكم القانون العام تكون هي صاحبة الولاية العامة في محاكمة جميع المتهمين مهما كانت صفاتهم عن الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات, ولا يحول دون ذلك أن الدستور قد جعل محاكمة الوزراء عن الجرائم التي تقع منهم أثناء تأدية أعمال وظيفتهم أو بسببها, أمام محكمة خاصة. وطالما لم يصدر القانون الخاص بتشكيل وتنظيم المحكمة الخاصة بالوزارة ونوابهم طبقا للتفويض الذي خوله الدستور للمشرع في المادة 160 منه, وطالما لم يصدر قانون بتشكيل وتنظيم المحكمة التي تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية إعمالا لحكم المادة (85/3) من الدستور, سالفة الذكر, تكون محاكم القانون العام هي المختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء ونوابهم باعتبارها صاحبة الاختصاص العام والأصيل بذلك, وحتي يصدر القانون المشار إليه إعمالا لحكم الدستور, إذ أنه من غير المقبول استصحاب تشريع قديم في ظل دستور حديث لتطبيقه دون مبرر يقتضي ذلك أو سند لذلك من الدستور أو القانون, وعلي ذلك تكون المحكمة الخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية, وكذا المحكمة الخاصة بمحاكمة الوزراء ونوابهم, غير قائمة قانونا, فلا وجود قانوني لأي منهما, برغم مشروعية وجودهما دستوريا, وذلك أخذا في الاعتبار أن الدستور الدائم الصادر سنة 1971 م معطل ولم يلغي.