ما أسوأ أن تعيش الغربة وأنت بين أهلك ووسط أرضك التى عشت فيها أغلب حياتك ما بين قهر وظلم، واعتياد على التسلط، واستعداد لمزيد من القهر المتوالى، وتنبأ تلقائى بالأسوأ!، ما أهونها من حياة تلك التى أمست وأضحت كابوسًا دائمًا يخشى المتعب أن ينام فيداهمه، ولا يجد مخرجا سوى مزيد من الأرق، للأسف صارت الحياة فى مصر هكذا، مكابدة ومعاناة، وهَمّ يومى وشقاء للتحايل على لقمة العيش أو بلغة البسطاء «تقضية اليوم»، وكأن الحياة صارت نقمة، وليست هبة من الله سبحانه. ثم تجد بعد ذلك من يتساءل بكل بلاهة، ويقول لماذا يثور الناس! ببساطة لأن الحياة صارت مرادفة للموت، وأشد قسوة منه فمن يبالى إذن بالموت إن أتى!، هيمن اليأس على الكثير بعدما تحول الوطن لشبه قبيلة بها الأهل والعشيرة فى المرتبة الأولى، ثم تبعهم الموالى والحلفاء، وخدم كل العصور، ومنافقى كل غاصب أو طاغية، واضُطهدت البقية، ودخلوا فى عداد العبيد الآبقين الكفار، طبعًا أتحدث عن من يشعرون، ويفكرون، ويغضبون، ويثورون، ويتألمون لكرامتهم وكرامة غيرهم، أما من ارتضى لنفسه الهوان، ولغيره الظلم قطيعى الهوى والهوية تجده دائمًا ما يردد «الاستقرار الاستقرار» حتى ولو كان معناه الخنوع، والإنتهاك، والرضا بالمهانة، والبعد عن قيمة الإنسانية التى كرمها الله عن سائر خلقه! لذا فمن يطلق عليهم القطيع، هذا اللفظ المانع الذى خرج تلقائيًّا من عامة الأحرار تجاه فصيل معين ألغى عقله، وقبل بالدنية فى نفسه، ووطنه، ودينه، وإنسانيته، وخان كل معنى نبيل، لفظ عبقرى منصف جامع مانع لهم. والقضية الآن ليست قضية مطالب سياسية أو مطامع إدارية أو غيرها بالنسبة للثوار، القضية الآن هى معنى الوطن! هل ستبقى مصر وطنًا لمن يحكم فقط، وجماعته، وشقة للإيجار فى دولة صحراوية يُستعبد فيها المغتربون على يد الكفيل؟ القضية الآن ليست مجرد فقر أو معاناة معيشية فقط، بل تعدى ذلك لمعنى الوطن، والحق فيه، والمساواة بين أهله، وجميعهم، وليس أهل وعشيرة الحاكم، الثورة الآن هى مرادف للوطن، وقيمته، وأبعاده، وحدوده، ومعناه العام للجميع والخاص للفرد. لك الخيار إذن أن تقبل بمنطق العشيرة، والأهل، والقبيلة، ودرجهم السحرى بالنفاق أو الاتفاق أو الموالاه والجبن، أو أن تثور دومًا، وتجاهد، وتكابد لاستعادة معنى الوطن، ومرادفه من الحرية، والتحرر، والفكر، والقيم والإنسانية، والكرامة، والتدين الحقيقى القائم على الإخلاص لله تعالى، وتنزيهه عن الجماعة أو الشيع أو غيرها، لك فى الثورة حياة، لكنها حياة بمعناها الحقيقى كما أرادها الله لك، وليس كما يرضاها لك المستبد.