فى الحى الفقير تستيقظ ربات البيوت مبكرا، للاستعداد لرحلة العذاب اليومى، أمام فرن الخبز المدعم القريب، الذى لا يتعدى رغيف الخبز به ال5 قروش، والحد الأقصى لشراء الفرد لا يتعدى الجنيه الواحد، أى 20 رغيفا، تكفى لسد جوع الأسر الفقيرة، الذى يعد الخبز من المكونات الرئيسية لمائدتهم، بجانب صنف من الخضار، و"لحم" فى المواسم. ورغم رداءة رغيف الخبز المدعم، وصغر حجمه، إلا أن ربات البيوت يحمدن الله، ويعتبرن الرغيف نعمة، يخشى زوالها، حتى أن أصر صاحب الفرن على تعطيل زبائنه بالساعات، وعدم الالتزام بمواعيد العمل المفروضة من قبل وزارة التموين، فضلا عن العربات المحملة بالدقيق المدعم، التى تأتى من حين لأخر، وسط همهمات الزبائن الغاضبين، فيما يرد صاحب الفرن غاضبا "بجيب حق الصنايعية.. مش عجبكوا يعنى!!". وبجانب رغيف الخبز المدعم ما زال العديد من الأسر محدودة الدخل تعتمد على السلع المدعمة، التى تقدم وفقا للبطاقة التموينية، وكذلك السلع منخفضة السعر، المتوفرة فى الجمعيات الاستهلاكية بالمناطق الفقيرة، التى شهدت فى السنوات الأخيرة تراجع ملحوظ فى الجودة والنوعية، فيما نجحت مجمعات استهلاكية أخرى فى بعض المناطق فى الحفاظ على مستواها، فى تقديم خدمات مقبولة للمستهلكين. قبل بداية عيد الأضحى أعلنت وزارة التموين عن خطة لتوفير رغيف الخبز والسلع المدعمة للمواطنين، طوال فترة أيام العيد، وذكر بيان الوزارة أن خطة الدعم تتضمن تعديل مواعيد تشغيل المخابز البلدية المدعمة والطباقى، بحيث تعمل على فترتين صباحية ومسائية لتوفير الخبز للمواطنين. فى نفس الوقت زيادة حصص الدقيق للمخابز والمستودعات على مستوى الجمهورية، لمواجهة زيادة الاستهلاك، إضافة إلى إقامة شوادر لبيع اللحوم البلدية الحية والمجمدة، بالتنسيق مع وزارتى الزراعة والاستثمار، وذلك من خلال المجمعات الاستهلاكية على مستوى الجمهورية، التى يبلغ عددها 3600 فرع. ورغم تطبيق قرارات الوزارة فى عدد من المناطق إلا أن هناك مناطق أخرى شهدت مخالفات، تمثلت فى إغلاق المخابز المدعمة، ونقص كمية الخبز المعروض بها، فيما شهد عدد من المجمعات الاستهلاكية نقصا حادا فى المواد التموينية، خاصة الأرز، الذى أجمع عدد من المستهلكين على رداءة نوعه، وقلة الحصص المصروفة للفرد، وفقا للبطاقات التموينية. ورصدت "اليوم السابع" أحوال رغيف الخبز والسلع المدعمة، فى أربعة مناطق، هى السيدة عائشة، وبولاق الدكرور، والمعصرة، ودار السلام، وقد ردد سكان المناطق الأربعة عبارة واحدة "كلام الحكومة حلو.. بس فعل مفيش". وفى منطقة الخليفة بالسيدة عائشة، تكررت الشكوى من الغلق المبكر لأفران الخبز المدعم، ومنافذ التوزيع، فيما أكد عدد من سكان المنطقة غلق العديد من "أكشاك" البيع أبوابها، واعتبروا ذلك لإجبار المواطنين على شراء العيش غير المدعم، الذى يصل سعره إلى جنيه مقابل ثلاث أرغفة. نفس الأمر تؤكده "أم محمود"، التى تشكو من رداءة رغيف الخبز المدعم، الذى لا يخلو من الحجارة والطوب، وحتى الصراصير، مؤكدة أنها لا تتحمل سعر العيش غير المدعم، خاصة مع غلاء المعيشة، ومطالب أسرتها المكونة من 6 أفراد، مؤكدة أنها تكتفى بشراء أرغفة محدودة من الخبز غير المدعم، لعمل "فتة العيد"، فيما عدا ذلك فإنها تحتمل رداءة رغيف الخبز المدعم. وتضيف أم محمود أنها تعمل على إعداد الطعام لمستشفى الأمراض الجلدية بالسيدة زينب، وتعانى من نفس المشكلة مع العيش المدعم، الذى تصل منه شكوى يومية من المرضى، ولكن البديل لا يمكن أن تتحمله الميزانية المحدودة للمستشفى الحكومية. وطالبت أم محمود الدولة بضرورة إحكام السيطرة على سوق الخضار أيضا، فسلع الخضروات والفاكهة فى ارتفاع مستمر، رغم تحديد الحكومة التسعيرة الجبرية، إلا أن كثير من التجار يخالفونها، ولا يستطيع المستهلك إلا الشراء أو الانصراف. وأمام المجمع الاستهلاكى بالمنطقة انصرف عدد من المستهلكين تصحبهم خيبة الأمل، بعد أن أكد لهم رمضان، مدير المجمع الاستهلاكى، إن التموين لن يأتى إلا بعد انتهاء أجازة العيد، مؤكدا أن عربات النقل التابعة للوزارة منشغلة حاليا، بنقل اللحوم. المفارقة أن الجمعية الاستهلاكية الوحيدة بالمنطقة تفتقد إلى عشرات السلع الهامة، التى توفر حاجة سكان المنطق، فضلا عن خلوها من ثلاجة خاصة لحفظ اللحوم، التى تفرض عليها الوزارة تخفيضات هائلة، تناسب الأسر محدودة الدخل، ويؤكد رمضان أنه كثير ما خاطب المسئولين، لزيادة السلع بالمجمع، إلا أن أحدا لم يستجب له، رغم المساحة الكبيرة للمجمع غير المستغلة، والأرفف الخالية. وتقول أم جميل، أحد سكان المنطقة، إن الجودة والأصناف الخاصة بالتموين ما عادت تكفى احتياجات الأسرة المصرية، فقديما كان يتم صرف شاى وعدس وفول ومكرونة، وأحيانا سمن، ومنتجات أخرى مدعمة، كانت تفيد الأسرة. وفى منطقة بولاق الدكرور أكد السكان أن نوعية رغيف الخبز المدعم قد شهدت تحسنا ملحوظا فى الأسابيع الأخيرة، وزادت كمية الخبز المدعم، كما أصبحت المخابز تلتزم بمواعيد العمل المحددة من قبل وزارة التموين، فيما تكررت الشكوى من نوعية التموين، وتأخر صرفة. وأكدت أم عبد الله تقليل حصة الأرز المخصصة لها هذا الشهر، إلى 4 أكياس فقط، بعد أن كانت تحصل على 8 أكياس، وذلك رغم كبر عدد أسرتها، التى تصل إلى 9 أفراد. وفى منطقة المعصرة افترشت امرأة خمسينية الأرض بجوار أحد الأفران تضرب كفا على كف كلما تخيلت نفسها تأخذ مكانا فى هذا الطابور الذى يصطف أمام الفرن المدعم، وتقول أم محمد: الأفران التى تقدم رغيف العيش مقابل 20 و25 قرشا تستمر من السابعة صباحا وحتى السابعة مساء، أما الأفران التى تقدم رغيف العيش المدعم مقابل خمسة قروش تفتح أبوابها من بعد صلاة الفجر وحتى الثانية عشر والواحدة ظهرا فقط، وبالتالى كل من لم يستطع الإلحاق بها والشراء منها يضطر مرغما أن يذهب إلى الأفران الأولى. واتفق معها ابنها الثلاثينى قائلا: طريقة تعامل أصحاب المخابز مع الناس سيئة جدا عندما يعترض أى منا على التأخير والوقوف لوقت طويل فى الطوابير يكون الرد "اللى عاجبه يقف واللى مش عاجبه يمشى"، وتكون النتيجة بعد ساعات انتظار طويلة هى عيش ردئ لا يصلح للاستخدام من الأساس، ناهيك عن أن الفرن يعمل ساعة ويتوقف أخرى دون سبب واضح، وهذا يترتب عليه تكدس الناس بالتأكيد وانتظارهم ساعات أطول مطالبا بضرورة تشديد الرقابة على تلك المخابز لوقف أى محاولة لتهريب الدقيق منه وبيعه فى السوق السوداء. وعن مشاكل السلع التموينية تقول صباح: هذا الشهر كان هناك نقص فى الأرز المقدم على بطاقة التموين والذى دائما ما يكون سىء فأصبح إجمالى السلع هى الزيت والسكر فقط بعد نقص الشاى والصابون أيضا من فترة، إضافة على عدم وجود أى جمعيات استهلاكية فى منطقة المعصرة ونقوم بشراء اللحم والفراخ من محلات البقالة والجزارة. وحال الأهالى فى منطقة دار السلام لم يختلف كثيرا "أم عمر" كانت فى طريق عودتها من أمام فرن للعيش المدعم بشارع عبد اللطيف عمارة، تقول: يوميا نأتى للوقوف بالساعات أمام أفران العيش وقرار وزارة التموين بإجبار المخابز على فتح أبوابها صباحا ومساء استعدادا للعيد غير صحيح. ومن جانبه، يقول مجدى محمد، مدير مجمع دار السلام الاستهلاكى، بمناسبة عيد الأضحى خصصت وزارة التموين نسبة تخفيض على السلع الاستهلاكية تتراوح ما بين 15 و30% على منتجات "الشاى والزيت والسكر والمكرونة والأرز واللحم المستورد والبلدى والفراخ"، وسيستمر التخفيض حتى يوم 17 من الشهر الحالى وعطلة الجمعية الرسمية بداية من ثانى يوم العيد ونستأنف العمل يوم السبت المقبل. ويضيف: من الأفضل أن تقر الوزارة صرف بطاقات التموين من الجمعيات الاستهلاكية لأنها تتيح للمستهلك استبدال أى سلعة لا يرغب فيها بأخرى تتساوى معها فى نفس حجم الدعم.