لن نبالغ إذا ادعينا أن العالم بأثرة يترقب ما ستسفر عنه مجهودات لجنة صياغة التعديلات الدستورية، وأهم ما سيحدد مدى نجاح هذه اللجنة هو ما يحتويه الدستور من أيديولوجيات وأنماط تحدد الهوية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة الجديدة. لذلك فإن النهج العلمى يحتم أن تقوم لجنة صياغة الدستور بداية بوضع إطار مرجعى للدستور يوضح بجلاء أركان الفكر الذى سيبنى عليه الدستور. فلا جدال أن بعض المواد المتعلقة بالمبادئ الدستورية النمطية مثل علو الدستور وسيادة القانون وتحديد كل الحريات والحقوق والواجبات إلى آخره لا تشكل صعوبات تذكر فى صياغتها وهى بالفعل موجودة وجاهزة، ولكن الذى يعنينا هنا هو صعوبة تصميم نظام الحكم الرشيد للبلاد بناء على الأنماط الحديثة البازغة وانعكاسات وتداعيات تلك الأنماط على باقى مواد القانون الدستورى. سنكون مخطئين لو توقعنا أن تكرار نفس أنماط نظام الحكم الفائت سيأتى بنتائج تختلف عن سابقتها. فنحن اليوم فى حاجة ماسة إلى إعادة النظر فى منظومة الحكم الرشيد للبلاد فعلى سبيل المثال عدم وضوح الدور الذى يلعبه مجلس الشورى فى الحياة السياسية يحتم علينا الإمعان فى فلسفة اختيار نظام برلمانى ثنائى الغرف متناسين أن سبب وجود غرفتين برلمانيتين فى معظم الدول هو تفعيل اللامركزية، وتمثيل الأقاليم فى السلطة التشريعية. لذا قد تكون اللامركزية ركن ركين فى الدستور الجديد. من المقرح تقسيم لجنة صياغة الدستور إلى عدد من اللجان الفرعية التخصصية. لتعكس تقسيم الأبواب الرئيسية للدستور على أن تقوم كل لجنة فرعية بضم خبراء متخصصين فى مجال عملها من خارج لجنة الخمسين. ولا يفوتنا التنويه إلى ضرورة تشكيل لجنة الصياغة من فطاحل رجالات الفقه الدستورى لترجمة الاطر المرجعية إلى مواد قانونية. المرحلة الاولى: مرحلة الإعداد بداية تقوم لجنة صياغة الدستور بعد اختيار قياداتها وقيادات اللجان الفرعية بوضع قواعد بسيطة وملزمة لآليات العمل وسبل فك الاشتباكات الناجمة عن الخلافات والاختلافات فى وجهات النظر على شكل لائحة وميثاق يحكم عمل اللجان وكذلك إنشاء الأمانة العامة وهى المسئولة عن ضبط الأداء الإدارى والفنى لكل اللجان والتنسيق فيما بينها. ومن المفيد إشراك عدد من الشباب الضليع بالحواسب الإلكترونية فى تولى أمور الأمانة العامة. وبعدها تبدأ كل لجنة فرعية فى إعداد الأطر المرجعية لأبواب الدستور التى تخصها. المرحلة الثاية: مرحلة صياغة الخصائص والمبادئ الأساسية تتم هذه العملية على مستوى اللجان الفرعية، حيث تستخدم كل آليات العصف الذهنى لصياغة محددات الإطار المرجعى للدستور وسرد كل المبادئ الحاكمة لتصبح هذه المبادئ ضمن وثيقة ملزمة لكل الأطراف لا يجوز الحياد عما تحتويه من مبادئ عند صياغة مواد الدستور. من المفيد هنا أن يتم تمثيل القوى السياسية والمجتمعية وخبراء القانون فى كل لجنة فرعية، حيث تقوم كل لجنة باختيار 50 عضوا من الشخصيات العامة المتخصصة فى مجال ونطاق مبحثها، وقد تمثل هذه المشاركة الرسمية مخرجا من إشكالية عدم التمثيل المتجانس لكل التيارات والتوجهات المجتمعية فى لحنة صياغة الدستور. ومن ناحية أخرى فإن الطبيعة التخصصية لكل لجنة فرعية ستؤدى بالضرورة إلى اختيار شخصيات مشهود لها بالخبرة والحنكة فى نطاق عمل اللجنة وتوسيع المشاركة المجتمعية بفاعلية كبيرة. المرحلة الثالثة: مرحلة التصفيات والاختيار وإعداد مسودة الدستور تعتبر هذه المرحلة من المراحل الحاسمة، حيث يتم صياغة النصوص التى تترجم المبادئ الواردة فى الإطار المرجعى إلى مواد القانون الدستورى، كما يتم أيضا ترسيم الترابط بين كل مواد الدستور، وذلك بمعرفة الفقهاء الدستوريين اعضاء لجنة الصياغة. عند الانتهاء من صياغة المسودة يتم مناقشتها فى مؤتمرات قومية تضم مختلف القوى الشعبية بغية تفعيل مبدأ الشفافية والاجماع المجتمعى. نرى أن إبداء الرأى المجتمعى فى هذه المرحلة سيتناول تفاصيل المواد، وقد يدخل بعض التعديلات على نصوص بعينها مما يزيد من العمق الديمقراطى للمشاركة الشعبية بدلا من الطرح مرة واحدة للدستور برمته مما قد يعرضه للعرقلة بسبب عوار مادة او اثنتين. المرحلة الرابعة: مرحلة اعداد النص النهائى بعد إجراء كل التعديلات على المسودة يقوم الخبراء الدستوريون بصياغة النص النهائى تمهيدا لطرحه على الشعب للاستقتاء العام فى مجمله. لا نتوقع أن تتم كل تلك المراحل فى فترة زمنية تقل عن تسعة شهور وهو فى رأينا فترة مناسبة من حيث الموائمة بين إدراج أى مبادئ مستحدثة فى مشروع القانون الدستورى والحصول على التأييد الشعبى المطلوب. من ناحية أخرى فإن إعداد الدستور بهذه الآلية ستقلل من احتمالات رفضه فى الاستفتاء الشعبى، وذلك بسبب المشاركة الشعبية فى ترسيم محتوياته منذ مراحله الأولى.