على الرغم من أضرار القهوة عموماً، سواءً كانت سادة أو سكر زيادة، إلا أننى أقدمت على شربها مع فريق تمثيل عرض قهوة سادة الأشهر حالياً فى مصر. العرض الذى تستطيع أن تشاهده بدموعك وليس عينيك، اكتشفت بعده أننى أشرب قهوة سادة منذ ولدت، إلا أن جرعاتها زادت مع بدايات التسعينيات، أى عندما كنت فى المرحلة الثانوية – مفيش داعى تبقى الإعدادية الصدق أحسن- وأخيراً تأكدت أننى لست وحدى، وأننى لست سوداوية، وأننى لست متشائمة، ولست من زمان منقرض، وأن هناك محتجين، ومعارضين، مثلى. نعم معارضون لشرب القهوة السادة على الدفء الأسرى والعائلى الذى كان، ومعارضون لشرب القهوة السادة على الفن الراقى الجميل القادر على صنع حضارة وإضافة قيمة، ومعارضون لشرب القهوة السادة على الأخلاق وجوهر الدين، ومعارضون لشرب القهوة السادة على شبابنا المهاجر يأساً وموتاً فراراً من الموت، ومعارضون لشرب القهوة السادة على سرقة الإبداع والنضال الوطنى، معارضون لشرب القهوة السادة على أوضاعنا التعليمية، والصحية، والبيئية، والعلمية، معارضون لشرب القهوة السادة على بناتنا اللاتى تظل الواحدة منهن تغنى "أنا هنا.. هنا.. يا بن الحلال" منذ أن تطل الأنوثة على عمرها، وحتى توشك على الانسحاب مع عمرها أيضاً فتضطر للزواج من ابن أى حاجة، أو تلقى ربها بتولا، عفيفة، وقد انقطع عمرها حتى من ولد صالح يدعو لها. فى قهوة سادة الكل كان يشرب القهوة السادة، رغماً عنه، شرباً اضطرارياً لأن كل شىء تقريباً أيضاً يهبط اضطرارياً. فى اسكتشات قهوة سادة ستضحك، ستضحك بدموعك لا لشىء إلا لأنهم يعرضون لك من كل عطفة ومنحنى فى حياتك شر البلية، مستعينين فى ذلك بكوميديا الموقف والحركة والشخصية واللغة، وقد بلغ التهكم ذروته من الجميع، رجال الأعمال، والفن، والدين، والاقتصاد، والثقافة، والفكر. الغريب أن عدداً لا يستهان به من هؤلاء المسئولين قد شاهد العرض، ربما ضحكوا مثلنا، لكنه بالتأكيد ضحكاً لا يماثل ضحكنا، ولا ينبغى أن ينجم عنه رد فعل يماثل رد فعلنا لأننا نحن فقط شاربى القهوة السادة على أنفسنا، فى كل يوم، وكل ساعة، وكل عام، وكل العمر. وفق المنطق – الذى غالباً لا تجد له وجود ولا منطق - لابد أن يثير ذلك فى نفوسهم شىء، أن يحرك ساكن أو سواكن، أو حتى متجمد، أى شىء، المهم أن يتحرك، فتشخيص حالة المصريين على المسرح بهذه البراعة لا تستاهل الفرجة والإعجاب والانحناء والإشادة فحسب . تشخيص حالة المصريين بهذا الفضح، وهذه الجرأة، تستوجب رد فعل، لأن قهوة سادة فعل.. هل سيمتد بنا العمر حتى يحين انقضاء أوان القهوة السادة؟! أم أن سرادق عزاء الوطن سيظل منصوباً لأزمنة أخرى، وربما يضطرنا ذلك لاستيراد القهوة السادة؟! ترى ماذا سيفعل أوباما عندما يشاهد قهوة سادة؟! نتائج كثيرة ستخرج بها بعد مشاهدتك هذا العرض، وستدور برأسك أيضاً تساؤلات أكثر، وربما تعتزم أن تتخذ قرارات أيضاً، عن نفسى سأقاوم بشرب القهوة.. السادة.. "إزاى معرفش" لكننى سأحاول!