لنبدأ الحكاية، كان يا مكان، كان فيه ناس معتصمين عند قصر الاتحادية، قاعدين كافيين خيرهم شرهم وقاعدين فى حالهم، معتصمين ومعترضين على الإعلان الدستورى اللى صدر قبل الاستفتاء على الدستور، ممكن يكون البعض عبر بأسلوب أو برسوم جرافيتى وكان مستفزا للرئاسة أو جماعة الإخوان، ولكنه لم يبرز سلاحا، ولم يستخدم أى عنف، فكانت موقعة الاتحادية التى بادرت بها الجماعات والتنظيمات الإسلامية بالعنف، اعتقادا منهم بأن ذلك سيحمى شرعية الرئيس، واستشهد من استشهد وأصيب من أصيب، ولم يكن ذلك هو بداية موجة العنف، بل كان قبلها التعدى على المنصة فى التحرير وبداية رفض ومحاولات منع أى انتقاد لسياسات وأداء الرئيس. وفى الفترة الأخيرة تصاعدت وتيرة العنف بشكل مقلق فى مختلف المحافظات، وأصبح من المعتاد أسبوعيا أن نسمع أخبارا عن اشتباكات، إصابات، قتلى، اختطاف نشطاء معارضين لجماعة الإخوان وتعذيبهم، إحراق مقرات، ولم يعد غريبا أن نسمع هذه الأخبار كل يوم، بل أصبح من الروتين اليومى أن تكون هناك أخبار عن تظاهرات واعتصامات واشتباكات ومصابين وقتلى. أصبحت هذه الظاهرة مفزعة للجميع، ففى لبنان لم يشعروا بأنهم فى حرب أهلية إلا بعد مرور شهور طويلة على الحرب الأهلية، فقد بدأت أيضا بمناوشات خفيفة بين التيارات السياسية هناك، واشتباكات بين هذا وذاك، وعنف وعنف مضاد، اعتداء وانتقام، ثم تصاعدت الكراهية، وأصبحت مطالب الثأر هى التى تقود. منذ أسبوعين تقريبا كانت هناك وقفة احتجاجية لمجموعة من النشطاء أمام مكتب الإرشاد بالمقطم، وتم التعدى عليهم بشكل سافر وفج، وبرر الإخوان تعديهم على النشطاء والصحفيين بتبريرات عديدة لم تقنع أحدا، فتعديهم الغشيم والعنيف على المتظاهرين والصحفيين ليس له مبرر إطلاقا حتى وإن استفزهم أسلوب المتظاهرين، وتمت الدعوة للمظاهرات الحاشدة أمام مكتب الإرشاد بالمقطم، وتم الحشد والحشد المضاد، جمعة رد القلم، وجمعة الدفاع عن كرامة الجماعة، حشد من هنا وحشد من هناك، وأصبح الخطاب هو «كرامتنا لازم ترجع وحقنا هناخده بدراعنا»، وأصبحت المصطلحات المتداولة يوميا فى الوسط السياسى هى «علمنا عليهم، هانربيهم، هانعمل زى ما عملوا»، وهذه كارثة. بالتأكيد نيران الفريقين تنهال علىّ وتنالنى يوميا وستنالنى لفترات طويلة، ولكن حقى أن أعبر عن رأيى ورؤيتى وإن اعتبرتنى بعض المجموعات خائنا مواليا للإخوان، وإن اعتبرنى الإخوان فى نفس الوقت كافرا ومعاديا للمشروع الإسلامى، ولكن كيف نطالب بحرية الرأى والفكر، وهناك من يمارس الإرهاب الفكرى على المختلف معه فى الرأى!. أرى أن هناك خطأ كبيرا وخطيرا يحدث رغم وقوفى فى المعسكر المعارض لمرسى وجماعته، ولكن انتشار الكراهية والانتقام وجعلهما هما المحرك الرئيسى سيؤدى إلى كارثة، وليس من المنطقى أن تتحول السياسة إلى مجرد عركة، ونعلم عليهم زى ما علموا علينا. الجميع فى وجهة نظرى مخطئ، ولكن الخطأ الأكبر يتحمله من يستحوذ على السلطة ويعاند ويخالف كل وعوده التى قطعها على نفسه قبل انتخابه ويتجاهل أهداف الثورة التى أوصلته للسلطة، فالرئيس وجماعته بإمكانهم وقف كل هذا، والبدء فى إحداث توافق حقيقى فى البلاد يقود نحو استقرار وبناء حقيقى إن تم تنفيذ الوعود التى قطعها على نفسه بدستور توافقى وحكومة توافقية وتطهير للدولة من بقايا النظام الفاسد والابتعاد عن فكرة الغلبة والاستخواذ، فمرسى وجماعته هم من قالوا بأنفسهم بأن مصر أكبر من أن يحكمها فصيل واحد ولكن لا نرى منهم إلا مزيدا من العناد ومزيدا من الطمع. نعم الرئيس وجماعته يتحملون النسبة الأكبر من الخطأ وهم من فى يدهم السلطة والإمكانية الأكبر لوقف ما يحدث من فوضى، وإن كنت ألوم أيضا بعض تصرفات المعارضة التى أنتمى لها ولكن هناك جذور للغضب، فالداخلية بالفعل لم تتغير، وما زالوا يتعاملون بمنطق نحن أسياد البلد والثورة دى كانت نكبة ومش ها تتكرر تانى، هذا ما يقولونه فعليا أمام الشباب وسط حفلات التعذيب والسباب التى تحدث بعد الاعتقالات، فلك أن تتخيل مشاعر شاب استشهد أخوه أو أبوه أو صديقه أمام عينه، ويتابع يوميا الأحكام ببراءة الضباط القتلة وأيضا رموز النظام الفاسد الذى قامت ضده ثورة، أو يسمع بأذنه لواءات وقيادات الداخلية وهم يسبون الثورة والثوار ويتوعدون بتصفيتها، أو يسمع أحد ضباط الشرطة وهو يطلق صوتا بذيئا فى وجه أحد النشطاء، وهو يصيح إحنا أسيادكم وأسياد البلد والثورة دى مش هاتتكرر تانى، ثم يرى أن أهداف الثورة لم تتحقق ويبدو أنها لن تتحقق لأن نفس السياسات ونفس النظام مستمرون، فأين الحل وأين العدل وأين القصاص.. أين الثورة؟ شاركت بنفسى فى وثيقة نبذ العنف لمحاولة العودة للمسار السلمى، ومنع تصاعد العنف رغم علمى بعناد جماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة ورغم تأكدى أن الإحباط واليأس من تحقيق أهداف الثورة هو السبب الأساسى وراء العنف، حاولت بعد اجتماع الوثيقة أيضا مع باقى الزملاء أن نستمر فى محاولات إحداث التوافق والوصول لمخرج سياسى من الأزمة لكى يتوقف الاحتقان، ولكن ما يزال عناد جماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة مستمرا، فما زالوا لا يرون أى أزمات تحدث فى مصر، ويعتبرون كل معارضيهم أقلية لا يجب أن يتم الاهتمام بهم، وإن كل ما يحدث هو زوبعة يجب أن يقابلها عناد أكثر وحزم أكثر حتى تنتهى ويتم استقرار الأمر ولو على جثث العشرات أو المئات من الشباب. أما السذج المراهنون على الجيش فهم واهمون، فالعسكر أخذوا مصالحهم، ولن يتدخلوا لأن لا أحد يتدخل فى مصالحهم، ونفس الحال مع الداخلية التى أصبح ولاؤها بالكامل للرئيس الذى كرم قياداتهم، ويشيد بهم فى كل مناسبة، والنائب العام الخاص باق رغم أحكام القضاء ورغم اعتراض القضاة أنفسهم. إلى أين تسير مصر؟، هذا العناد سيزيد من الكراهية والاحتقان والعنف، أليس بينكم رجل رشيد؟