مع اكتمال إنشائه سيكون بمقدوره توليد نحو 6 آلاف ميجاوات من الطاقة الكهربائية، وإيجاد فرص عمل لنحو 5 آلاف شخص، وتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه، ليمثل بابًا واسعًا للنمو والرخاء.. هكذا ترى أثيوبيا "سد النهضة"، بحسب تقرير لوكالة الإذاعة والتلفزيون الرسمية. وفى سياق الخطة الأثيوبية الخمسية للنمو والتطوير، التى تنتهى عام 2015، تتوقع أديس أبابا أن تتضاعف مع السد الجديد قدرة إنتاج الكهرباء من مساقط المياه أربع مرات أكثر من حجمها الحالى، البالغ 2179 ميجاوات؛ مما سيوفر إمدادات كهربائية تصدرها إلى الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأسواق أخرى أبعد، مثل أوروبا، وبالفعل بدأت أعمال تشييد خطوط نقل طاقة عالية الجهد إلى كل من السودان وجيبوتى المجاورتين. أما فى مصر، فالصورة مختلفة وقاتمة، حيث يرى خبراء سياسيون أن السد الأثيوبى، الذى سيولد ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من المحطة الكهرومائية لسد أسوان (جنوبى مصر)، سيقتطع ما بين 8 إلى 18 مليارات متر مكعب من حصة المياه السنوية التى تحصل عليها البلاد من نهر النيل، بحسب اتفاقية عام 1959، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب، وسيصيب مصر بسنوات من الجفاف، ويقلص من مساحتها الزراعية ويزيد من تصحر الأراضى. وباعتبار أن تأمين حصة مياه النيل يدخل فى صميم الأمن القومى المصرى، ويعد من بين المسئوليات الأولى لأى حاكم للبلاد، لا يعد شبح "حرب مياه" بين مصر وأثيوبيا مستبعدا، بل ربما احتمالا قائما بشدة، بحسب محللين، تداولت آراءهم وسائل الإعلام المصرية التى زادت من تركيزها على تناول الأمر منذ إعلان أثيوبيا البدء بتحويل مجرى النيل الأزرق أمس الثلاثاء. سد النهضة الأثيوبى الكبير أو "GERD" اختصارا كما تسميه وسائل الإعلام الأثيوبية، سيقبع على ارتفاع أكثر من 500 متر فى منطقة صخرية بولاية "بنى شنجول جوموز" عند نهاية النيل الأزرق، على بعد أقل من 40 كيلومترًا من الحدود السودانية، وتأمل أثيوبيا فى الانتهاء من بنائه بحلول عام 2018. وستبلغ تكلفته حوالى 5 مليارات دولار، وربما تزيد. ورسميا تقول أثيوبيا، التى وفقا لبيانات البنك الدولى لديها ثانى أعلى قدرة كهرومائية فى أفريقيا بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، إنها تعتمد فى إنشائه على التمويل الذاتى، فيما تمول الصين بقيمة مليار دولار، بحسب وكالة بلومبرج الاقتصادية الإخبارية العالمية، خط نقل الكهرباء المولدة من السد إلى العاصمة أديس أبابا، والذى سيبلغ طوله 619 كيلومترا، وينتظر أن يتم خلال 3 سنوات. "ديبريتيشن جبريمايكل"، نائب رئيس الوزراء الأثيوبى للشئون الاقتصادية والمالية، قال "لبلومبرج" قبل شهر إن شركة الصين لمعدات وتكنولوجيا الطاقة الكهربائية ستتولى تنفيذ هذا الخط بتمويل بنك الصين للتصدير والاستيراد للمشروع الذى اعتبر المسئول الأثيوبى أنه "سيساعد على تنمية الاقتصاد ويضمن التنمية الصناعية". وتقوم على تنفيذ السد المجموعة الإيطالية "سالينى كونستروتورى (سالينى للإنشاءات)"، التى تعمل بالتعاون والتنسيق مع شركة المعادن والهندسة، وهى شركة كهروميكانيكية أثيوبية. وسيبلغ ارتفاع السد الأثيوبى عند اكتماله ما بين 145 إلى 170 مترا، فى حين يصل طوله، الذى يعترض مجرى النيل الأزرق، قرابة 1800 متر، ليصبح بهذا هو السد الأضخم فى أفريقيا وعالميا فى المركز الثالث عشر أو الرابع عشر حيث سيتساوى تقريبا فى الحجم مع سد "كراسنويارسك" الروسى. فى 31 مارس 2011، بعد يوم واحد من الإعلان رسميا عن المشروع تم إبرام عقد بقيمة 4.8 مليار دولار من قبل الحكومة الأثيوبية مع شركة "سالينى كونستراتورى" الإيطالية بدون عطاءات منافسة، وتم وضع حجر الأساس للسد فى 2 أبريل 2011، مع توقع بأن يمتد البناء ل44 شهرا. كان السد يسمى أصلا "مشروع X"، وأطلق عليه اسم سد الألفية بعد الإعلان عن إبرام العقد مع الشركة الإيطالية (التى نفذت ثلاثة سدود فى أثيوبيا سابقا)، ولاحقا فى 15 أبريل 2011، أعيدت تسميته من قبل الحكومة ب"سد النهضة الأثيوبى الكبير". وفى مارس عام 2012، أعلنت الحكومة الأثيوبية أن تطويرا تم بتصميم محطة توليد الكهرباء فى السد، لتزيد قدرتها التوليدية من 5250 ميجاوات إلى 6000 ميجاوات، فى حين تملك أثيوبيا إمكانات كهرومائية تؤهلها لتوليد 45 ألف ميجاوات سنويا. وقالت الحكومة الأثيوبية إنها تعتزم تمويل معظم تكلفة السد، وأصدرت سندات تستهدف الأثيوبيين فى داخل البلاد وخارجها لهذه الغاية، وستبلغ تكلفة التوربينات والمعدات الكهربائية المرتبطة بها من محطات الطاقة الكهرومائية حوالى 1.8 مليار دولار أمريكى، ستمولها، بحسب تقارير صحفية، بنوك صينية؛ مما يعنى أن الحكومة ستتحمل 3 مليارات دولار (أمريكى)، حيث تقدر تكلفة البناء، وفقا للعقد، ب4.8 مليار دولار، أى أكثر من 15٪ من ناتج أثيوبيا المحلى الإجمالى البالغ، بحسب أرقام عام 2009، 31 مليار دولار. "بيريكيت سيمون"، وزير شئون الاتصالات فى الحكومية الأثيوبى، الذى يشغل أيضا منصب المدير العام "للمجلس الوطنى لتنسيق مساهمات المواطنين فى إنشاء سد النهضة"، قال، فى تصريحات صحفية اليوم، إن الأثيوبيين فى الخارج أسهموا حتى الآن بأكثر من أربعة مليارات "بر" أثيوبى (نحو 214 مليون دولار) من أجل السد. حوالى 22% هو حجم ما أنجز من بناء السد حتى الآن، ويتوقع أن يستهلك تشييد السد 100 مليون قنطار من الخرسانة (حوالى 5 ملايين طن). وتعهدت الحكومة باستخدام الخرسانة المنتجة محليا فقط. وفى مارس 2012 منحت شركة سالينى الإيطالية امتياز توريد كابلات الجهد العالى والمنخفض للسد إلى شركة تاتروس الإيطالية بقيمة 250 مليون يورو. الفائدة الكبرى لسد النهضة ستكون من نصيب أثيوبيا بالطبع، كما سيعود بفائدة على السودان بالتحكم فى الفيضانات التى تصيبها، خاصة عند سد "الروصيرص" (جنوب العاصمة الخرطوم) وسد خشم القربة (شرق الخرطوم)، وتخزين طمى النيل الأزرق، ما يطيل عمر السدود السودانية، بحسب ما ذكره خبير ل"الأناضول" فى وقت سابق. لكن السد سيغرق نحو نصف مليون فدان من الأراضى الزراعية، ويتسبب فى تهجير نحو 30 ألف مواطن من منطقة إنشائه. إلا أن المشكلة الأكبر التى تظهر مع هذا المشروع الضخم تتمثل فى الفترة المطلوبة لملء خزان السد، حيث ستحول كميات كبيرة من مياه النيل الأزرق التى تنتهى إلى السودان ثم مصر، إذ يتوقع أن تتقلص حصة البلدين من تدفق النيل بشكل ملحوظ خلال فترة ملء الخزان. وتسعى القاهرةوالخرطوم مقابل الموافقة على إنشاء السد إلى تنظيم عملية ملء الخزان على نحو يقلل من حجم الضرر المائى على البلدين. ويرى خبراء أن الدولتين ستدفعان باتجاه تقنين فترة ملء الخزان، وجعلها لا تقل عن خمسة عشر عاما، وبإشراف مسئولين وخبراء من البلدين، إلى جانب التوقف عن عملية الملء فى حال تراجع المنسوب نهر النيل إلى أقل من المتوسط العام. أو ربما يقع الأسوأ، كما قال خبير المياه السودانى سلمان محمد أحمد سلمان ل"الأناضول" أمس، حين أبدى تخوّفه من احتمال نشوب "حرب إقليمية"، بعد بدء أثيوبيا أمس تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، إيذانًا بتطور لافت لعملية بناء سد النهضة. إذ رأى سلمان أن "الحرب الإقليمية أمر وارد خصوصا أن هناك قوى سياسية وعسكرية مصرية ترى فيها خروجًا من المشاكل التى تعانى منها البلاد لأنها ستوحّد الجبهة الداخلية المصرية"، فيما نفى عدة مسئولين مصريين أكثر من مرة توجه القاهرة إلى الحل العسكرى لهذه الأزمة.