افترشت الأرض واحتضنت الهاتف، عانقت أناملها بتوتر رقم..اثنين.. ثلاثة .. ثم وضعت السماعة وقد اقشعر بدنها وتجمدت أطرافها. تقارعت نبضات قلبها معلنة غضب أزلى من تصرفات عقل بائس لا يصلح سوى للتعامل مع جيوش الأعداء متمنية لو تسلم هو القيادة وأحال ذلك العقل للتقاعد. رفعت رأسها فى تحدى سرعان ما حطم على صخرة حنين طوفانى الطبع، حنين لكلمة قيلت بغير قصد ذات ليلة ولكنها أزالت كل الشوائب العالقة بكيانها المنهك، روت أخاديد العطش بداخلها، وحولت هجير الخوف السرطانى بداخلها إلى واد مقدس . رأته عشرات المرات فلم تجذبها وسامته، كانت تميز صوته من بين الجميع ولكنه لم يحمل لها تلك النسائم سوى تلك الليله، اقترب منها وهمس إليها "وجهك يحمل قسمات مريحة للأعصاب" فردت فى شموخ اعتادت عليه "شكراً سيدى ولكننى أحمل عقلاً رويته بأفكار أفضل من مجرد راحة الأعصاب". بابتسامة ساحرة اختلفت عن تلك التى يوزعها على الجميع فى سخاء قال " هل تسمحين لى بفك رموز تلك الأفكار؟" كانت تلك البداية، وجدت كل محتويات قلبها تتعاطف مع آرائه، استمتعت رئتيها باستنشاق عطر تنفثه مسام جلده، كشفت له عن وجهها الحقيقى ،وجه طفلة ضائعة يختفى وراء قناع لامرأة مستأسدة، امرأة ألغت كل الفوارق فأصبحت لا تعترف بوجود عالم الرجال، ليلتها غدرت بها دموعها بعد طول خضوع لقانونها الإرهابى وتحررت، فقابلها بذراعين مشرعتين . قال وقد كست عينيه غيامة كادت تمطر "ارتمى بأحضانى واتركينى أحتوى وجعك"، لم تطل مقاومتها لصوته الذى خلق فقط ليطاع، وحولت ضلوعه إلى حائط مبكى، تخلصت من كل ما تحمل، وعادت طفلة يتلبسها جسد أنثى، تلهو فى براءة، وسرعان ما اكتشفت أن هناك عالماً آخر أسقطته من حساباتها، عالم اقتنعت أنها تحمل حنينا للتعامل معه ولكن ماضيه الأسود جعلها تتجاهله وتقر بعدم وجوده. ذكرى الليلة السابقة حرك المشاعر بداخلها، شعرت بشىء دافىء قوى يضغط على صدرها فى قوة ويطالبها بمحادثته، شىء سريع متدفق يحمل قوة أعتى الأعاصير، تمنت لو تخلصت منه، يؤلمها كوليد يطالبها بمنحه حق الحياة. لملمت شتات شجاعتها، ارتدت أقوى أقنعتها ثم ضربت رقمه فى سرعه، أغمضت عينيها وقد تقافزت نبضاتها لتحجب عنها صوت الجرس، لم يرد فوضعت الهاتف جانباً وجلست تسترجع لحظات الود عندما أمسك بيدها لتعانق شفتيه المتماوجتيين كمياه محيط ثائر...دق هاتفها معلناً رغبة كائن ما فى تبادل الحديث معها، وخذلتها كل أقنعتها عندما داعب رقم هاتفه عينيها. بأصابع ذبحتها الرجفة أمسكت بالهاتف وردت بصوت ناعم طغت عليه برودة التدلل فسألها فى ميكانيكية عمن تكون، أغمضت عينيها وتحسست لمساته على جيدها وقالت فى غضب "يبدو سيدى أنك من هواة نساء الليلة الواحدة.. اقبل اعتذارى". رمت بالهاتف بعيدا، وما أن فعلت حتى دق جرس الباب معلنا عن زيارة لا تتناسب وحجم الموقف، فى طريقها إلى الباب أزاحت الغضب والخيبة ونكبات الماضى وصدمة الحاضر جانبا وما أن فتحته حتى صافحت عينيها باقة من الورود الحمراء تطبق عليها أنامل كانت تتحسس بصماتها على جيدها منذ برهة.