تنظم أحكام المسئولية الجنائية لرئيس الدولة فى مصر المادة (85) من الدستور المصري المعطل، وتخضع هذه المسئولية لأحكام القانون رقم 247 لسنة 1956م الصادر بشأن محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء حيث ينظم هذا القانون قواعد وإجراءات محاكمة رئيس الجمهورية من حيث شكل الهيئة التى تختص بالمحاكمة – وهى محكمة ذات وضع خاص من حيث التشكيل والإجراءات – وتتناسب مع طبيعة شخص المتهم الماثل أمامها أياً كانت طبيعة الجريمة التى يتهم بها حتى ولو كانت غير متعلقة بواجبات وظيفته، ولا يمثل أمام المحكمة العادية، كما يحدد القانون العقوبة التى يمكن توقيعها فى ارتكاب الرئيس لإحدى الجرائم الواردة به. ويخضع اتهام الوزراء لبعض القيود الواردة فى الدستور المعطل؛ فتنص الفقرة الأولى من المادة (159) من هذا الدستور على أنه "لرئيس الجمهورية ولمجلس الشعب حق إحالة الوزير إلى المحاكمة عما يقع منه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها، ويكون قرار مجلس الشعب باتهام الوزير بناء على اقتراح يقدم من خمس أعضائه على الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس". وتنص المادة (160) من ذات الدستور على أنه "يوقف من يتهم من الوزراء عن عمله إلى أن يفصل فى أمره، ولا يحول انتهاء خدمته دون إقامة الدعوى عليه أو الاستمرار فيها، وتكون محاكمة الوزير وإجراءات المحاكمة وضماناتها على الوجه المبين بالقانون، وتسرى هذه الأحكام على نواب الوزراء". وقد صدر قانون محاكمة الوزراء برقم 79 لسنة 1958م، وتنص المادة الأولى منه على أن "تتولى محاكمة الوزراء محكمة عليا تشكل من اثنى عشر عضواً ستة منهم من أعضاء مجلس الأمة يختارون بطريق القرعة وستة من مستشارى محكمة النقض ومحكمة التمييز يختار منهم بطريق القرعة مجلس القضاء الأعلى فى كل أقليم .ويختار بذات الطريقة عدد مساو من أعضاء مجلس الأمة و المستشارين بصفة احتياطية .وفى حالة غياب أحد الأعضاء الأصليين أو قيام مانع منه يحل محله أقدم الأعضاء الاحتياطيين اذا كان من المستشارين وأكبر الأعضاء سنا اذا كان من أعضاء مجلس الأمة .ويرأس المحكمة أعلى المستشارين فى الدرجة والأقدمية . ويتبين من الأحكام – سالفة البيان – أن المشرع يخول الوزراء حصانة خاصة تتمثل فى السلطة التى تملك إحالتهم للمحاكمة عن الجرائم التى يرتكبونها أثناء تأدية أعمال وظائفهم أو بسببها، كما تتمثل فى الهيئة التى تتولى محاكمتهم عن هذه الجرائم، وهذه الحصانة مقررة لمنصب الوزير بصفته وليس لشخصه. كما يتبين من نصوص المواد – سالفة الذكر – أنها تفرق بين الجرائم التى يرتكبها الوزير أثناء تأدية أعمال وظائفه أو بسببها، وتلك التى يرتكبها بوصفه فرداً عادياً دون أن يكون لها أى صلة بوظيفته، فهذه الأخيرة ينعقد الاختصاص بنظرها للسلطات ذات الولاية العامة إعمالاً للمبدأ الدستوري الذي يقضي بالمساواة بين المواطنين لدى القانون، أما الجرائم الأخرى التى يرتكبها الوزير أثناء قيامه بأعمال وظيفته أو بسببها سواء كانت من الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات أو كانت من الجرائم المنصوص عليها فى قانون محاكمة الوزراء، أو فى أى قانون آخر، فإن هذه الجرائم الأخيرة هى التى تقتضى – دون سواها – وضع إجراءات خاصة للاتهام تطبيقاً للمادتين (159، 160) من الدستور المعطل، فيعهد باتهام الوزير ومحاكمته إلى سلطات خاصة، وعلى مقتضى ذلك فإن محاكمة الوزراء وفقاً لقانون محاكمة الوزراء الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1958م تكون غير مقصورة على ما ورد فى هذا القانون من جرائم، وإنما تمتد – كذلك – إلى كل الجرائم المنصوص عليها فى قانون العقوبات وفى القوانين المكملة له ما دامت من الوزير أثناء تأدية وظيفته أو بسببها. وحول بيان المقصود بالوزراء الذين تتولى المحكمة المنصوص عليها فيه محاكمتهم – هل يسرى على الوزراء عامة ولو بعد انتهاء خدمتهم أم أن حكمها مقصور فحسب على الوزراء الذين يتولون مناصبهم فعلا دون من انتهت خدمتهم، فإن نص المادة الأولى من قانون محاكمة الوزراء الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1958 يسرى – فحسب – على الوزراء العاملين أثناء تولى مناصبهم، كما يسرى على الوزراء السابقين متى بدأت إجراءات اتهامهم ومحاكمتهم قبل ترك هذه المناصب بحيث تستمر هذه الإجراءات بعد ذلك تطبيقا لنص المادة 160 من الدستور المعطل. وعن كيفية تشكيل المحكمة التى تتولى محاكمة الوزراء بعد انفصال الاقليمين المصرى والسورى خاصة وأن تشكيلها كان مختلطاً من الجانبين، فقد قررت المحكمة الدستورية العليا بالجلسة العلنية المنعقدة 16 من أبريل سنة 1977م فى طلب التفسير المقيد بجدول المحكمة العليا برقم 1 لسنة 8 قضائية عليا، ما يلي: "من حيث إن اتحاد مصر وسوريا فى سنة 1958 فى دولة واحدة ترتب عليه نشوء دولة جديدة بأسم " الجمهورية العربية المتحدة"، وقد أفرد دستور سنة 1958 بابا قائما بذاته – هو الباب الخامس منه – عالج فيه أثر قيام الدولة الجديدة على التشريعات المعمول بها فى كل من الاقليمين فنص على أن " تبقى هذه التشريعات سارية المفعول فى النطاق الاقليمى المقرر لها عند إصدارها "، وقد أصدرت الدولة الجديدة العديد من التشريعات منها القانون رقم 79 لسنة 1958 الخاص بمحاكمة الوزراء، وفى سنة 1961 انفصل الاقليم السورى عن الدولة الجديدة التى بقيت بعد الانفصال تحمل " أسم الجمهورية العربية المتحدة" وفقا للمادة الأولى من دستور 1964، ولما كان انفصال جزء من اقليم الدولة عنها لايؤثر فى نفاذ القوانين السارية فيها – فإن انفصال الاقليم السورى فى عام 1961 عن الجهورية العربية المتحدة لا يؤثر فى أستمرار سريان القانون المشار إليه فى مصر بعد انفصال سوريا لأنه كان وما زال قانونا من قوانين " الجمهورية العربية المتحدة ". وإذ نصت المادة الأولى من القانون المشار إليه على تشكيل المحكمة المنوط بها محاكمة الوزراء من عنصر سياسى وعنصر قضائى يمثل كل عنصر منهما ستة أعضاء وكان العنصر القضائى أثناء الوحدة موزعا بالتساوى بين اقليمى الدولة فإن هذا العنصر يصبح بعد الانفصال مكونا من ستة من مستشارى محكمة النقض المصرية لا من ستة من مستشارى محكمة النقض والتمييز عملا بأحكام الميراث الدولى سالفة الذكر". وبناء علي كل ما تقدم فإن طلب اتهام وزير الداخلية المقدم في مجلس الشعب المصري بناء علي القانون رقم 247 لسنة 1956 الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء أضحي لا محل له لأن هذا القانون في الشق الخاص به والمتعلق بمحاكمة الوزراء ألغي بالقانون رقم 79 لسنة 1958 الذي نسخ بأحكامه القانون رقم 247 لسنة 1956، وبالتالي جاء طلب مجلس الشعب قائم علي قانون ملغي الأمر الذي يكون معه هذا الطلب لا محل له، ويستلزم الأمر إعادة الطلب مرة أخري ولكن بناء علي القانون رقم 79 لسنة 1958 الساري.