يقدم الكاتب المصرى عمار على حسن، فى روايته "سقوط الصمت"، تأريخياً سردياً مفصلاً أحيانا لأحداث ما سمى ثورة 25 يناير وما بعدها، ويكشف عنوان الرواية الكثير عما جاء فيها من أفكار وأحداث. للكاتب قدرة غير عادية على السرد المشوق، فهو يتناول الأحداث عبر مدة زمنية غير قصيرة ويركز على تفاصيلها أحيانا عبر نماذج بشرية من مختلف نواحى الحياة ومن مختلف المناطق المصرية. غير أن الكاتب فى روايته الضخمة يقع أحياناً فى جو من التشابه، إذ تتكرر أجواء وأفكار وأحداث متشابهة تجعل القارئ يشعر بأنه عرف هذا الأمر أو ذاك، وليس هذا بمستغرب فى رواية ضخمة بلغ عدد صفحاتها 662 صفحة متوسطة القطع، ومع هذا فإن الكاتب يمسك بالقارئ فى غالب الأحيان ويقدم له سرداً ممتعاً، وعمار على حسن قد يصح فيه القول أنه ذو معدة سردية تشبه قدرة النعام على الهضم، فهو يتناول كميات من الأحداث والوقائع والمشاعر ويهضمها ويحولها إلى مادة سردية شيقة، وقد صدرت الرواية عن الدار المصرية اللبنانية للنشر فى القاهرة. شخصية حسن عبد الرافع هى الشخصية المهيمنة على الرواية وهى من هنا لا تقتصر على كونها مجرد شحصية بشرية بل تتجاوز ذلك إلى ان تشكل نموذجا نضاليا صافيا رائعا لا تنحصر حياته فى سنوات من العمر ولا على بقائه قيد الحياة بل تتحول إلى نموذج ملهم يفعل ويتكرر فى حياة الناس الآخرين الذين يتحولون بدورهم إلى مناضلين، أنه صنو "شجرة الحياة" التى غرسها المتظاهرون فى ميدان التحرير ونمت وصارت تعرف باسم "شجرة الثورة" وتكاثرت مثيلاتها فى المحافظات والنواحى المصرية المختلفة. تبدأ الرواية بمقتل حسن عبد الرافع فى مرحلة من مراحل الثورة وتنتهى بتحوله إلى رمز حى فعال ووعد بغد أفضل وبأيام احلى لأن دم الشهيد من أمثاله لا ينتهى عبثا. وعمار على حسن قادر على الوصف الدقيق الناجح وعلى رسم مؤثر للأجواء يختلط فيه الواقعى بالمتخيل. يبدأ الكاتب بالقول "قتل الليلة حسن عبد الرافع. فرقع رصاص غادر ومرق دون أن يراه احد فاستقر فى رأسه وصدره كما أراد من أطلقوه، هرولت أقدام هاربة ثم شحطت سيارة وذابت فى بطن الليل المثقوب بأنوار شحيحة وتركت خلفها هلعا ووجعا وصمتا مريبا. "هرع الناس من الشوارع والحارات والفجاج الجانبية لاهثين فوجدوه صريعا. انتهى ألقه وصخبه وسكنت أحلامه التى لم تهدأ أبدا وارتاح من عيون أمثال المخبر شعبان النمر التى تابعته فى كل مكان بلا هوادة ومن أصابع البلطجى سباعى الدغل الخشنة... اختفى جسده من الوجود وبقيت ملامحه مرشوقة على الجدران". ومن أشد أعداء حسن أولئك الذين سماهم سارقى الثورة التى عمل لها مع رفقائه طويلا وكانوا قد ادعوا التحالف معه قبل أن ينقضوا عليه. "حتى وهو مسربل بدمه لم يسترح من ألسنة كارهيه الذين سطوا على الثمرة التى رباها هو وزملاؤه سنين حتى نضجت ثم هجوه بأبشع الألفاظ". وحين انكشفت هوية القتيل بدأ التساؤل عمن قتل حسن عبد الرافع "بعضهم أشار باطمئنان إلى فلول الحزب الحاكم الذى دهسه الغاضبون تحت أقدامهم، هناك من قال: حسن كان ينتقد بشدة التيار الدينى المتطرف ويرى فى إتباعه عقبة على طريق المستقبل وطالما وصفهم بأنهم لصوص الثورة". إلا أن دماء حسن انبتت كثيرا ممن ساروا على طريقه، فالثوار هم من مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية وكثير ممن لم يكونوا يتعاطفون مع الثوار صاروا يتعاطفون معهم. يعرض الكاتب مختلف الأحداث التى مرت بها مصر فى تلك المرحلة، كما يروى للقارئ بحيوية وحركية الأحداث التى شهدها ميدان التحرير وأماكن أخرى من التعرض للمتظاهرين وإطلاق الرصاص عليهم ومهاجمتهم إلى "يوم الجمل" وإلى تجنيد أوباش يندسون بين المتظاهرات ليلا ويعتدون عليهن. الثوار يتكاثرون وينتظرون يومهم القادم. فالغد كما يرون سيحمل إليهم ما يبتغون، من الشخصيات الأساسية الفاعلة صفاء عليوة حبيبة حسن عبد الرافع ورفيقة نضاله ورفيقه أكمل وكثيرون آخرون من مختلف الطوائف والمذاهب ونواحى الحياة، إنهم فى انتظار الغد الآتى. صفاء كانت قد تسلمت من حسن وثائق فى "فلاشة" تفضح كثيرين لكنها خبأتها فى مكان آمين فى انتظار يوم آمن يمكن أن تكشفها فيه. قال أحد الشبان "علينا ألا نتوانى حتى نكشف غموض مقتل صديقنا حسن"، وعلق شاب آخر على كلامه قائلا "كل الأدلة ناقصة وقوانين كثيرة فاسدة، يبدو أن سر موت حسن قد مات معه مثلما ماتت أيضا الأسرار التى كانت فى رأسه أو تلك التى سمعنا أنه خزنها على فلاشة". فابتسمت صفاء وقالت "هى كنز الأسرار الذى لم يفتح بعد"، صرخ أكمل "لا تذكريها فقد قتلت حسن"، لم تقل لأى منهم أنها دفنت النسخة التى حصلت عليها من حسن تحت نخلة فى حقلهم الصغير بعد أن وضعتها فى علبة عاج وأحكمت غلقها ولفتها بكيس من البلاستيك وأنها تحتفظ بها إلى اللحظة المناسبة حين تدرك أن طريق العدالة مفتوح ونظيف". يختم عمار على حسن الرواية بالقول "تسقط ورقة من شجرة الثورة فتنمو أوراق، يسقط شهيد تحتها فيصير كتيبة من المناضلين، تنكسر موجة فتتدفق موجات. يسقط حلم عابر فتنبت آمال مجنحة، يختطف المستبدون ميدانا فتولد ميادين، يقتلون حسن عبد الرافع فيولد لهم ألف حسن جديد".