لأسباب سلطوية تخدم هدف الحاكم المستبد، انتشرت أفكار تثبيطية من عينة "الفلاح المصرى يموت ولا يثور"، "شعبنا شعب نهرى ساكن لا ينتفض ولا تصطخب فى عواطفه نوازع ثورية"، "المصريون يُحكمون بالكرباج ولا يعرفون الثورات"، لكن قراءة التاريخ من وجهة أخرى تنحاز للجماهير وتقدر أفعالهم الثورية، تكشف عن وجه المصرى الذى لا يهدأ أمام الظلم، ولا يمكن حكمه بالغلظة دون رد فعل، ورد الفعل ذلك نجد فيه من البطولة والشجاعة ما يفوق كل التصورات المسبقة. هل تاريخ مصر عبارة عن سلسلة من الثورات؟.. لكن ما هى الثورة فى الأساس؟. الثورة ببساطة كلمة "لا"، وفعل ثورى يعبر عن الرفض القاطع، إما أن يحقق هذا الفعل هدفه ويصبح ثورة مجيدة، أو يقصر عن عمل ذلك ويُسمى انتفاضة، هبة، حركة احتجاجية... أما الثورة فهى تغيير شامل، ينجح الثوار فى الوصول للسلطة، يحكمون، يحققون أهدافهم، ويحسبها التاريخ "ثورة غيرت مجرى التاريخ". والثورات الناجحة فى مصر قليلة، رغم العدد الضخم من الأفعال الثورية التى يتم التعمية عليها عن قصد من قبل السلطات الاستبدادية، حتى تبث روح الخنوع والخضوع، وأنه كما قال سعد زغلول "مفيش فايدة"، تلك كلمة لو قالها سعد زغلول، ربما تم تحوير معناها، وإبعادها عن قصدها، لتكون حائط صد يسهل صناعته ضد أى ثورة شعبية. المصرى مقاتل شديد المراس على مر العصور، وقد شاهدنا خلال ثورة يناير بطولات تقشعر لها الأبدان، رأينا الشباب الصغير وهو يتقدم للموت، كأنه صديق لا شر منه، مدافعاً عن حق وطنه فيما يستحق، الشباب الذى ظُلم طوال عمره فى كل شىء لم يتلق تعليماً، لم يجد أمناً، لم يعرف معنى الوطن فى وسط العفن المستشرى فى المجتمع، لكنها عادة مصر ولم تشترها. يقول لنا الحاضر ويوافقه التاريخ إن الشعب المصر شعب ثائر، فأصوله الفرعونية العظيمة تأبى أن يكون تحت يد ظالم ولا يضحى بنفسه فى سبيل التخلص من الاستبداد، والمستقبل يحمل علامات ثورية بسبب جيل قام بثورتين عظيمتين فى شهور قليلة، وأبهر العالم، ويبدو أنه مصمم على المستحيل الذى يريد تحقيقه، رغم إمكانياته المتواضعة، وتعجيزه وتشويهه بأشياء ضارة للعقل والنفس، دعوها "مراحل دراسية" و"تعليم". الرهان الوحيد فى قادم الأيام سيكون على الشعب، وتأمل قول توفيق الحكيم فى رائعته المُلهمة عودة الروح، "إن هذا الشعب الذى تحسبه جاهلاً ليعلم أشياء كثيرة، لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله! إن الحكمة العليا فى دمه ولا يعلم!. والقوة فى نفسه ولا يعلم!. هذا شعب قديم: جىء بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة، من تجارب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لا يدرى، نعم هو يجهل ذلك، ولكن هناك لحظات حرجة، تخرج فيها هذه المعرفة وهذه التجارب، فتسعفه وهو لا يعلم من أين جاءته، هذا ما يفسر لنا – نحن الأوروبيين – تلك اللحظات من التاريخ، التى نرى فيها مصر تطفر طفرة مدهشة فى قليل من الوقت!. وتأتى بأعمال عجاب فى طرفة عين!"