أعتقد أن المشهد كان غريبا على بصرى، فخلال يومين تحركت فئة كبيرة من الشعب المصرى، لانتخاب رئيس مجلس إدارة جديد لنادى الزمالك، ومثله لنقابة المحامين، ربما كان المشهد غريبا، لأنى لم أتعود من الشعب المصرى، والاعتذار لكل من يغضب من كلامى هذا، لأنه سلبى، ولا يعبر عن رأيه، يتنازل عن كل حقوقه بسهولة، حتى حقه فى الانتخاب وتقرير مستقبله يضيعه، ويكتفى بالجلوس على مقاعد المتفرجين. ولكن المشهد الذى رأيته، و الذى سجل حضور آلاف المواطنين للانتخاب، شىء مثير للفرحة والسعادة حقا، و يمنح الأمل فى التغيير، و يؤكد على أن هذا الشعب لو تحرك سيفرض إرادته على أى سلطة تقف فى طريقه، فقط نحن نريد أن نتحرك. الغريب فى الأمر أنه قبل أن تبدأ انتخابات نقابة المحامين، كان الكل يتوقع فوز سامح عاشور، النقيب السابق، المدعوم والمسنود والمؤيد من الحزب الوطنى، وعلى هذا الأساس دخل عاشور المعركة، مقتنعا تمام الاقتناع أنه لا صوت يعلو فوق صوت الحزب الحاكم، وأن الحزب سيبقيه على كرسى نقابة المحامين حتى لو اضطر الأمر إلى تزوير نتيجة الانتخابات. لم ير عاشور من منافسيه سوى رجائى عطية، الذى تربطه علاقات قوية برجال السلطة، و لم يضع فى اعتباره مطلقا حمدى خليفة نقيب محاميى الجيزة، خاصة وأن الرجل ليس له أى علاقة بالسلطة، فكان عاشور حسب اعتقادى يفكر فى أن التيار الوحيد القادر على حسم المعركة هو تيار الحزب الحاكم الذى يتمكن من السيطرة على كل شىء. ولكن كما يقولون تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، و ما لا يتوقع البحارة، ففى الساعات الأولى من الانتخابات نجح التيار المستقل فى فرض كلمته بالتعاون مع كتلة الإخوان، الذين دعموا خليفة ليس لأنه يمثلهم، وليس لرغبة منهم فى أن يكون التيار تابعا لهم، ولكن لرغبتهم فى أن يكون هناك نقيب محايد، ينحى السياسة جانبا، ويعمل جاهدا على النهوض بالعمل النقابى، وأكد على فرض كلمة هذا التيار قاض نزيه وهو المستشار فاروق سلطان، الذى أدار عملية فرز وتجميع الأصوات بحياد ونزاهة تحسب له. والحقيقة أيضا أن تصريحات حمدى خليفة نقيب المحامين الجديد، وممدوح عباس رئيس الزمالك الجديد، عقب الإعلان عن فوزيهما، كانت تصريحات فى غاية التحضر، والنزاهة، وإن دلت على شىء فتدل على أن كليهما يريد أن يقدم شيئا ، خاصة حينما أعلنوا عن دعوتهم لمنافسيهم للتواصل معهم من أجل تحقيق مصلحة المحامين ونادى الزمالك. ربما ما حدث خلال الأيام الماضية يدفع بسؤال هام، يلح على ذهنى، هو لماذا لا نشاهد هذا التحرك إلا فى الانتخابات النقابية، وانتخابات الأندية، خاصة وأن مثل هذا المشهد يدل على أن الشعب المصرى يثق فى القضاء الذى يشرف على العملية الانتخابية ويديرها. إذا هل هذا يعنى أن هذه الثقة محدودة، أم سنرى مثل هذه الحشود على نطاق أوسع، للتصويت على انتخاب أعضاء مجلس الشعب فى دورته الجديدة، وانتخاب رئيس جمهورية جديد فى عام 2011، الحقيقة أنى لا زلت فاقد الثقة فى هذا، لأنى أرى أن التحرك محدود، وعلى نطاق ضيق، لأن شعبنا الكريم، لا يرى فى نفسه القدرة على حسم المعارك الكبيرة، فقط يعتقد فى أن قدراته لن تمكنه إلا فى حسم معارك الصف الثانى. و لكن هذا لا يمنع من أن يبقى الأمل، الأمل فى أن إرادة هذا الشعب قد تمكنه من فرض رغبته فى التغيير، إذا قرر أن يتحرك، وأن ينتزع حقه بالسبل القانونية، المعروفة، والمتعارف عليها، نعم قد يواجه صعوبات، ولكنه يستطيع أن يتغلب عليها. ربما لا أرى أى عائق فى تحقيق هذا سوى، قدرتنا على اختيار من يمثلنا، ففى المحامين نجح حمدى خليفة، لأن الغالبية العظمى اتحدوا خلفه، كشخص، وليس لكونه يمثل تيارا سياسيا معينا يريده الشعب، كذلك الأمر فى نادى الزمالك، وهو ما يعنى أن نجاح هؤلاء الأشخاص جاء بفضل ما يتمتعون به شخصيا من صفات حميدة، دفعت الآخرين لاختيارهم ليتولوا أمرهم، ويؤكد أن هذا الشعب لم يعد لديه ثقة فى تيار أو اتجاه بعينه يصوت له ويختاره ليقود مصالحه، وهو ما ظهر بوضوح فى اختيار حمدى خليفة نقيبا للمحامين وممدوح عباس رئيسا لنادى الزمالك، إذ إن كلاهما يتمتع بالاستقلالية، قد يكون هذا التيار أو ذاك قررا أن يدعمه أو يساعده، لكن فى النهاية كلاهما لا يمثل سوى نفسه، ولن يعمل إلا لمصحة الكيان الذى تولى رئاسته. نعم نحن الآن أمام موجة من التغيير، ولكنها موجة تغير محدودة، ومقيدة بكون هذا التغيير الذى حدث على نطاق الصف الثانى من الانتخابات، أثبت من خلاله تفوق التيار المستقل، وانتهاء عصر المتمسحين فى السلطة والحزب الحاكم، ليفرض الراغبون فى الإصلاح والتطوير أنفسهم على الساحة. أتمنى و نتمنى جميعا أن تستمر موجه التغيير، و الأداء الإيجابى للشعب المصرى فى الانتخابات، وأتمنى شخصيا أن يخيب ظنى، وأن تكون المشاركة فى المرحلة القادمة على نطاق أوسع، وأن يثبت الشعب أن أرادته فوق الجميع، وأنه أتى الوقت لكى لا تعلو فيه كلمة فوق كلمة الشعب المصرى، الذى قضى سنوات طويلة خانعا مستسلما، رافضا التعبير أو السعى لانتزاع حقه أو فرض رغبته. و يبقى الحب من السهل أن تكره.. من الصعب أن تحب . للحب طريق واحد، هو الصراحة.. فلا تغامر بنفسك وتحاول الوصول بواسطة طريق آخر . العاشق من يعرف كيف يصل إلى قلب من يحبه، ويتمكن من الحفاظ على هذا الحب.