نعيش الآن حالة من الصمت، ونعجز عن التعبير فيها، ونكمم أفواهنا، ولا نعلم أصبر هذا على الابتلاء ام عجز عن تغييره؟. أصبحنا اليوم فى عالم يسوده العجائز شكلا ومضمونا، أصبحنا اليوم محكومين بالعجائز منصبا ورأيا، ومحكوم علينا بالجنائز والفراق يوما بعد يوم. كم من الشهداء حولنا اليوم، كم من الدموع فاقت كل المشاعر، أو الشعور، أين الشعور؟ كيف يختفى الشعور من بين ضلوع هؤلاء العجائز بأعمارهم، والعاجزين بأفعالهم عن تحمل المسؤليات كيف نرضخ يوما بعد يوم للذل والإهانة، كيف يسيل دماء هؤلاء الشباب كل يوم وكل ساعة بل وكل دقيقة فى مصر، بالفرد والجماعة، عشرات استشهدوا ومئات أصيبوا وحوادث، وحرائق، وخراب وتدمير، وبين كل هذه الأحداث المرصعة بدماء الأبرياء يجلس العجائز ليحكموا شعبا عاجزا عن الرفض، أو أنه لا يملك حقا إلا الرفض فكلاهما واحد فى هذه الحالة الدموية، وبهذا المنطق المتوارى وراء الكراسى والأعراف السياسية. أعراف سياسية مبتورة، لا قدم لها لتسير عليها، ولا عقل لها لتفكر به، لا تستحق سوى أن تلقب بالأعراف، حيث إنها تبنى بالاتفاق والتآلف بين أشخاص مكبلين بقدم السلطة وبرأس المال. إن القوانين لا تحكمنا الآن ولا تبيت معنا، إنها بعيدة كل البعد، وضئيلة كل الضآلة أمام هذه الضوضاء الإعلامية الفارغة، والثرثرة السياسية الركيكة. القبور امتلأت بشباب مصر فى أقل من ثلاث سنوات، وشاشات التليفزيون والأحزاب وجبهات الإنقاذ امتلأت بشعور بيضاء وقلوب لا شعور لها. عجائز بالقول والفعل يرتدون ملابسا موقرة ورابطات عنق خانقة قاتمة تقود أمة تفشى فيها الجهل والرفض والثورة على أنفسها، كلنا اليوم ثائرين على أنفسنا لا على حكامنا. أعلم أنه لا منطق للأشياء، كما أنه لا منطق للأعمار، وأن كل عقل نابع من ذاته، وأن الإنسان لا يحكم بعمره، ولا بلون شعره، أو ترهلات وشحوب وجهه، ولكن الفقدان يأتى بشكل سريع ومتسارع فى إبادة خيرة شباب مصر وقادتها، بشكل أظنه مخطط. وجميعا الآن لا نملك إلا قولا واحدا "كفانا عجائز، وكفانا جنائز".