كنت فى العاشرة عندما رحل جدى، فى الحقيقة كنت أصغر عضو فى أعضاء عائلتنا ومع ذلك اعتقد إنى كنت أكثرهم حزنا. أتذكر إنى بكيته كثيرا ولشهور طويلة، إلى الآن عندما تشتد بى الأمور انفرد به ونيسا فى ظلمة غرفتى لأبكى معه وكثيرا ما اسمعه يشاركنى البكاء. كان وسيظل أعظم من عاشرت فى حياتى. دائما ما كانت تسيطر على الأجواء حاله من الدهشة والتعجب حينما يدور الحديث عن الذكريات مع أحد أفراد العائلة مع جدى رحمه الله فأنا الشخص الوحيد الذى أراه حنونا عطوفا سخى المشاعر فى حين يراه جيل أبى وأعمامى بعيد كل البعد عن الجانب العاطفى وأنه كان رجلا صارما ممسك فى حنانه معهم. دائما ما كنت احتار فى سر هذا الاختلاف بيننا فى الحكم على ونيسى فى الحياة وظللت هكذا حتى رحلتى أنت وشاءت الأقدار أن أتابع أيامك بعد الرحيل لاكتشف أن سر عظمة الأشخاص داخلنا فى رحيلهم الأبدى. تيقنت أن سر تمسكى برأيى فى جدى ينبع من رحيله المبكر عن دنياى فالواضح أن العشرة تغيير الأحداث وتغيير الأشخاص وهذا هو سر رأى باقى العائلة فيه رحمه الله. من المحتمل أنه لو كان على قيد الحياة لاختلف رأيى فيه مثل الآخرين وان معاملته لى كانت ستتغير عن معاملته لى فى طفولتى. نعم أنا الآن وحين أقع فى مشكلة ما وأجلس لأتحدث معه اختلق له أحسن الإجابات وأكثرها قربا لقلبى على الرغم من تأكدى أنه لو كان حيا لصدمنى بإجابات تبعدنى عن الجلوس معه فى ضيقتى فسيكون مثله مثل الآخرين. نعم نحن نرسم للراحلين عننا صورا لتطورهم على مر الأيام كما نشاء وبالطريقه التى تتناسب مع مدى حبنا لهم حين رحلوا عننا على الرغم من تأكدنا أنهم إن بقوا لما كانوا عند حسن ظن قلوبنا ونفوسنا بهم وإلا لماذا فارقونا إن كنا أحب الناس إليهم -استثنى من هذا الموت- فهو يأخذهم بعيدا رحمة بنا وحتى نظل أوفياء لذكرى حبهم قبل أن ينكسر بمرور السنين إن هم عاشوا. تسألين داخلك لما أوجه لك الكلام، سأقول لك لماذا، لأنك يوم رحلت كنتِ فى قمة حبى لك وكنت أنت معنى الحياة بالنسبة لى ويومها ولهول الموقف لم أربط بين قرار الفراق وأنك من اتخذتيه ليس لأنه لم يكن جليا ولكن لأن قدرك عندى يومها لم يسمح لى بالتفكير إنك لست بهذه المثالية التى رسمتها لك. نعم عشت شهورا أحمل نفسى ذنب إنى كنت سببا فى جعلك تتخذين قرار الرحيل وكأن الأحبة يفارقون وإن جُبِروا على هذا. ظللت محتفظا بصورتك الجميلة مصاحبة لأيامى بعد فراقك رافضا للحكم على تصرفاتك بحيادية فأين تجدى عاشقا يعرف الحيادية لطالما كنت متطرفا فى حبك حتى حين رحلتى. اليوم شاهدته يصطحبك فى الشارع، شاهدت ابتسامتك، شاهدت فرحتك التى ذبحت حين التقت الأعين، شاهدتك كما لما أشاهدك من قبل. عرفت الحقيقة وانك ما عدت من كنت يوما تيقنت إنى ظلمت ذكراك داخلى حين تخيلت انك تستحقين العيش فيها.. نعم وجب على يوم أن رحلت أن أضعك فى المكان الصحيح داخلى فى هذا الركن المهمل الممتلئ بأشياء ظنناها يوما تناسبنا ولأننا اهتممنا بها كثيرا نفضل الاحتفاظ بها وإن لم نستخدمها ثانية على أن نلقى بها ليس لأهميتها ولكن احتراما لاهتمامنا بها يوما. يا من كنت حبيبتى شكرا لأنك رحلت قبل أن يموت الحب بيننا. سطور فى سيناريو الحياة.. تظن أحيانا أنها بطلة سيناريو حياتك وتبدأ فى التفكير فى أسماء الفصول القادمة وكأنك تأخذ ضمانات إنها ستبقى معك للأبد.. أحيانا تصل بخيالك إلى كلمة النهاية وتحتها إمضاء يجمع اسميكما معا.. ثم تكتشف فجاة انك كنت مجرد شخص فى سيناريو حياتها لم تكن حتى البطل.. يذكر اسمك فى كثير من السطور فى فصل ما ثم بمرور الوقت يقل ذكره حتى يختفى فى الفصول اللاحقة.