جعل الرئيس الأمريكى باراك أوباما، فى مستوى صنع القرار حول إيران وسوريا والسلام فى الشرق الأوسط، وزير خارجيته جون كيرى المنفذ الأساسى لسياسته الخارجية، وهو دور لم تحصل عليه الوزيرة السابقة هيلارى كلينتون. وتواترت المقارنات بين وزيرى خارجية ولايتى أوباما "الخميس" عندما تولى كيرى المحادثات حول الملف النووى مع إيران وهو يحمل أصلا عبئا كبيرا فيما يرتب استئناف مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويتابع الاتفاق مع روسيا حول أسلحة سوريا الكيميائية. وفى حال تحقق مساعيه الطموحة قد يدرج كيرى فى سجل أهم وزراء الخارجية فى العصر الحديث، وإلا فسيذكر له أنه حدد أهدافا فائقة الطموح لكه فشل فى تحقيقها. ويثير نشاط كيرى المكثف تساؤلات حول ما إذا كان أوباما يخفف سيطرته على سياسة الأمن القومى، كما أنه سيؤدى حتما إلى مقارنات بين سجل كلينتون الذى سيكون محوريا فى 2016 فى حال سعت مجددا إلى الرئاسة. وزارت كلينتون أكثر من 100 بلد أثناء وزارتها، فيما كان أوباما يكافح أزمة اقتصادية فى الداخل، لكن ينقصها إنجاز بحجم الأهداف التى يسعى إليها كيرى حاليا. وقد تكون الظروف والصدفة سبب ذلك، فكلينتون ساهمت فى وضع أطر لعقوبات قاسية على إيران لكنها لم تكن موجودة عندما فتحت طهران نافذة للدبلوماسية. كما أنها ساعدت فى الدفع لعقد أول اتفاق فى جنيف من أجل السلام فى سوريا لكن خططها لتسليح المعارضة لقيت رفض أوباما. فيما ازدادت الثقة بين الخصمين السابقين كلينتون وأوباما، لم تقم وزيرة الخارجية السابقة قط بدور المنفذة الأساسية للسياسات الخارجية للإدارة، بالرغم من اعتبارها نجمة بين الدبلوماسيين، أما كيرى فهو منبثق من مجلس الشيوخ ويعتبر أكثر تقليديا. ويتناقض أسلوب كيرى الذى يعمل فى أثناء تنقله مع طريقة عمل فريق كلينتون المنضبطة الذى كانت مهمة بعض أفراده تنحصر فى ضمان استمرارية عملها السياسى فى المستقبل. لكن مع تلقى كلينتون المديح فى الخارج، بدت كأنها تبتعد عن الملفات الشائكة التى تولاها كيرى مفضلة العمل بموجب شعارها "القوة الناعمة". وأفاد مسئول سابق بأن عمل كلينتون مهد الطريق أمام كيرى من خلال جهودها "لإصلاح العلاقات" الذى كان ضروريا بعد سنوات حكم جورج بوش المضطربة. وجعلت كلينتون من القوى الصاعدة فى آسيا أولويتها، عوضا عن نزاعات الشرق الأوسط القديمة، بالرغم من اندلاع اضطرابات الربيع العربى فى ولايتها. فى المقابل أثار كيرى استغراب كبار المستشارين فى البيت الأبيض، حيث رصد فرصا بالرغم من تشاؤم التوقعات بشأن السعى الأمريكى الأزلى إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن فريق كيرى ينفى أن يكون أكثر اهتماما بما يسميه النزاعات "المجمدة" من إعادة تمحور الثقل الأمريكى باتجاه المحيط الهادئ التى يسعى إليها أوباما. وقد تبرر التطورات الطبيعية للرئاسة الأمريكية السلوك المختلف بين كلينتون وكيرى. فالرؤساء فى ولاية ثانية عادة ما يخضعون لقيود فى الداخل ويسعون لتلميع صورتهم فى الخارج فيفتحون فرصا لوزراء خارجيتهم، على غرار مادلين ألبرايت التى زارت كوريا الشمالية. وقالت هيذر هورلبورت التى عملت لدى البرايت وهى الآن فى شبكة الأمن القومى، إن إدارات الولاية الأولى تميل إلى تشديد الرقابة على سياسات الأمن القومى. وقالت "لا يريدون أن يحيد أحد عن الخط المرسوم". وفى ولاية جورج بوش الأولى كان كولن بأول خاضعا لرئاسة نافذة تستعد للحرب على العراق. وبحكم التجربة قد يكون أوباما أدرك أهمية تحويل بعض سلطاته الرئاسية، نظرا لإخفاق مساعيه للسلام فى الشرق الأوسط فى ولايته الأولى. وفيما بات كيرى يمثل السياسة الأمريكية فى ملفات سوريا وإيران والشرق الأوسط، كان الحيز الأكبر من عمل كلينتون أقل بروزا. فقد كانت شخصية لها وزنها فى مجلس الأمن القومى الذى أرسل قوات الى افغانستان وقصف ليبيا وخطط لقتل أسامة بن لادن. كما تحدت الصين فى قمم إقليمية، وهى خطوة محورية لسياسة اوباما فى الصين ولم تثر الانتباه فى الداخل. بالرغم من اعتبار أوباما كلينتون "أحد أهم وزراء خارجيتنا" فهى لم تكن حاضرة على الساحة كما يفعل كيرى حاليا. ويعود ذلك جزئيا إلى اللعبة السياسية. ففى البدء سعت كلينتون إلى تضميد جروح مواجهتها القاسية مع أوباما فى الانتخابات التمهيدية لحزبهما، وتولت دورا ثانويا فيما تقدم سريعا إلى البيت الأبيض. كان بعض أولويات سياسات الولاية الأولى لأوباما امتدادا لشخصيته كسياسى، ومن بينها تعهده بإنهاء الحرب فى العراق الذى كان أساس حملته الانتخابية. ولعبت كلينتون دورا فى محاولة لإعادة العلاقات مع روسيا، والتى استندت الى سياسة اوباما بالحد من الأسلحة النووية والتى أدت إلى فوزه بجائزة نوبل للسلام. وفيما قد يمارس كيرى النشاط السياسى أكثر من كلينتون، ليس واضحا إن كان أكثر نفوذا منها. فأوباما لم يستشر كيرى عندما اتخذ قراره منفردا بالطلب من الكونغرس دعم خطة استخدام القوة فى الملف السورى. والبيت الأبيض هو الذى سارع إلى تلقف الخطة الروسية لإتلاف ترسانة سوريا من الأسلحة الكيميائية، وليست وزارة الخارجية. وعلق مسئول كبير سابق فى الإدارة بأنه "فى نهاية المطاف أن الرئيس هو من سيتخذ القرارات الكبرى".