كان الزمن الماضى جميلا وبه كثير من القيم التى افتقدناها فى وقتنا الحاضر وهذا ليس بكاءً على الأطلال أو نوعا من "النوستالجيا"، ولكنه واقع وإليك قصة حدثت بين ثلاثة من عمالقة الصحافة والطرب وهم محمد التابعى ومصطفى أمين ومحمد عبد الوهاب وكان التابعى قد هاجم عبد الوهاب فى مقال ولم يعجب ذلك عبد الوهاب الذى اتصل على الفور بصديقه مصطفى أمين وسأله: عاجبك اللى بيكتبه التابعى فى أخبار اليوم؟ فأجابه مصطفى أمين: كل ما يكتبه التابعى يعجبنى، وهذا لا يعنى أننى أوافقه على كل آرائه بل بالعكس أختلف معه كثيراً، ومع ذلك فهو يعجبنى جداً حتى ولو اختلفت معه! فقال عبد الوهاب: ولكن الأستاذ التابعى تجاوز كل الحدود واتهمنى بأننى "أقتبس ألحانى" ولو كان الاقتباس سهلا فلماذا لم يقتبس كل الناس الألحان التى تعجبهم ويقيدون أسماءهم فى الإذاعة ملحنين؟! فقال مصطفى أمين: اكتب الرد اللى يعجبك وأرسله للأستاذ التابعى. فقال عبد الوهاب: المفروض أن أرسله لك أنت. فقال مصطفى أمين: إذا لم ينشره الأستاذ التابعى فيمكنك أن ترسله إلى وأنا أنشره وأنا أراهنك أن الأستاذ التابعى سوف ينشر ما ترسله إليه ولو تخطيت أنا ونشرت ردك عليه لكان فى ذلك إساءة مهنية لا تغتفر. فقال عبد الوهاب: ولكنك لم تطلعنى على ما نشره الأستاذ التابعى قبل نشره. فرد مصطفى أمين: لو كان الذى نشره الأستاذ التابعى خبرًا لأطلعتك عليه وسألتك أن تؤيده أو تنفيه وحتى هذا الحق مقيد بما تراه الجريدة ملائمًا للصالح العام .. أما الرأى فأى جريدة فى العالم غير ملتزمة بأن تطلع عليه المقصود به. روى هذه القصة الموسيقار محمد عبد الوهاب إلى الراحل الجميل الإذاعى ضياء الدين بيبرس وأخبره أنه ازداد احتراما لمصطفى أمين عقب هذه المحادثة لأنه رغم صداقته الوثيقة به إلا أنه رفض أن يسىء إلى زميله وأستاذه التابعى، وأنه بالفعل كتب الرد ولكنه بعد تفكير طويل لم يرسله ورأى أن يستمر فى عمله وينتج ويقدم فنه وأنه عمل بنصيحة قديمة لأمير الشعراء أحمد شوقى أسداها إليه عندما قال له: إن الناقد حين ينتقد فنانا إنما يحتكم إلى الناس وهم وحدهم أصحاب الحق فى أن يقرروا ما إذا كان يجب على الفنان أن يستمر أو يتوقف وإقبالهم على فنه هو الترمومتر! هكذا رأينا أن كل صاحب مبدأ وقيم تزداد قيمته وتطول قامته وليس من يسير مع "الرائجة" وينافق ويداهن! لقد خلد كل من الثلاثة اسمه فى صفحات التاريخ بسبب دفاعه عن معتقداته وإيمانه بقدراته واحترام كل منهم للآخر. فليتنا نتعلم بأن يؤدى كل منا عمله بما يرضى الله وننحى الأهواء الشخصية جانبًا.