تظهر قوتها من نبرات صوتها وقسمات وجهها، ضحكتها تملأ الآذان فتشيع البهجة على من حولها، كانت الدكتورة وفاء طه رئيس وحدة العناية المركزة بالمعهد القومى للأورام جامعة القاهرة تتعامل يوميا مع مرض السرطان كأستاذ تخدير للحالات التى تخضع للجراحة، لكن الأقدار وضعتها فجأة على سرير العمليات ليقوم غيرها بمهمة التخدير، ففى الثمانينيات أصيبت بسرطان الثدى، ولأن مرضها هو صميم دراستها وعملها فقد كان عليها أن تتعامل معه بالمنطق، مدركة لجميع الأبعاد بحلوها ومرها، لكنها قررت استبعاد «المرارة» فلم تعد ترى سوى صورة النتائج الطبية الناجحة للحالات التى شفيت من المرض وعاصرتها بنفسها من قبل. تقول د.وفاء: «مرت الأيام الأولى للفحوصات ثقيلة وكأن «اليوم بسنة» كان يأخذنى تفكيرى بعيداً، وبعد التحاليل الطبية اللازمة تأكدت أنه ورم خبيث وكإنسان عادى بدأت أشعر بالخوف والقلق، ربما لأننى أعرف هذا المرض وآلامه، لكننى قررت أن أتعامل مع الأزمة بهدوء، وقد كان عمرى وقتها 39 عاماً، يعنى أحلى سنوات العمر وكنت ناجحة مهنيا ومستقرة أسريا». تقول: تعاملت مع المحنة على أنها شىء خارج عن إرادتى، لا أستحق أن يلومنى عليه أحد، أو ينظر إلىّ نظرة إشفاق، فجعلت حالتى مثاراً للمناقشة مع المتخصصين من زملائى على عكس ما يفعله الكثير من الناس عندما يحاولون إخفاء إصابتهم بالسرطان وكأنه وصمة عار، كنت أذهب للعمل وأنا مرتدية البونيه، وكل زملائى يعلمون بحالتى الصحية وتعاملت مع المجتمع بصورة طبيعية جدا، فقط كنت حريصة على أن أقلل الاحتكاك بالآخرين حتى لا أتعرض لانتكاسة لأن الجسم يكون فى أضعف حالاته وتكون عدم مقاومته لأى ميكروب واردة، وذلك لأن انتشار المرض يعتمد على نقص مناعة الجسم، وعلى الرغم من الآثار الجانبية القاسية للعلاج الكيماوى فإنه علاج وقتى لابد منه للوصول للشفاء بأمر الله. بعدها بدأت تدريجيا معنويات الدكتورة وفاء ترتفع وتعود إلى معدلاتها الطبيعية بل أكثر من ذلك، لكنها لم تكتف بذلك، فقررت أن تجعل من مرضها بداية لحياة جديدة مع المجتمع وأن تعوض ما فاتها أثناء فترة مرضها، فبدأت فى التواصل مع ما أمكنها من جمعيات أهلية لتوعية الناس بالمرض من خلال عقد الندوات والمحاضرات بتوفير المعلومة الطبية الصحيحة عنه، مستعرضة تجربتها الشخصية، حتى بدأ الإحساس بالنجاح يتحقق تدريجياً، تقول: فعلت مع الناس مثلما فعلت مع نفسى، استعرضت الكثير من الحالات التى تم شفاؤها أمامهم وكنت أتألم بألم الأشخاص الذين أصابهم المرض وما زال أمامهم مشوار طويل فى العلاج، ولكنى كنت أقول لهم ولنفسى: سوف يتمتعون بالعافية قريبا وسوف ينسون الآلام والمتاعب التى عانوا منها مثلما نسيتها. فلابد من أن نلجأ لله ونرمى «حمولنا عليه».