"قبل عشرين عاماً، ألفت كتاباً عن الشرق الأوسط، وكنت أفكر مؤخراً فى وضع مقدمة جديدة له، والحقيقة كانت ستتلخص هذه المقدمة فى ثلاث كلمات فقط؛ 'لم يتغير شىء' فى الشرق الأوسط"، بهذه الكلمات استهل الكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان مقاله بصحيفة نيويورك تايمز الذى خصصه للتعليق على المسرح السياسى فى الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، حيث تغيرت ملامحه وجوانبه كثيراً، خاصة بعد الانتخابات اللبنانية والإيرانية. ويعترف فريدمان فى بداية مقاله، أنه كان خاطئاً عندما اعتقد أن سياسات الشرق الأوسط لم تتغير، وعلى ما يبدو هبت رياح التغيير ونفضت عنه غبار السنوات الطويلة، التى تخللها الاستبداد والسلبية، ويشير الكاتب إلى الانتخابات اللبنانية، قائلاً إن فوز تحالف 14 آذار، المؤيد للغرب، على حزب الله الموالى لإيران كان مفاجئاً، كما كانت حالة الفوران والهياج، التى اجتاحت الإيرانيين أثناء الحملة الانتخابية لإحداث تغير جذرى فى بلادهم، أمر يدعو للتفاؤل، إلى جانب ما حدث أثناء انتخابات محافظات العراق الماضية، والتى وصفها الكثير من المحللين السياسيين بحجر أساس الديمقراطية فى العراق. ويرى الكاتب، أن هذا التغير الملحوظ كان وليداً لأربع قوى تاريخية اجتمعت معاً لتذيب تحجر هذه المنطقة، القوة الأولى تتمثل فى انتشار التكنولوجيا واسع النطاق، خاصة بين الشباب الذين أصبحوا أكثر انفتاحاً على شبكة الإنترنت، والمدونات، ومواقع الاتصال الاجتماعية، وعالم الاتصالات عبر الهواتف المحمولة. هذه الأداة التقنية الرخيصة ساعدت شباب الشرق الأوسط على التواصل، ومناقشة الأمور السياسية، وانتقاد القادة بحرية أكبر من أى وقت مضى، بعيداً عن سيطرة الدولة، كما مكنتهم من مراقبة الأجواء الانتخابية ومتابعتها. يرى فريدمان، أن القوة الثانية، تتركز على المساحة، التى يمكن أن تتحقق فيها السياسات الأمريكية، ويقول الرئيس الأمريكى السابق، جورج بوش لطالما استقطب كراهية وحقد الكثيرين بسبب سياسته إزاء الشرق الأوسط وحروبه التى لا طائل منها. وعلى الرغم من ذلك، لا يستطيع أحد أن ينكر حقيقة أن الإطاحة بنظام صدام حسين بالعراق عام 2003، وتجهيز الأممالمتحدة للضغط على سوريا للخروج من لبنان عام 2005، قد خلق نوعاً من المساحة ومهد الطريق لسياسات ديمقراطية حقيقية لم يكن ليستشعرها العراق أو لبنان لعقود طويلة قادمة. ثالثاً، قام فريق الرئيس بوش بفتح ثقب فى جدار الاستبداد العربى، ولكنه فشل فى إتمام مهمته، حيث كانت جميع الأحزاب المنظمة بدرجة كافية للاستيلاء على زمام القوى فى دول الشرق الأوسط، إسلامية، مثل حزب الله فى لبنان؛ والقوات الموالية للقاعدة بين العراقيين السنة، والمجلس الأعلى المحالف لإيران فى العراق وجيش المهدى بين صفوف العراقيين الشيعة؛ وطالبان فى باكستان وأفغانستان؛ وحماس فى غزة، ولكن هذه الجماعات الإسلامية بالغت فى فرض أسلوب حياة دينى، وفى جر مجتمعاتهم إلى مسار تصادمى مع أشخاص لم يريدوا النزاع معهم. ويضيف فريدمان، أخيراً ظهرت بادرة الأمل المتمثلة فى الرئيس الأمريكى باراك حسين أوباما، الذى ساعد بشكل أو بآخر الأنظمة العربية والإسلامية على الانقلاب على سياسة جورج بوش، وتكذيب مصداقية كل ما له علاقة بالولايات المتحدةالأمريكية، ولكن قوة أوباما الناعمة أذابت الكثير من هذه المشاعر، وكانت النتيجة أن مصطلح "موالى لأمريكا" لم يعد إهانة كما كان الحال من قبل. ويختم فريدمان مقاله قائلاً، إن الشرق الأوسط خضع لأول مرة لقوى الأخلاق والديمقراطية والتعددية.