حصلت على الثانوية العامة بمجموع أهلنى لدخول كلية الطب، ولكننى لم أكن أرغب بذلك، إنه فقط حلم والدى أن أدخل كلية الطب. حاولت جاهدة فى أن أجعله يتخلى عن إصراره، متعللة تارة بطول الدراسة وبنظرى الذى بدأ فى الضعف، والسبب الحقيقى الذى كنت أخفيه فى عدم دخول هذه الكلية بالذات هو خوفى على نفسى من "العنوسة"، وبهذا وافق والدى على مضض وما زلت أذكر ذلك الحزن الرهيب الذى رأيته فى عينيه حين أخبرنى بأنى حرة فى اختيارى. وهكذا استمررت فى أنانيتى واخترت تخصص إدارة الأعمال، وتقدمت لاختبار القبول ونجحت فيه، وقبل الدراسة بيومين فقط عاد رشدى إلى وأعدت التفكير فى ما مضى فأصبت بندم شديد، لأننى حطمت حلم أبى العزيز الذى لم يبخل علىّ بشىء أبداً، ألهذه الدرجة صرت تافهة، وأنانية ولم يعد يهمنى شىء؟. قررت أن أعاقب نفسى بأن أدخل السنة القادمة تخصص الطب مهما كان الثمن، حتى وإن كان البقاء فى بيت والدى بدون زواج حتى الممات، المهم أن أكفر عن خطأى وأحقق حلمه. فهل تفكيرى هكذا سليم؟ وهل لمشكلتى حل؟ طبعاً مشكلتك لها حل.. هذا هو ما تبشر به د.فيروز عمر المستشارة النفسية ومؤسسة جمعية قلب كبير للاستشارات الأسرية قائلة: أستطيع أن أترجم رسالتك إلى سؤالين عملاقين: السؤال الأول: هل الرغبة فى الزواج "تفاهة"؟ السؤال الثانى: هل الحرية "أنانية"؟ ثم تأتى تساؤلات أخرى كثيرة تابعة لهما. وأنا إذا أردت أن أتوقف عند السؤال الأول فسأجد سيلاً من الآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الزواج والأسرة، ولكنى سأتوقف عند حديث واحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته، فوجدوا أنها أقل من عبادتهم، ففسروا ذلك بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يتعبد أقل منهم؛ لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقال أحدهم إنه يصلى الليل أبدًا، والثانى إنه يصوم الدهر ولا يفطر، والثالث إنه لا يتزوج النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنتم قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتى فليس منى". وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يشير إلى أن النوم والطعام والزواج ليست أعمالاً تافهة دنيئة. وإذا كان الآباء يريدون أن يحكموا على بناتهم "بالرهبانية" من أجل العلم، فإن هذا لا يرضى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو أمر مخالف للسنة النبوية بل وللفطرة الإنسانية. وهنا انتقل للتساؤل الثانى الذى أشرت إليه فى بداية حديثى وهو: هل الحرية "أنانية"؟ الحديث عن الحرية، فى الحقيقة يطول وتتشابك عناصره، فالحرية قد تكون أنانية أو طائشة أو مدمرة، والحرية أيضًا قد تكون بناءة ومسئولة ونافعة لكل الأطراف، ولكن الحقيقة التى أتصور أن البداية من عندها هى أنه: لا بديل ولا مفر من الحرية!! فالحرية فن يجب أن يتقنه الجميع على كل المستويات: الأسرة، المجتمع، الحكومة، العالم!! ولن ينصلح حالنا أفرادًا وشعوبًا إلا بها. فالإنسان إذا سُلِبت إرادته فلن يستطيع أن ينجح أو يبدع أو حتى يعيش راضيًا سعيدًا، وسيظل متخلفًا عابثًا يجلس فى مقاعد المشاهدين السلبيين دائمًا، ولا يتذوق طعم أن تكون لحياته قيمة، أو أن وجوده يمثل إضافة للكون من حوله!! ولكن السؤال الصعب هو: ما هى الحرية المنضبطة المسئولة الواعية؟! وألخص الإجابة فى جملة واحدة أرجو ألا تكون مختصرة اختصارًا مخلاً لأقول: هى الحرية التى: 1- تأخذ بيد صاحبها للنجاح وليس مجرد اتباع الأهواء. 2- تتحمل مسئولية تجاربها، ولا تطلب من الآخرين أن يدفعوا هم ثمنها. 3- تراعى الأحكام والآداب الإسلامية ولا تتعارض معها. وإذا طبقت هذا الكلام على حالتك أجد أن الشروط الثلاثة تنطبق عليك، فأنت تختارين هذا المستقبل الدراسى؛ لأنك ترين أنه الأنسب لقدراتك واحتياجاتك الفطرية التى يباركها الله تعالى. وأنت تتحملين مسئولية اختيارك؛ فلن تلقى باللوم فى يوم من الأيام على أحد إذا لم تحققى ما تريدين، ولن تعتمدى على أحد فى نجاحك فى هذا الطريق. كما أن هذه الحرية لم تتعارض مع آداب الإسلام؛ فالله تعالى قد أمرنا "بالبر" للوالدين ولم يأمرنا بالطاعة!!.. "والبر" هو أن نحسن معاملتهما ونتودد إليهما فى كل حال، فإذا كانت أوامرهما فى حدود طاقاتنا فلنطعهما، وإن كانت غير مناسبة لنا، لأنهم بشر ولهم وجهة نظرهم التى قد لا تكون صائبة، فلنجاهد من أجل حريتنا، ولكن بحسن المعاملة لهم والرفق بهم وعدم مناطحتهم، ومع مراعاة وتذكر أفضالهم علينا التى لن نشعر بقيمتها إلا عندما نصبح آباء وأمهات مثلهم، ونتذكر دائمًا قوله تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"، وقوله: "وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا". لعلى أكون قد أجبت عليك يا ابنتى.. طلب الزواج ليس تفاهة، والحرية ليست أنانية، وعليك أن تتمسكى باختيارك مع الاستمرار فى البر والإحسان وحسن المعاملة لأبيك، وأن تعوضيه بكل الوسائل حتى يرضى عنك ويسعد ويطمئن، فيبارك الله لك فى الدنيا والآخرة. شيزلونج اليوم السابع بانتظاركم : [email protected]