أكسيوس: مسؤول أمريكي يؤكد أن المحادثات بين لبنان وإسرائيل تهدف لتجنب الحرب    قناة دي فيلت: إذا لم تجد أوكرانيا المال لتغطية عجز الميزانية فستواجه الانهيار الحقيقي    اليوم، آخر فرصة لسداد رسوم برامج حج الجمعيات الأهلية 2025 بعد مدها أسبوعا    دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف    اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر    في جولة محطة العبادلة بالقليوبية.. فودة يشدد على التشغيل القياسي وتعزيز خطط الصيانة    الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    وزير الخارجية الفنزويلي: استقبلنا رحلات جوية حملت مواطنين مرحلين من الولايات المتحدة والمكسيك    وسائل إعلام: ماكرون سيعلن عن تعديلات على العقيدة النووية الفرنسية مطلع العام القادم    د. خالد سعيد يكتب: إسرائيل بين العقيدة العسكرية الدموية وتوصيات الجنرال «الباكي»    موعد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    بالمستند.. أكاديمية المعلم تقرر مد موعد المتقدمين لإعادة التعيين كمعلم ل31 ديسمبر    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    أحمد مراد: رؤية فيلم "الست" تناسب جيل "زد" الذي لم يعش زمن أم كلثوم    منى زكي: فيلم "الست" أصعب أدواري على الإطلاق وتجسيد الشخصية أكبر من أي ممثلة    One Circle يطلق مرحلة جديدة لتطوير الاقتصاد الدائري بقطاع الاتصالات    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    نجاح جراحة دقيقة لمريض يعاني أعراضًا تشبه الجلطة في الجانب الأيسر    لا خوف من الفيروسات.. الصحة توضح سبب شدة الأعراض في هذا الموسم    أستاذة بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية تكشف أفضل أساليب الطهي للحفاظ على جودة اللحوم    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    وصول جثمان السباح يوسف محمد لمسجد الكريم ببورسعيد لأداء صلاة الجنازة.. فيديو    أكسيوس: إسرائيل تحذر من استئناف الحرب في حال استمرار تسلح حزب الله    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    استشهاد 5 فلسطينيين في غارات الاحتلال على خيام النازحين في خان يونس    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    خبر في الجول - انتهاء مهلة عبد الحميد معالي ل الزمالك في "فيفا" ويحق له فسخ التعاقد    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    تواصل عمليات البحث عن 3 صغار بعد العثور على جثامين الأب وشقيقتهم في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    محافظة الجيزة يتفقد أعمال إصلاح الكسر المفاجئ لخط المياه الرئيسي بشارع ربيع الجيزي    القانون يحدد عقوبة صيد المراكب الأجنبية في المياه الإقليمية.. تعرف عليها    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    النيابة الإدارية يعلن فتح باب التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية لخريجي دفعة 2024    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    هجوم روسي على كييف: أصوات انفجارات ورئيس الإدارة العسكرية يحذر السكان    بيراميدز يتلقى إخطارًا جديدًا بشأن موعد انضمام ماييلي لمنتخب الكونغو    الإسكان تحدد مواعيد تقنين الأراضى بمدينة العبور الجديدة الإثنين المقبل    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    أهلي بنغازي يتهم 3 مسؤولين في فوضى تأجيل نهائي كأس ليبيا باستاد القاهرة    استئناف المتهمة في واقعة دهس «طفل الجت سكي» بالساحل الشمالي.. اليوم    بالأسماء.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ب بني سويف    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زواج الكورة والسلطة.. (الحلقة الأولى )
نشر في اليوم السابع يوم 20 - 09 - 2009

*الفريق فوزى يأمر بالقبض على الضظوى وإحالته لمحاكمة عسكرية بعد هزيمة يونيو 67
*المشير عامر ظل رئيساً لاتحاد الكرة حتى النكسة وعين الفريق مرتجى رئيساً للأهلى والفريق سليمان عزت رئيساً للأوليمبى وصالح سليم موظفاً بهيئة القناة.
*الصحف هاجمت مدرب المنتخب لضياع كأس فلسطين فقال: قبل أن تحاسبونى على ضياع كأس فلسطين حاسبوا الذين أضاعوا فلسطين كلها.
*المشير قال للمدرب بين الشوطين: عايز قتال ونضال فى الملعب عايز "حرب" فطلب المدرب من اللاعب "حرب" أن ينزل الملعب!
*توظيف الكرة بدأ فى العهد الملكى والباشوات تولوا رئاسة الأندية والاتحادات.
*عثمان أحمد عثمان عين الضظوى بشركة المقاولات بعد فصله من الجيش.
* الأسرة الملكية توارثت اسم نادى الزمالك من نادى فؤاد الأول إلى نادى فاروق.
لم يكن الكابتن "سيد الضظوى" مسئولاً عن هزيمة الجيش المصرى فى حرب يونيو 67. ورغم ذلك فقد أصدر وزير الحربية أمراً باعتقاله وإحالته لمحاكمة عسكرية.
أما القصة فقد كان الضظوى ساحر الكرة فى زمانه يجلس على المقهى الذى اعتاد التردد عليه ومجموعة من أصدقائه فى بورسعيد وفى ظهيرة ذات يوم شديد الحرارة من أيام شهر يونيو عام 67 حين جاءت سيارة جيب عسكرية وتوقفت فجأة أمام المقهى، وقفز منها ستة جنود، توجهوا مباشرة إلى حيث يجلس الضظوى، وحمله اثنان منهم من تحت إبطيه، واقتاداه إلى داخل السيارة التى انطلقت إلى القاهرة دون كلمة واحدة!
لم يستغرق المشهد ثلاث دقائق، وفى السيارة سأل الضظوى الضابط المصاحب لقوة الشرطة العسكرية: ممكن أعرف أنا رايح فين؟ فقال الضابط إنه يحمل أمراً باعتقاله وتسليمه إلى مكتب وزير الحربية.
بعد ثلاث ساعات كان سيد الضظوى يقف أمام مكتب الفريق أول "محمد فوزى" المعروف بعسكريته الصارمة والذى تولى منصبه قبل أسابيع قليلة، وكان مكلفاً من قبل جمال عبد الناصر بإعادة بناء القوات المسلحة.
وبعد أن أدى الضظوى التحية العسكرية وقال تمام يا فندم. قال له الفريق فوزى: أنت محال إلى محاكمة عسكرية يا أفندى.
تساءل الضظوى فى براءة وهو يرتعد: ليه يا فندم أنا عملت إيه؟
قال له وزير الحربية شاخطاً: أنت مش عارف عملت إيه روح بص فى المرايا إللى هناك وأنت تعرف.
اتجه الضظوى إلى مكان المرآة المعلقة فوق حائط بجوار شماعة ثم عاد وقال: مش شايف حاجة يا فندم!
رد الفريق فوزى بنبرة أكثر خشونة وغلظة: أنت لسة بتلبس البدلة الميرى يا أفندى رغم أنك مفصول من القوات المسلحة؟ أنت عارف لبس البدلة العسكرية لضابط مفصول معناه إيه؟ أنك نصاب ومحال لمحاكمة عسكرية.
رد الضظوى مستعطفاًً ومندهشاً ومرتعداً: مفصول؟ إمتى يا فندم . والله العظيم ما اعرف يا معالى الوزير إنى اتفصلت ما حدش بلغنى بقرار الفصل.
رد الوزير: أنت ما بتقراش جرايد؟
لا يا فندم من يوم الكرة ما توقفت ما بقراش جرايد.
وهنا ضغط الفريق فوزى على زرار وسأل مدير مكتبه عن قرار فصل الملازم أول سيد الضظوى من القوات المسلحة، وعلم أن خطاب الفصل تم إرساله على عنوان اللاعب فى النادى الأهلى!
قال الضظوى:
يا فندم أنا مقيم فى بورسعيد ولا أذهب للنادى الأهلى إلا قليلاً!
وهنا أمر الفريق فوزى بتسليمه صورة كربونية من قرار الفصل قبل أن يشخط فيه آمراً: تخرج من هنا تقلع البدلة العسكرية وما تحطهاش على جسمك تانى وإلا هتدخل السجن، ثم ارتفع صوته وهو يقول! مفهوم؟
رد الضظوى بسرعة ومفاصله ترتعد: مفهوم.. مفهوم يا معالى الوزير سمعاً وطاعة.
قبل انصراف الضظوى من مكتب الوزير عاد ليسأل:
- ماذا بشأن المعاش يا فندم؟
رد الفريد فوزى:
معاش.. معاش إيه؟ أنت بتهرج.
هو أنت حاربت فى الجبهة؟ أنت مسكت بندقية فى حياتك؟! معاشك تأخذه من اتحاد الكرة مش من القوات المسلحة.. انصراف!
خرج الضظوى من مكتب الوزير واتجه إلى بيت صديقه حنفى بسطان بجوار نادى الزمالك بمنطقة ميت عقبة.
وبادره حنفى:
يخرب بيتك.. أنت لسة بتلبس البدلة الميرى، أنت ما تعرفش أننا اترفدنا من الجيش!
قال الضظوى ما أنا جاى عشان أقلع البدلة عندك.. وروى القصة، فأحضر له حنفى بسطان قميصاً وبنطلوناً!
وعاش الضظوى بعدها شهوراً عصيبة ولم يكن قادراً على الإنفاق على أولاده حتى نصحه أحد أصدقائه بالذهاب إلى رئيس النادى الإسماعيلى المهندس عثمان أحمد عثمان.
- خير يا كاتبن ضظوى. إزيك وإزى أولادك.
لم ينطق الضظوى وظل صامتاً.
عاد عثمان أحمد عثمان يتكلم ليقطع حاجز الصمت:
- أنا رأيى أنت أحرف لاعب كرة أنجبته مصر منذ خمسين سنة، من يوم ما تفتح وعيى على كرة القدم.. ولم ينطق الضظوى وكان يطرق برأسه إلى الأرض!
- قل لى يا ضظوى واسمح لى فى السؤال واعتبرنى أخوك الكبير، أنت عايش إزاى وبتصرف على أولادك منين!
- ولم يرد الضظوى لكنه أجهش فى البكاء وأخرج منديلاً من جيبه ودس فيه وجهه وهنا نهض عثمان أحمد عثمان من كرسيه وراح يربت على كتفه ويقول: يا ضظوى أنت بطل وخدمت مصر وآن الأوان لأن تفيك مصر حقك، وأنت الآن موظف فى "المقاولون العرب".
قال الضظوى: لكنى بطلت كورة ولن أفيد الشركة فى شىء!
قال له عثمان: أنت قدمت لمصر الكثير.. وآن للشركة أن ترد لك اعتبارك.. ثم دس فى جيبه مظروفاً.
كان هذا المشهد هو فصل الختام فى قصة زواج السلطة بكرة القدم قبل هزيمة يونيو 67، كان مشهد الطلاق والانفصال بعد زواج دام سنوات عديدة.
فحين وقعت النكسة، دخلت كرة القدم ثورة الاتهام، لأنها شغلت المشير عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عن مهمته الأساسية، وقد كان المشير مولعاً بكرة القدم لدرجة أنه وضعها تحت رعايته الخاصة، حين تولى رسمياً رئاسة الاتحاد المصرى لكرة القدم يوم 10 فبراير عام 1958 وحين وقعت النكسة كان هناك أكثر من ثلاثين لاعباً لكرة القدم يرتدون البدل العسكرية برتبة ملازم أول أو نقيب.
كان المشير يصدر قرارات بتكليفهم فى اتحاد الجيش الرياضى على سبيل المكافأة كى يحصلوا على رواتب تؤمن لهم حياة كريمة، وفى ذات الوقت كى يتسنى لهم المشاركة فى بطولات العالم العسكرية لكرة القدم.
وكان التكليف فى القوات المسلحة للاعبى الكرة وحصولهم على رتب عسكرية أعظم مكافأة يتطلع إليها نجوم الكرة فى ذاك الزمان. لأن بعضهم لم يكملوا تعليمهم، وبعضهم كانوا فقراء، وكان التكليف فى الجيش يؤمن لهم مظلة اجتماعية.
لم يكن الضظوى الوحيد الذى شمله قرار الفصل الذى طال جميع نجوم الخمسينيات والستينيات: صالح سليم ورفعت الفناجيلى وطارق سليم والشاذلى ومصطفى رياض وعبده نصحى وسمير قطب وخورشيد وفؤاد مرسى ويكن حسين ورأفت عطية وعصام بهيج وحنفى بسطان.
لكن قرارات الفصل لم تشمل "ضباط الشرف" فى القوات المسلحة وحدهم. وإنما شمل أيضاً الضباط النظاميين من الرياضيين مثل العميد على قنديل الحكم المصرى الذى شارك فى تحكيم مونديال لندن عام 1966 والذى تولى بعد تسريحه من القوات المسلحة منصب مدير عام النادى الأهلى بتكليف من الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجى قائد القوات البرية أثناء حرب يونيو ورئيس النادى الأهلى.
وكان منهم أيضاً العميد حسين مدكور المعلق الرياضى والعميد حسين لبيب الذى عمل بعد ذلك مديراً لنادى الزمالك. ثم خرج بعد ذلك اللواء على زيوار وعدد كبير من الرياضيين الضباط.
وحين وقعت النكسة توقفت كرة القدم تماماً ولم تعد هناك مباريات للدورى العام وكأس مصر لمدة أربع سنوات وكان موقف الكرة هو رد الفعل العكسى والعنيف لتداعيات زواج السلطة والكرة والذى انتهى بكارثة قومية.
كانت إدارة كرة القدم فى عهد المشير عبد لحكيم عامر، شبه عسكرية من حيث الضبط والربط، وكان تكليف نجوم الكرة كضباط شرف نوعاً من التجنيد.. تجنيد الكرة لخدمة أهداف الثورة القومية، فهكذا كانت الرياضة دوماً تستخدم كمادة سياسية، ولم يكن هذا الاستخدام اختراعاً مصرياً ولا اختراعاً ثورياً، نسبة إلى ثورة 23 يوليو. لكنه كان اختراعاً دولياً، حيث وضعت الرياضة فى خدمة الأيدلوجيات السياسية عن النازية أيام حكم هتلر إلى الشيوعية والماركسية اللينينية والماوية، إلى النظم الرأسمالية والإمبريالية العالمية وتلك قصة أخرى!
وقد حظيت كرة القدم على وجه الخصوص بجانب كبير من اهتمام النظم السياسية، لأنها لعبة شعبية تعشقها الشعوب وتستولى على مشاعر الجماهير.. تلك "الجماهير" التى كان الوصول إليها وترويضها واستقطابها، هدفاً لكل النظم السياسية على مر العصور.
كرة القدم كانت هى الجسر الآمن والطريق السريع للوصول إلى الجماهير العريضة والسيطرة على الكرة يعنى السيطرة على الجماهير من خلال محاكاة اهتماماتها.. وثقافتها إذا لزم الأمر!
وقد وصف أديب أرجنتينى كرة القدم بانا "أفيون الشعوب". وقال إن الشعب الأرجنتيى لم يشعر باغتيال مناضل العصر تشى جيفارا على أيدى الإمبريالية، لأنه كان مشغولاً بحدث أكبر يوم اغتياله وهو مباراة لكرة القدم.
وخلال تلك السنوات التى تولى فيها المشير عبد الحكيم عامر شئون كرة القدم المصرية عاش لاعبو الستينات عصراً ذهبياً من حيث الامتيازات والتسهيلات، فهو الذى عين صالح سليم موظفاً بهيئة قناة السويس حين اصطحبه العميد "على زيوار" وكان مديراً للكرة بالأهلى عام 65 إلى مكتب المشير الذى اتصل بالمهندس محمود يونس لتعيين "المايسترو" وقال له مصر ليس فيها سوى مايسترو واحد لكرة القدم!
وهو الذى عين أيضاً طارق سليم طياراً بشركة مصر للطيران، وقد تعرض طارق سليم لاضطهاد عقب وفاة المشير، وتم فصله من مصر للطيران وتطلب إعادته لوظيفته إجراءات صعبة لمجرد أنه عين بتوجيه من المشير عامر الذى كان يحظى بنجوم الكرة.
والمشير عامر، رغم زملكاويته التى لم يكن يخفيها، لدرجة أنه عين شقيقه المهندس حسن عامر رئيساً لنادى الزمالك لم يكن يكره الأهلى فهو الذى أقنع الفريق عبد المحسن كامل مرتجى بتولى رئاسة النادى الأهلى، وكلفه بمهمة إنقاذه بعدما تراجعت نتائجه وتدهور حاله وفقد بطولة الدورى لمدة خمس سنوات متتالية منذ عام 1962!
ويوم صدور قرار تعيينه اصطحب المشير عبد الحكيم عامر الفريق مرتجى فى سيارته الخاصة إلى بيته فى الهرم لتناول الغداء معه، وفى الطريق توقفت السيارة أمام النادى الأهلى وقال المشير: إن هذا النادى يمثل رمزاً وطنياً لثورة 23 يوليو، فقد تأسس فى مواجهة الأندية البريطانية، ونريده أن يظل رمزاً وطنياً.
كان المشير يعلم أن النادى الأهلى يحظى باهتمام خاص من قبل الزعيم جمال عبد الناصر، نظراً لتاريخه الوطنى من جهة وشعبيته الكاسحة من جهة أخرى! وهناك سبب ثالث. هو أن زملكاوية المشير عامر، واستيلاء الزملكاوية على مقاليد الأمور فى اتحاد الكرة، خرقت حياده المفترض كرئيس للمؤسسة الكروية وأقلقت الرئيس جمال عبد الناصر على النادى الأهلى ولهذا سعى المشير حثيثاً لكى يستعيد الأهلى أمجاده وأمر "على زيوار" مدير الكرة بالأهلى آنذاك باستخدام اتحاد الجيش الرياضى كمعسكر وأتم لفريق النادى الأهلى حتى يستعيد مكانة الكرة المصرية، وقد كان الأهلى يحتل المركز العاشر وقتها، وتقدم للمركز الثانى بعد تكليف الفريق مرتجى برئاسته، ثم فاز بكأس مصر عام 66 بعد أربع سنوات عجاف!
كانت الثورة حريصة على الأندية ذات الشعبية، وقد غيرت اسم نادى "فاروق" إلى نادى الزمالك، لأنه كان رمزاً للحقيبة الملكية التى توارثت اسمه من نادى فؤاد إلى نادى فاروق.
لكن زواج الثورة بالكرة كان امتداداً لزمن طويل سيطرت فيه السلطة على كرة القدم فى العهد الملكى من خلال سيطرة رموز الأسرة الحاكمة الملكية على المؤسسات الرياضية منذ مطلع القرن العشرين، وحتى قيام الثورة.
فالأمير "عمر طوسون" ظل رئيساً للجنة الأوليمبية المصرية منذ تأسيسها عام 1910 وحتى تولى رئاستها محسن طاهر باشا ابن عم الملك فؤاد وحتى قيام الثورة.
وجفعر والى باشا كان رئيساً لأول اتحاد لكرة القدم تأسس عام 1925 وحتى عام 1933 حين تولى رئاسة الاتحاد حسين صبرى باشا ولمدة 8 سنوات حين جاء محمد حيدر باشا وجاء مع حسن رفعت باشا ومحمد شاكر باشا وكيلان وحتى قيام الثورة حين انتهت حقبة الباشاوات وسيطرة الأسرة الحاكمة الملكية على اتحاد الكرة وجاء المهندس عبد العزيز سالم رئيساً للاتحاد فى النادى الأهلى أيضاً، كان جعفر والى باشا رئيساً لسنوات طويلة ثم جاء أحمد حسنين باشا، ثم أحمد عبده باشا.
وفى نادى فؤاد الذى تغير بعد وفاة الملك إلى فاروق، كان محمد حيدر باشا رئيساً، وفى وقت من الأوقات كانت الاتحادات الرياضية خاضعة لنفوذ الأسرة المالكة وكان الملك فؤاد رئيساً فخرياً، لاتحاد السباحة، وعدد من الباشاوات رؤساء لاتحادات أخرى!
وكان الملك فاروق حريصاً على حضور نهائى كأس مصر التى كانت تحمل اسمه، وفى إحدى النهائيات تقدم الزمالك فى مرمى النادى الأهلى وكان يجلس على مقربة من الملك رئيس نادى الزمالك قريبه الفريق محمد حيدر باشا، وزير الحربية الذى تورط فيما بعد فى صفقة الأسلحة الفاسدة والتى أدت إلى هزيمة جيوش العرب فى حرب 48 وكان يجلس أيضاً أحمد حسنين باشا أمين عام القصر الملكى ورئيس مجلس الوصايا على العرش ورئيس النادى الأهلى، فتهكم الملك على حسنين باشا بعد دخول الهدف فقال الأخير غاضباً: العبرة بنهاية المباراة يا جلالة الملك!
لكن فؤاد باشا سراج الدين وكيل النادى الأهلى قال مخفضاً وطأة التحدى على الملك: إن الأهلى سمح بدخول هذا الهدف فى مرماه على سبيل التحية لجلالتكم!
فنظر الملك إلى حسنين باشا قائلا:
تعلم من فؤاد باشا كيف تكون دبلوماسيا.
والملاحظة اللافتة للنظر أن رئيس الزمالك ابن عم الملك وهو حيدر باشا ورئيس الأهلى هو أمين عام الديوان الملكى وهو أحمد حسنين باشا ورئيس اتحاد الكرة، هو جعفر والى باشا.. حتى كأس مصر كانت تحمل اسم الملك فاروق!
وفى هذه المباراة أصيب "محمد الجندى" لاعب الأهلى بكسر فى ساقه تطلب نقله لمستشفى الأنجلو المجاور للنادى الأهلى.. وفقاً للإجراءات، أدخل قسم الحوادث، واقتضت الإجراءات إبلاغ قسم الشرطة وتحرير محضر بالحادث الذى أدى إلى إصابة محمد الجندى، وجاء الجاويش وفتح محضراًَ.
س: من الذى كسر ساقك؟
ج: شريف الفار.
س: أين وقع الحادث؟
ج: فى ملعب نادى الأهلى!
س: هل عندك شهود؟
ج: أيوة، جمهور المباراة؟
س: حدد شاهداً بالاسم؟
هنا أصيب الجندى بالضجر وكان يمتلك روح دعابة فقال:
أيوى عندى.. الملك.. الملك فاروق الأول!
أصيب الشاويش بالذعر ونهض لينصرف لكن الجندى استوقفه وقال: أنا بقى مصمم على استكمال المحضر واستدعاء الشاهد وراح الجاويش يرجوه ويحاول إقناعه بأنه سوف يستكمل المحضر بمعرفته، وهكذا كانت السلطة قرينة بكرة القدم، وكان هذا الواقع مناخاً لصناعة الفكاهة!
وخلال الستينات وفى إحدى المباريات التى كان يحضرها المشير تقدمت اليونان على مصر بهدف فى الشوط الأول ونزل المشير عامر غاضباً إلى حجرة الملابس وتحدث مع اللاعبين وطالبهم بالاستماتة فى الملعب كى يفوزوا بالمباراة، وقال أريد نضالاً وكفاحاً فى الملعب! والتفت إلى المدرب قبل أن ينصرف عائداً على المقصورة قائلاً "عاوز حرب".
ولم يكذب المدرب خبراً ونفذ تعليمات المشير بحذافيرها، وطلب من اللاعب "حرب".. يوسف الدهشورى "حرب" أن يسخن ليشترك فى المباراة بناءً على أوامر المشير فقد فهم الرسالة خطأ .. من فرد الذعر!
وفى عام 71 شاركت مصر فى كأس فلسطين لكرة القدم وهى الكأس التى كانت تشرف عليها الجامعة العربية، وعاد منتخب مصر بعدها خسر الكأس التى فازت بها العراق، وفى مطار القاهرة، هاجم الصحفيون مدرب مصر الكابتن محمد الجندى، كيف يخسر كأس فلسطين، ونحن نمتلك أقوى فريق، من المسئول عن الكارثة؟ ومن يتحمل مسئولية هذه المصيبة إذا لم يتحملها المدرب؟!
قال الجندى رداً على الهجوم: جايين تتهمونى وتحاسبونى وتحملونى المسئولية عن ضياع كأس فلسطين، دا فلسطين ذات نفسها ضاعت وما حسبتوش إللى ضيعوها.. جايين تحاسبونى أنا على ضياع كأس فلسطين!
نعود من حيث البداية، حين اتهمت كرة القدم بالتسبب فى هزيمة يونيو 67 ونرصد أنه حين وقوع النكسة كان المشير عبد الحكيم عامر هو نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والمسئول الأول عن الجيش وفى ذات الوقت رئيساً لاتحاد كرة القدم! وكان رئيس النادى الأهلى الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجى وهو قائد القوات البرية التى شاركت فى الحرب والفريق أول سليمان عزت كان رئيس النادى الأوليمبى، وفى عهده فاز النادى الأوليمبى ببطولة الدورى العام لكرة القدم عام 66 لأول وآخر مرة وكان إنجازاً كبيراً وفى ظل رئاسة المشير عبد الحكيم عامر لاتحاد الكرة فازت مصر بالمركز الرابع فى دورة طوكيو الأوليمبية وهو إنجاز لم يتحقق منذ دورة أمستردام الأوليمبية عام 1928 ولم يتحقق بعد ذلك.. وتلك قصة أخرى!
موضوعات متعلقة..
سعيد وهبة يكتب: تسيس الأولمبياد.. اختراع ألمانى بدأه هتلر حينما تمسك بلافتات "ممنوع دخول الكلاب واليهود"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.