ألقى الدكتور عبد الحليم نور الدين، أستاذ اللغة المصرية القديمة بجامعة القاهرة ومستشار مدير مكتبة الإسكندرية، مؤخرا محاضرة بعنوان "مظاهر الترفيه والتسلية فى مصر القديمة" أشار فيها إلى أن حياة المصريين لم تكن كلها كداً وتعباً كما تصور لنا الكثير من النقوش، بل كثيراً ما كان يلجأ المصرى إلى المرح واللهو. و أكد نور الدين أن الرقص قد احتل مكانة كبيرة فى حياة المصريين القدماء، ولعب دوراً مهماً فى مجتمعهم، فهم لم يقبلوا عليه رغبة فى اللهو أو التسلية أو الترفيه عن النفس فحسب، بل اتخذوا منه أيضاً سبيلاً لعبادة الخالق، وعدوه مظهراً من مظاهر التعبير عن سرورهم وامتنانهم بما أنعم الله به عليهم من نعمه. وقد تنوع الرقص وفقاً للمناسبات والأغراض التى يقام من أجلها، وصنف نور الدين الرقصات المصرية القديمة إلى أنواع كثيرة، منها الرقص الدينى والجنائزى والرقص الإيقاعى أو الحركى، وهو يتمثل فى حركات منتظمة متكررة يقوم بها جماعة من الفتية أو الفتيات ويضبط إيقاعها التصفيق أو قرع المصفقات كالصنوج والعصى المصفقة. وتحدث نور الدين عن الرقص الزوجى، مشيرا إلى أنه لا يقصد به الرقص الزوجى المتعارف عليه الآن، فلم يعثر على صورة مصرية قديمة واحدة تصور رجلاً وامرأة يرقصان متلاصقين، فأزواج الراقصين فى مصر القديمة كانت تتكون إما من رجلين وإما من امرأتين تمارسان حركات متماثلة تهدف إلى إثارة إعجاب المشاهدين بما تتضمنه من تناسق حركى تام. أما الرقص الجماعى فنقصد به رقص أشخاص يمارسون حركات متماثلة تخلب لب النظارة بتكرار إحدى الحركات بشكل يماثل تعاقب وحدة معينة فى الزخرفة. وقال إن رقص المحاكة يهدف إلى أن يحاكى الراقصون حركات الحيوانات أو النباتات أو الظواهر الطبيعية، وهو يهدف عند الشعوب البدائية إلى استمالة الحيوانات أو استحضار ظواهر طبيعية معينة كاستنزال المطر بغية الحصول على حصاد وفير، وألمح إلى أن هناك نوعا آخر قريبا من رقص المحاكاة وهو الرقص التمثيلى، الذى يشبه اليوم ما يعرف بالباليه أو اللوحات الحية، ويهدف إلى تمثيل الحوادث التاريخية أو قصص الحياة ومظاهرها المختلفة. ويمكن إدخال جانب كبير من الرقص الدينى ضمن هذا النوع. و ذكر نور الدين أن المصريين قد عرفوا الرقص الموسيقى، وكان فى أيام الدولة القديمة هادئاً، تخطو فيه الراقصات الواحدة وراء الأخرى فى خطوات بطيئة بحيث لا تكاد ترتفع أقدامهن على الأرض، مع تحريك أيديهن، فى حين تصفق أخريات مع وقع أقدام الراقصات، كما كان الجنك والمزمار يؤلفان المصاحبة الموسيقية. أما فى عصر الدولة الحديثة فقد تحول هذا النوع من الرقص إلى رقص سمر تتمايل فيه الفتيات. وكان هذا اللون فى الرقص يمارس عادة فى المآدب والحفلات لتسليم الضيوف. أما رقصات الحرب التى يمثل فيها الكر والفر والقفز والمبارزة، فكان يمارسها بوجه خاص الجند المرتزقة من ليبيين ونوبيين وغيرهم، وكانت بمثابة وسيلة للتسلية وللترفيه عن الجنود فى أوقات الراحة. وفى ختام المحاضرة؛ أوضح نور الدين أن أنواع الألعاب الرياضية التى زاولها المصريون كانت متعددة، وكانوا يقبلون على ممارستها أو مشاهدتها فى أوقات فراغهم إقبالاً شديداً، والتى خص منها بالذكر: المصارعة والتحطيب والمبارزة والتسلق ورفع الأثقال والرماية والكرة وشد الحبل. كذلك أشار إلى أن المصريين قد أغرموا بألعاب منزلية شتى، تحتاج إلى إعمال الفكر، وتتطلب قدراً من الحظ. ولم تقتصر هذه الألعاب على طبقة معينة، فقد لعبها الملوك وعلية القوم جالسين على المقاعد والكراسى القصيرة كما لعبتها الطبقة العاملة و هى مفترشة الأرض.