سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاقتصاد المصرى يبحث عن هويته فى الدستور الجديد.. اقتصاديون: غياب الخبراء عن لجنة تعديل الدستور أحدث خللا فى باب المقومات الاقتصادية.. "التنمية المستدامة" لأول مرة أهم إيجابيات الدستور الجديد
نقلاً عن العدد اليومى على مدار ما يزيد على 60 يوما، دارت مناقشات وجلسات مطولة للجنة الخمسين والتى انتهت أخيرا من وضع ثانى دستور بعد ثورة 25 يناير، والذى عقد عليه المصريون آمالا عريضة لتحقيق مطالب الثورة فى العدالة الاجتماعية. وباعتبار الاقتصاد عنصرا أساسيا من مقومات الدولة، فقد جاء باب المقومات الاقتصادية فى 19 مادة كاملة، ولكن ما أسفرت عنه المسودة النهائية التى تسلمها رئيس الجمهورية دستور خال من الهوية الاقتصادية. ولعل عدم تحديد الهوية الاقتصادية فى الدستور كان أبرز ما انتقده خبراء الاقتصاد، مرجعين إياه لعدم وجود أى خبير اقتصادى ضمن أعضاء لجنة الخمسين لإعداد الدستور، وهذا لا ينفى وجود بعض الإيجابيات التى سعت لإقرار مبدأ العدالة الاجتماعية. وقال خبراء الاقتصاد إن المقومات الاقتصادية تحتاج لنصوص دستورية واضحة وحاسمة خالية من المصطلحات المطاطة وسوء الفهم والالتباس مع ضرورة احتوائها على رؤى اقتصادية عامة ملزمة التنفيذ. وبغض النظر عن طبيعة السلبيات أو الإيجابيات التى حواها باب المقومات الاقتصادية، فقد اقترح الخبراء ضرورة ترجمة مواد الدستور الاقتصادية حال إقراره فى برنامج تنفيذى تحت إشراف الجهات التنفيذية والحكومية بشكل عملى، حتى يمكن ترجمته على أرض الواقع، بما يسمح بتحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق معدلات تنمية متزايدة خلال الفترة المقبلة. فى هذا الملف نسعى للقراءة بشكل متأن لمواد الاقتصاد فى الدستور والتى لم تقتصر فقط على باب المقومات الاقتصادية، بل امتدت لتطال مواد الهيئات الرقابية، حيث تم اعتبار هيئة الرقابة المالية هيئة مستقلة بنص دستورى، وهو ما يمنحها الاستقلالية الأكبر فى أداء مهام عملها بما يخدم الاقتصاد القومى، وهو ما سنقرأه بالتفصيل. ◄النص على «التنمية المستدامة» لأول مرة أهم إيجابيات الدستور الحالى العيسوى: عدم وضوح الهوية الاقتصادية.. ولطفى: التعديلات تجاوزت بعض عيوب الدستور المعطل حول عدم وضوح الهوية الاقتصادية اتفق الخبراء، مؤكدين أن نفس هذه المشكلة تكررت بالدستور المعطل، مطالبين بالعمل بنظام السوق الحر الاجتماعى، الذى يجمع بين النظامين الاشتراكى والرأسمالى. الدكتور إبراهيم العيسوى الخبير الاقتصادى ومستشار معهد التخطيط القومى، قال إن فصل المقومات الاقتصادية رغم احتوائه بعض الملامح الإيجابية أهمها الحديث عن التنمية المستدامة والتى يتحدث عنها الدستور لأول مرة، إلا أنه لم يحدد النظام الاقتصادى بشكل واضح هل هو اشتراكى أم رأسمالى أم اقتصاد سوق حر، لافتا إلى أنه كان من المقترح أن يقوم النظام الاقتصادى على الحرية الاقتصادية الاجتماعية ولكن لم يتم الأخذ بهذا الاقتراح. ويؤكد العيسوى أن تحديد الدستور لنوعية الاقتصاد وآليات السوق ضرورة حتى لا يترك للسياسات المتخبطة للحكومات، آملا أن يكون الاقتصاد حرا يعمل طبقاً لآليات العرض والطلب، وأن يكون وسطيا يجمع بين النظامين الشمولى «الاشتراكى» و«الرأسمالى»، بحيث يكون دور الدولة رقابيا وسوقا حرة بضوابط وتوازن بين حق الفرد وحق المجتمع ومراعاة الفقراء. وانتقد المادة 34 من الدستور التى تنص على إمكانية نزع الملكية للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقا للقانون، موضحا أن كلمة «تعويض عادل» مطاطة وتحتمل أكثر من تفسير، لافتا إلى أنه كان يمكن أن يجعلها أكثر تحديدا فى حالة ذكر أن التعويض يكون بسعر المتر على سبيل المثال. واعترض العيسوى على عدم وجود نص فى الدستور بضرورة مناقشة مجلس الشعب الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، باعتبارها مكملة للموازنة العامة للدولة ويبنى عليها كافة المشروعات التى سيتم تنفيذها. وأوضح أن هذا الخلل الواضح فى صياغة المواد الاقتصادية بالدستور الجديد سببه الأول هو عدم وجود اقتصاديين أو أحد يمثل الاقتصاد القانونى فى لجنة الخمسين، التى وضعت هذه المواد، حتى يكون هناك دفاع وشرح أكثر للمواد الاقتصادية. من جانبه، أكد الدكتور على لطفى رئيس وزراء مصر الأسبق أن التعديلات الدستورية كانت تحتاج لتحديد نوعية وهوية النظام الاقتصادى فى الدستور، ويرى أن أفضل الأنظمة لمصر هو الاقتصاد الحر الاجتماعى، بمعنى أن يقوم الاقتصاد على القطاع الخاص والمنافسة. وأضاف لطفى أن التعديلات غيرت كثيرا من المواد فى الدستور المعطل مثل إلغاء ربط الأجر بالإنتاج لأنه من الصعب تحقيق ذلك، خاصة فى الأجهزة الخدمية وترك ذلك لكل مؤسسة وهيئة ووزارة وشركة لتحقيق المساواة بين العاملين. أيده فى الرأى الدكتور سلطان أبوعلى وزير الاقتصاد الأسبق، مؤكدا أن مواد الدستور وتعديلاته ليست هى آخر المطاف وتحقيق الآمال لكل مواطن لأن العبرة بتفعيلها عن طريق سن مجموعة من التشريعات والقوانين التى تحدد العوامل والحوافز والامتيازات التى تساعد وتسهل تنفيذ النصوص الجامدة والقوانين التى تفسرها. ويرى أبوعلى أن أنواع الملكية الثلاثة التى ذكرتها التعديلات الدستورية فى المادة «28» من ملكية عامة وتعاونية وخاصة تحتاج إلى النوع الرابع من الملكية التى نص عليها الدستور المعطل وهى ملكية الوقف الخيرى، موضحا أن هذه الملكية يجب الاهتمام بها لأنها مفيدة لتحويل الأنشطة الاجتماعية من رعاية الأسر الفقيرة والتعليم والصحة بإقامة المدارس والمستشفيات وغيرها من الأنشطة الخيرية بشرط أن تكون تحت رقابة الحكومة. من جانبها، انتقدت الدكتورة عالية المهدى عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا، المواد الاقتصادية فى مسودة الدستور المصرى الجديد قائلة: «لا أرى بهذه المسودة أية مقومات اقتصادية»، موضحة أن الدستور لم يحدد النظام الاقتصادى للدولة بشكل صريح ولم يحدد هل ستكون الدولة ممثلة فى القطاع الحكومى وقطاع الأعمال هى الراعية للاقتصاد أم سيترك الأمر للقطاع الخاص بشكل أساسى. وفى جانب تطبيق العدالة الاجتماعية قالت المهدى إن الدستور لم يعكس تعريفا محددا هل تطبيق العدالة يشمل خلق فرص عمل فى القطاع الحكومى أم يشمل توفير إسكان جيد للمواطنين، مشددة على ضرورة وجود برنامج اقتصادى محدد. ◄ الضرائب التصاعدية فى الدستور بين حلم العدالة وواقع التطبيق خبراء: مادة الضرائب تقر واقعا فعليا مطبقا منذ سنوات رغم محاولة لجنة الخمسين تدارك الانتقادات الحادة التى وجهت إليها بالنص على نوع الضريبة «تصاعدية» فى الدستور، وذلك من خلال قصرها على الأفراد، فإن الخبراء عارضوا إصرار اللجنة على تحديد نوع الضريبة، مما يقيد يد المشرع الضريبى فيما بعد. وقال الدكتور رمضان صديق، عميد كلية الحقوق بجامعة حلوان السابق، وأستاذ المالية العامة المتخصص فى التشريع الضريبى: إن مشكلة المادة مازالت موجودة رغم التعديل، وهو التضييق على المشرع الضريبى، مما يجعل السياسة الضريبية غير مرنة. وأوضح صديق أن تصاعدية الضريبة على الأفراد مطبقة بالفعل منذ عام 1978 وحتى الآن، وهو ما لا يتطلب تعديلات أو نصوصا دستورية لأنها مطبقة فعليا. وأشار صديق إلى أن قصر تصاعدية الضريبة فى الدستور على الأفراد، تعنى تطبيقها بالنسبة لضريبة الدخل، وهو المطبق بالفعل، وأيضاً بالنسبة للضريبة العقارية، لأن المالك هو من يتحملها، وهو ما يتطلب تعديلات على قانون الضرائب العقارية فى حالة إقرار الدستور نهائيا بالاستفتاء الشعبى عليه، لعمل شرائح متصاعدة للضريبة العقارية. أما بالنسبة لضرائب المبيعات والدمغة، فأضاف أستاذ المالية العامة، أنها بعيدة تماما عن النص الدستورى لأنها لا تطبق على الأفراد. واتفق معه فى الرأى الدكتور محمد عباس، أستاذ المحاسبة الضريبية بتجارة الإسكندرية، موضحا أن لجنة الخمسين لتعديل الدستور أقرت شيئاً مطبقاً على أرض الواقع، وهو تصاعدية الضريبة على الدستور، فى الوقت الذى يجب ألا يتضمن الدستور مثل هذه التفاصيل. وأضاف عباس، أن النظام الضريبى يعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهى تتغير من لحظة لأخرى، وهو ما يمكن ترجمته بتعديل القانون، وليس بنص دستورى يقيد المشرع الضريبى. وأكد عباس، أن ضرائب الدمغة والمبيعات مستبعدة تماما من هذا النص، لأنها لا تطبق على الأفراد، مشيرا إلى أن صياغة المادة غير منضبطة. من جانبها، أوضحت الدكتورة ماجدة شلبى، رئيس قسم الاقتصاد والمالية العامة بحقوق الزقازيق، أن الدستور المفترض أن يضع الأسس والمبادئ والقوانين، ولكن ما حدث عكس هذا. وقالت ماجدة شلبى: إنه فى ظل حالة الركود الاقتصادى التى نعانى منها الآن، لا يجب الحديث من الأساس عن ضرائب تصاعدية حتى لا تؤدى للانكماش، وهى السياسة المعلنة بالفعل من وزير المالية. وأضافت أن الدستور أقر أمرا واقعا بالفعل، وهو الضريبة التصاعدية على الأفراد، لافتا إلى ضرورة عدم إجراء أى تعديلات جديدة على الشرائح الحالية أو إقرار أى زيادات ضريبية، والاكتفاء بالشرائح الموجودة حاليا، حتى لا يتضرر الاقتصاد. الدكتور أحمد شوقى، رئيس جمعية الضرائب المصرية، أبدى رضاءه عن التعديل الأخير على المادة بقصر النظام التصاعدى على الأفراد، لافتا إلى أنه فى حالة بقاء المادة على سابق صياغتها الأولى، لكان من الممكن الطعن على قانون الضرائب الحالى بعدم الدستورية. وأوضح شوقى أنه لم يكن من الضرورى النص على نوع الضريبة فى الدستور، وهذا لا يعنى معارضة الخبراء للضريبة التصاعدية، ولكن من المعروف أن أى نظام ضريبى يخضع لطبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تمر بها أى دولة، وبالتالى من الجائز تعديل النظام الضريبى عند الحاجة، وهو ما يتطلب مرونة تشريعية لا يمنحها النص الدستورى الحالى. ◄ رئيس «الرقابة المالية»: استقلالية الهيئة فى الدستور ترفع تصنيف مصر الرقابى عالمياً قال شريف سامى، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن وضع الهيئة ضمن الهيئات المستقلة بالدستور سيدعم استقلاليتها من التدخل الإدارى فى عملها. وأكد ل«اليوم السابع» أن تحصين الجهات الرقابية، منها البنك المركزى، سيؤدى إلى رفع تقييم مصر ومكانتها بين الدول، مشيرا إلى أن الدستور الجديد يعد من أحد الدساتير القليلة فى العالم التى تناولت دور الجهات الرقابية على الأسواق المالية، وهو ما يمنح مصر مكانة أعلى نسبيا عند تقييم سلامة أسواقها المالية ومدى جودة الإشراف عليها، وتنظيمها، ويتيح لمصر الحصول على أعلى الدرجات فى التصنيف الرقابى. وقال محمد ماهر الرئيس التنفيذى لشركة برايم القابضة لتداول الأوراق المالية، إن التصويت على ضم هيئة الرقابة المالية ضمن الهيئات المستقلة بالدستور يمثل قرارا جيدا.