" الرياضة لا تختلط بالسياسة " .. جملة شهيرة يرددها الرياضيون دائماً مؤكدين على أن المنافسات الرياضية تنأى بنفسها في المعتاد عن أي صراعات سياسية , ويظهر حرص شديد من المسؤولين الرياضيين في العالم وعلى رأسهم مسؤولو الإتحاد الدولي لكرة القدم FIFA على هذا الأمر إدراكاً منهم لخطورة وصول الصراعات السياسية لملاعب الرياضة ، لكن أحياناً ورغم هذا الحرص يصبح الأمر خارجاً عن السيطرة ويصعب تجاهل بعض الأحداث السياسية التي تقتحم ملاعب الرياضة رغماً عن أنف الجميع . وأعلن الإتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFA عن قراره بتوجيه قرعة دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا لتجنب مواجهات بين الأندية الروسية ونظيراتها الأوكرانية وبالتحديد ناديي زينيت سان بطرسبرج الروسي ودينامو كييف الأوكراني بسبب التوتر السياسي بين البلدين والذي أدى لاقتحام عسكري روسي للأراضي الأوكرانية واحتلال شبه جزيرة القرم . وأعاد ذلك الموقف للأذهان العديد من الأزمات السياسية التي أجبرت الرياضيين على الاستسلام لها والتعامل مع تبعاتها في ملاعب الرياضة , وكان أبرزها متعلقاً بالعاصمة الروسية موسكو أيضاً بعد إحدى أشهر الأزمات السياسية التي اقتحمت مجال الرياضة عام 1980 . وعقب الاجتياح العسكري السوڤيتي لأفغانستان عام 1979 هدد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر علانية في يناير 1980 بامتناع بلاده عن المشاركة في أوليمبياد موسكو إذا لم تنسحب قوات الإتحاد السوڤيتي من أفغانستان واستجابت العديد من دول العالم للأمر وقررت 65 دولة على رأسها ألمانياالغربية , الصين , الأرجنتين واليابان مقاطعة أوليمبياد موسكو وكان من بينها عدداً كبيراً من الدول العربية مثل مصر , السعودية والمغرب كما أعلنت بعض الدول رفضها للمشاركة لكنها منحت الرياضيين المنتمين لها حرية اتخاذ القرار مثل بريطانيا , فرنسا وأستراليا وهو ما أدى لتقليص بعثاتها إلى جانب منع الرياضيين المنتمين لتلك الدول من رفع أعلام بلادهم في الاحتفالين الافتتاحي والختامي . ويعد أحد أبرز أمثلة التأثير السياسي على المشاركات الرياضية هو موقف الكيان الصهيوني والذي انضمت اتحاداته الرياضية وعلى رأسها اتحاد كرة القدم للقارة الأوروبية رغم تواجد الأراضي المحتلة جغرافياً في قارة آسيا , وذلك بسبب مقاطعة جميع الدول العربية والإسلامية للكيان الصهيوني رياضياً . وكان المنتخب الصهيوني يشارك في البطولات الآسيوية منذ تأسيسه إلا أنه واجه العديد من المواقف الصعبة بسبب الرفض العربي والإسلامي للتطبيع مع الكيان الصهيوني , وكان أحد أبرز تلك المواقف تصدره للتصفيات الأفروآسيوية المشتركة المؤهلة لكأس العالم 1958 دون أن يلعب مباراة واحدة لانسحاب جميع منافسيه في القارتين وهو ما دفع الاتحاد الدولي لكرة القدم لتغيير القواعد وتنظيم مباراة إضافية بين منتخب الكيان الصهيوني ومنتخب ويلز حتى لا يتأهل منتخب لكأس العالم دون أن يلعب أي مباراة بالتصفيات وفاز منتخب ويلز بتلك المواجهة وتأهل لمونديال السويد ، واستمرت معاناة المنتخب الصهيوني حتى وصلت لمداها في السبعينيات والثمانينيات عندما تنقل في التصفيات المونديالية بين اتحادات أوروبا وأمريكا الجنوبية وأوقيانوسيا قبل الانضمام نهائياً للإتحاد الأوروبي لكرة القدم عام 1994 . واحدة من أبرز الأزمات السياسية التي اقتحمت ملاعب الرياضة كانت أزمة حرب الفوكلاند بين بريطانياوالأرجنتين والتي اندلعت قبل انطلاق كأس العالم 1982 في إسبانيا والذي شهد مشاركة 3 دول بريطانية هي إنجلترا , إسكتلندا وأيرلندا الشمالية بخلاف المنتخب الأرجنتيني حامل اللقب وهو ما دفع وزير الرياضة البريطاني نيل ماكفرلين لمناقشة انسحاب المنتخبات البريطانية من كأس العالم 1982 بسبب المقاطعة الرياضية البريطانية للأرجنتين قبل تدخل الاتحاد الدولي لكرة القدم والضغط لإنقاذ الموقف والتعهد بفصل كامل بين المنتخبات البريطانية ومنتخب الأرجنتين . للتواصل مع الكاتب اضغط هنا