صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون رواية "ملاك غروزنى" للكاتبة آسنى سيرستاد. وتقوم المؤلفة بعرض سخى فى هذه الرواية الواقعية، لتفاصيل الأوضاع فى جمهورية الشيشان، منذ الساعات الأولى لاقتحام القوات الروسية لأراضيها عام 1994، وحتى أيامنا الحالية. فالكاتبة الصحفية والمراسلة الميدانية، قامت بزيارتها الأولى إلى هناك فى هذا الوقت بالذات، لتتكرر بعد ذلك مناسبات الزيارة، بحسب الأوضاع المتوترة والأحداث المتتالية التى شهدتها البلاد، والتى أفضت بالنهاية إلى كتابة هذه الرواية المليئة بالصور والتفاصيل المعبرّة عن المأساة الشيشانية بكل أوجه الحرب العنيفة فيها، من الدمار والخراب إلى آلاف القتلى وأعداد كبيرة من الجرحى، واليتامى المشردين والضائعين وغالبيتهم من الأولاد والأطفال. "بعد مضى أسبوع واحد أجد نفسى منبطحة فى أحد الخنادق، تُمزّق طلقات الرصاص أغصان الأشجار فوق رؤوسنا، وتكشط سطح المنحدر متسببة بتساقط شلال من الحجارة والأعشاب"، "طوال الوقت أخذت أفكر فى الماء واعتقدت أننى لن أقوى على أن أزحف مسافة أبعد من ذلك إن لم أحظ بشىء لأشربه". تسجل الكاتبة بطريقتها السردية الخاصة، تجربتها مع يوميات الحرب فى الشيشان، ومشاهداتها الميدانية الحية، كما سجلت اللقاءات التى أجرتها مع العديد من العائلات ومع المسئولين هناك، بما فيها مقابلة مطولة مع الرئيس الشيشانى "رمزان" الذى يمثّل التيار المسلم المعتدل للدولة فى مجابهة تيار إسلامى متشدد قريب من جماعة أسامة بن لادن. كما روت كيفية استمرارها ومواظبتها فى البحث الشجاع والمحفوف بالأخطار، عن حقيقة الوضع فى الشيشان من خلال معايشتها للناس وكتابة قصصهم التى تروى الواقع أو تعكسه أو تفضحه. وفى هذا السياق تروى قصة لقاءها ب "خديجة" التى نشأت فى دار أيتام سوفيتية فى غروزني، والتى باتت هى نفسها الآن تساعد اليتامى ضحايا الحرب، ففتحت بيتها وبيوت أصدقائها، لإيوائهم وإطعامهم، وإعطائهم فرصة آنية للعيش وسط جو عائلي، لأن مستقبلهم الفعلى يبقى غامضاً فى ظل الفقر والحرب وظروف البلاد الصعبة. يتعرّف القارئ فى هذه الرواية التى تبرز التعاطف الإنسانى وقيمة المفاهيم الإنسانية التى أخذت موقعها فى ظلمة أوضاع سياسية محبطة، بالإضافة إلى تفاعله مع القصص العديدة المؤثرة التى تتضمنها، ومع الأحداث المختلفة التى تشكّل محتواها، على حيثيات وسمات بلد إسلامى فى تناقضه مع الانتماء إلى روسيا المعاصرة، وفى صراعاته وحروبه واضطراباته التى لا تزال مستمرة.