محافظ الدقهلية: تواصل أعمال لجان المرور على مصانع تدوير المخلفات    وزير الري يشارك في جلسة "نحو نهج عالمي واحد للصحة" بمنتدى المياه.. صور    المرصد المصرى: دور مصر فرض نفسه لدعم القضية الفلسطينية وليس منحة من أحد    كيليان مبابى يتوج بجائزة هداف الدورى الفرنسى للمرة السادسة توالياً    حرس الحدود يتقدم على الترسانة 2 - 1 بالشوط الأول لدورة الترقى    الإعدام شنقا والسجن 15 و5 سنوات لقتلهم شخص والشروع فى إنهاء حياة نجليه بالشرقية    اليوم .. انطلاق فيلمى "تاني تانى وبنقدر ظروفك" رسميًا فى دور العرض    وزارة الصحة تقدم نصائح للحماية من سرطان البروستاتا    موعد وقفة عيد الأضحى وأول أيام العيد 2024    ضبط المتهمين باختطاف شخص بسبب خلاف مع والده فى منطقة المقطم    6 يونيو المقبل الحكم بإعدام المتهمة بقتل طفلتيها التوأم بالغردقة    رئيس لجنة الحكام يحضر مباراة الترسانة وحرس الحدود فى دورة الترقى    هلا السعيد تكشف تفاصيل جديدة عن محاوله التحرش بها من سائق «أوبر»    سام مرسي يتوج بجائزة أفضل لاعب في «تشامبيونشيب»    وزير التعليم العالي يبحث مع مدير «التايمز» تعزيز تصنيف الجامعات المصرية    رئيس هيئة تنمية صناعة التكنولوجيا: التصميمات النهائية لأول راوتر مصري نهاية العام    تضامن الفيوم تنظم قوافل طبية تستهدف الأسر الفقيرة بالقرى والنجوع    وزير الصحة يفتتح الجلسة الأولى من تدريب "الكبسولات الإدارية في الإدارة المعاصرة"    السكة الحديد: تخفيض سرعة القطارات على معظم الخطوط بسبب ارتفاع الحرارة    تحديد ملاعب نهائيات البطولات القارية الأوروبية لعامي 2026 و2027    صحيفة عبرية توضح عقوبة إسرائيل المنتظرة للدول الثلاث بعد اعترافهم ب«دولة فلسطينية مستقلة»    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    مصر والصين تتعاونان في تكنولوجيا الأقمار الصناعية    مجلس الوزراء يبدأ اجتماعه الأسبوعي بالعاصمة الإدارية لبحث ملفات مهمة    مسابقة 18 ألف معلم 2025.. اعرف شروط وخطوات التقديم    مصدر مصري رفيع المستوى: من الغريب استناد وسائل إعلام لمصادر مطلعة غير رسمية    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بورسعيد    «جولدمان ساكس»: تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر ستصل إلى 33 مليار دولار    "لحصد المزيد من البطولات".. ليفاندوفسكي يعلن البقاء في برشلونة الموسم القادم    أبرزهم بسنت شوقي ومحمد فراج.. قصة حب في زمن الخمسينيات (صور)    فرقة طهطا تقدم "دراما الشحاذين" على مسرح قصر ثقافة أسيوط    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    العمل تنظم فعاليات "سلامتك تهمنا" بالمنشآت الحكومية في المنيا    عاجل..توني كروس أسطورة ريال مدريد يعلن اعتزاله بعد يورو 2024    افتتاح ورشة "تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية" في شرم الشيخ    «مواني البحر الأحمر»: تصدير 27 ألف طن فوسفات من ميناء سفاجا ووصول 742 سيارة لميناء بورتوفيق    بإشارته إلى "الرايخ الموحد".. بايدن يتهم ترامب باستخدام لغة هتلر    تريزيجيه جاهز للمشاركة في نهائي كأس تركيا    مرفق الكهرباء ينشر ضوابط إستلام غرفة المحولات للمنشآت السكنية    بروتوكول تعاون بين نقابة السينمائيين واتحاد الفنانين العرب و"الغردقة لسينما الشباب"    الأكبر سنا والمربع السكني.. قرارات هامة من «التعليم» قبل التقديم للصف الأول الابتدائي 2024    فدوى مواهب تخرج عن صمتها وترد على حملات المهاجمين    سفير الاتحاد الِأوروبى بالأردن: "حل الدولتين" السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية    بإجمالي 37.3 مليار جنيه.. هيئة قناة السويس تكشف ل«خطة النواب» تفاصيل موازنتها الجديدة    الأزهر يطلق صفحة مستقلة بفيس بوك لوحدة بيان لمواجهة الإلحاد والفكر اللادينى    الصحة: برنامج تدريبي لأعضاء إدارات الحوكمة في مديريات الشئون الصحية ب6 محافظات    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    حفظ التحقيقات حول وفاة طفلة إثر سقوطها من علو بأوسيم    رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر يتابع أعمال التطوير بالقطاعين الشرقي والشمالي    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    5 نصائح غذائية للطلاب خلال فترة الامتحانات من استشارية التغذية    البيت الأبيض: إسرائيل وافقت على طلبات أمريكية لتسهيل إيصال المساعدات إلى غزة    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    اجتماع الخطيب مع جمال علام من أجل الاتفاق على تنظيم الأهلي لنهائي إفريقيا    خبير في الشأن الإيراني يوضح أبرز المرشحين لخلافه إبراهيم رئيسي (فيديو)    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل أزمة الهوية الوطنية
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 08 - 2013

من أوضح تداعيات تقصير النخب الثقافية فى القيام بدورها التنويرى فى المجتمع، بعد ثورة 25 يناير، ما نعايشه الآن فى مصر من تداعيات الخلط المفزع فى مفاهيم الهوية الوطنية، حيث نجح الصراع السياسى فى قسم المجتمع المصرى التعددى حول ما لا ينبغى أبداً لمجتمع مأزوم أن يختلف حوله، ألا وهى ثوابت الهوية الوطنية، التى لا تقبل القسمة على "إسلامى" و"مصرى"، والشاهد فى ذلك الأمر شيوع اتهامات التخوين والعمالة التى أصبحت أسلحة موجهة إلى صدور المختلفين فى الأيديولوچيات السياسية أو الدينية بتعميم لا موضوعية فيه ولا حقيقة، حتى انتقل التكفير والتحريض من مرحلة التصايح إلى مرحلة سفك الدماء بين أبناء الوطن الواحد.
وأكدت الأحداث الجسام التى نعيشها الآن، أن استقرار مستقبل مصر وبناء حالة سلم أهلية مستدامة بين أهلها، لم تكن يوماً نصب أعين من سمحوا لأنفسهم من بعض قيادات العمل السياسى فى أحزاب اليمين الدينى، أن يسبوا ويسفهوا عماد الهوية الوطنية، وهى الحضارة المصرية وشواهدها التى علمت الإنسانية كلها لآلاف السنين قيم الأخلاق والعدل والحقيقة، انتصاراً لهويتهم المجتزئة من سياقها الوطنى.
ضربوا بالعلم عرض الحائط، وهم يسيرون على طريق التجهيل بين أتباعهم بحقائق التاريخ، مستمرئين بصلف خلط بحثى عبثى بين المصادر الدينية والمصادر التاريخية، خدمة لآرائهم وتوجهاتهم على حساب الوعى المصرى بأساس هويته الوطنية الممتدة.
كانت خطواتهم تصنع بجهالة خدمة تاريخية بالوكالة للصهيونية المتطرفة عالمياً، باختزال كل ما يتعلق بالحضارة المصرية فى قصص المظلومية التاريخية لبنى إسرائيل أمام سطوة ملك مصرى واحد من بين مئات الملوك عبر آلاف السنين، وبالإمعان فى ترويج تلك الرؤية الزائفة على عموم الشخصية المصرية عبر التاريخ محلياً، وهم يشاركون تاريخياً بأقوالهم تلك فى مسؤولية تزييف الوعى بالبديهيات الحضارية.
وكأن حضارة المصريين لم تعرف الله إلا على يد بنى إسرائيل، وكأن الله تعالى لم يختص المصريين ظلماً (حاشاه) بأنبياء قبل إبراهيم الخليل عليه السلام ونسله.
وكأن كل ما سبق البعثة المحمدية فى مصر عبر آلاف السنين لم يكن غير جاهلية وظلمات فى تاريخ معرفة المصريين بالله تعالى وشرائعه الأخلاقية.
وكان من نتاج هذا الفكر الإقصائى النكد، غير المسئول، أن رُوِّعَ المصريون والمصريات فى مصريتهم، بل ومس الترويع كثير من ثوابتهم الدينية الوسطية.
وفى سبيل الدفاع غير المنصف عن باطل حضاري، استفزت تلك المحاولات الجاهدة قطاعات شعبية واسعة، خاصة عندما أصبحت بعض الوجوه الضاربة فى التخلف الحضارى منهم، ممن ينادون بهدم الآثار مطية و"نمرة" مفضلة فى السيرك الإعلامى، الذى نصب فى الفضائيات آنذاك.
ولأن التطرف لا يستجلب إلا التطرف، فقد استيقظت فى الوقت ذاته كردة فعل، آراء قومية متطرفة وغير موضوعية، مطالبة بإقصاء كل ما هو "إسلامى"، لحساب كل ما هو "مصري"، كون الإسلام (على حد رؤيتهم) عمره أربعة عشر قرناً ودخيل على مصر، بينما حضارة المصريين تسبقه بآلاف السنين.
وهؤلاء أيضاً هم من أسقطوا جام غضبهم فى نقدهم لتلك التوجهات المذهبية المتطرفة، والتى يتم استخدامها سياسياً فى بعض الفترات على عموم الفكر الإسلامى السمح، فكانت الضحية بين المتطرفين من الجهتين هى الملامح الراسخة للهوية المصرية الوطنية الجامعة.
المعركة القادمة للنخب الثقافية فى مرحلة "تأسيس المستقبل الوطنى"، تكمن فى التصدى المرحلى لجبهتى الإقصاء المتبادل فيما يخص الهوية الوطنية بمكوناتها المتراكمة عبر آلاف السنين، لأن تلك الخطوة هى ضمانة الحل التدريجى للأزمات الناشئة عن صراعات الهوية المتجذرة بين أبناء الوطن الواحد.
وإعادة ترسيم أطر الهوية الوطنية المصرية، كأحد دعائم بناء السلم المجتمعى فى الداخل، وكمحفز لقوتها الثقافية الناعمة فى الخارج، لا يمكن أن ينجح بتسويق نعرات الاستعلاء العنصرى على دول نختلف معها سياسياً، أو بمبالغات مفرطة فى التفوق الجينى المصرى فى أوقات الأزمات.
ولا تنجح صناعة وعى قياسى سليم للهوية الوطنية، بالاستماع للأغانى الوطنية الحماسية وحفظها عن ظهر قلب، أو بالإبقاء على مقررات التاريخ المصري، ومناهج العلوم الإنسانية صماء وجوفاء، مليئة بالحشو والتسطيح.
الأمر لم يعد ترفاً فكرياً، بعد ان استحل بعض من يحملون جنسية هذا الوطن ويعيشون فى خيره، فى لحظات يأس، دماء إخوتهم المصريين بعد تكفيرهم، ولا يحتمل المستقبل بدائل عن العمل التنويرى الدؤوب على أرض الواقع، بالعمل على توضيح الخطوط الحمراء فى قضية الهوية الوطنية المصرية الجامعة، والتأكيد على البذل فى سبيل عدم تخطيها مرة أخرى، وبحث سبل التفعيل لخطط التنوير والتدريب المحكمة فى ذلك الأمر بدعم من مؤسسات الدولة المصرية، ومنظمات المجتمع المدنى.
الترف والتراخى الحقيقى يكمن فى عدم البدء بوضع الخطط والتنفيذ فى وقت الأزمات الحادة، متعللين بالحالة المزاجية المحبطة، وبأن الحالة السياسية والأمنية المشتعلة لا تسمح الآن حتى ولو بالعمل الفكرى فى التخطيط لنهضة المجتمع المدنى؛ فألف باء حلحلة الصراعات الفكرية هو طرح الخطط وبدء العمل فى مرحلة الصراع ذاتها، تمهيداً لنضج التجربة التطبيقية فى مرحلة ما بعد الصراع، من أجل إنقاذ المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.