بعد ثلاثة أشهر من اعتقاله سمع بنبأ وفاة شقيقه الأكبر حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.. لا يزال يتذكر هذه اللحظات رغم مرور 63 عامًا على هذه اللحظة الفارقة.. إنه الكاتب والمفكر الإسلامى جمال البنا الذى التقت به «فيتو» ليروى ذكريات أسرة البنا عقب اغتيال الإمام. فإلى نص الحوار: فى 12 فبراير 1949 اغتيل الإمام حسن البنا أمام جمعية الشبان المسلمين.. فما هى تفاصيل الاغتيال؟ اغتيال الإمام حسن البنا كان مدبرًا منذ البداية، فبعد صدور"وثيقة الحل" أى قرار حل جماعة الإخوان المسلمين فى 8 ديسمبر1948 بدأت حملة الاعتقالات بالجملة، وكان أول المعتقلين شقيقى عبد الرحمن وأنا، وتم اعتقالنا فى ليلة الحل وبعدها بحوالى أسبوعين تم اعتقال الشقيقين محمد وعبد الباسط وسحبوا السلاح المرخص من الإمام الشهيد، وقطعوا التليفون وانتشر المخبرون حول المنزل لاعتقال كل من يزوره، واتصل الإمام بالمسئولين وقال لهم "أنتم عاملنى مصيدة لتعتقلوا كل من يحاول زيارتى..اعتقلونى أنا"، وبعد ذلك توالت المفاوضات بينه وبين الحكومة للإفراج عن المعتقلين الذين كانت لهم مطالب منها تسليم محطة الإذاعة السرية التى أنشأها سعد جبر، وهو من أفراد الجماعة حيث كان محمد الليثى سكرتير قسم الشباب بالجمعية هو الوسيط.. وفى الليلة المشئومة حضر إلى منزل الإمام شخص لا يعرفه وقال له: أنت على موعد مع زكى على باشا وزير الدولة، الذى يمثل الحزب "الوطنى" فى الوزارة، بعد المغرب لتسوية الأمور فى مقر الجمعية، وهنا قال له عبد الكريم منصور المحامى وزوج فوزية شقيقة البنا: بلاش تروح دول لازم مدبرين شىء، فقال: خليك أنت، أما أنا فلازم أروح وأشوف حل للناس المعتقلين فى السجون، ويعنى هيعملوا فىَّ إيه.. هيقتلونى.. الأعمار بيد الله. هل تمت المقابلة.. ومن كان معه من الأسرة؟ تمت المقابلة، ولم يكن معه من الأسرة سوى عبد الكريم، وصلى الإمام العشاء وخرج حوالى الساعة الثامنة مساء، وكان النور فى شارع الملكة نازلى(رمسيس) مطفأً، ولم يكن هناك إلا تاكسى واحد، فلما رآهما السائق على باب الجمعية ينتظران تاكسى، تحرك نحوهما،وعندما ركبا اتجه إلى التاكسى شخصان ملثمان يرتديان ملابس بلدية، وانهالا عليهما الرصاص من كل اتجاه، وفر الجناة وقام سائق التاكسى بنقلهما إلى الإسعاف، ثم إلى قصر العينى وجاء قضاء الله. كيف استقبل بيت الإمام خبر الوفاة؟ ذكرت فوزية البنا شقيقة الإمام أنه تم إذاعة خبر الوفاة فى الساعة الحادية عشرة، ولحظتها كنت أنا من ضمن المعتقلين فى سجن الطور، فقد طلبوا الوالد رحمه الله لمقابلة أحد المسئولين فى المحافظة، وعندما دخل إلى الضابط، قال له: أنتم لكم مدافن، وكان رحمه الله لا يعلم بما حدث» فكان رده: "عملتوها.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. نعم عندنا مدفن، فقال الضابط: أعطنا العنوان وسيتم الدفن فى الصباح الباكر، وطلب والدى أن يخرج الشهيد من بيته، فقال له الضابط: وما الفائدة.. أولاً ممنوع عمل صوان وممنوع تشييع الجنازة، وأن أحدًا لن يحضر العزاء، فقال له "لتراه أمه وأولاده" وهنا اقتنع الضابط. يقال إن والدة حسن البنا تنبأت بخبر وفاته؟ نعم.. ففى أحد الأيام وكانت والدتى جالسة مع فوزية قالت لها بهذا اللفظ :"تعرفى يا فوزية هما سايبين أخوكى ليه عشان يقتلوه ويعتقلوا كل من يحضر العزاء" وجاء ذلك بعد حملات الاعتقال على جماعة الإخوان المسلمين، بعد وثيقة الحل فى ديسمبر 1948.. وفعلاً هذا ما حدث فقد حاصر البوليس قصر العينى والسكة الحديد، وفى ليلة اغتياله تم اعتقال المئات من الإخوان. وكيف استقبلت الجماعة هذا الخبر داخل المعتقل؟ - كان لدى مصطفى مؤمن، وهو أحد المعتقلين معنا داخل سجن الطور راديو يخفيه عن عيون العساكر، فقد سمع خبر الوفاة ليلاً فى محطة صوت الملكة ولم يبلغنا فور سماعه وتركنا نائمين، وفى الصباح أبلغنا الضباط بالخبر بطريقة فيها نوع من تجرد المشاعر وكأن شيئًا لم يحدث. نساء الأسرة هن من حملن نعش الإمام.. فكيف كان مشهد الجنازة؟ كان كل رجال الجماعة فى المعتقل، وخرجت الجنازة من المنزل وحولها العساكر والضباط المسلحين ولم يكن فيها رجال سوى الوالد والباقى والدته وزوجته وأولاده الصغار وأخوته البنات، ويقول واحد من الإخوان فوجئت فى الفجر بسيدة أتت إلى من طرف أحد أصدقائى، وتقول لى أنا قادمة من عند الشيخ البنا وضرورى تذهب إلى المنزل عشان هيصلوا "صلاة الجنازة" على حسن البنا، وحين جاء إلى المنزل لم يجد أحدًا سوى والده ونساء الأسرة.. وصلوا على الإمام فى مسجد قيسون، وكان أمام المسجد سيارة نقل الموتى وبعض التاكسيات وبعد الصلاة وضعوا النعش فى السيارة ومعه الوالد والوالدة والباقى استقل التاكسيات، وكانت العربات المصفحة واقفة على جانبى الطريق وكان بين كل عسكرى والآخر أقل من مترين، إلى أن وصلوا المقبرة بالإمام الشافعى ولم يتركه الضباط ونزلوا معه إلى داخل المدفن، وبعد الانتهاء من الدفن تركوا عددًا كبيرًا من العساكر على باب المدفن لمراقبة من يذهب لزيارته واعتقاله. وظلت العربات المصفحة بالقرب من البيت أكثر من أسبوع بعد الاغتيال، وعندما ذهبت الشقيقة فوزية فى اليوم التالى للجنازة إلى زوجها عبد الكريم فى المستشفى صاحبها بعض الضباط، وقال لها أحدهم "تعرفوا إن المصفحات هذه لم تخرج من بعد الحرب العالمية الثانية إلا فى هذا الحادث". ماذا يمثل حضور مكرم عبيد للجنازة؟ مكرم عبيد لم يحضر الجنازة، فقد منعه البوليس من القدوم، ولكنه حضر إلى البيت فى المساء وقدم العزاء للوالد والأسرة وهو الوحيد الذى قدم لنا العزاء. وكيف استقبلت مصر المدنية (الأحزاب السياسية) خبر وفاة الإمام؟ كان هناك نوع من التجاوب، فقد حاول حزب "الوفد" و"جريدة المصرى" نشر الخبر ولكن صُودرت الطبعة الأولى من "جريدة المصرى"، حيث كان بالخبر رقم السيارة التى هرب بها الجناة، وذلك لأن الأستاذ البنا كانت علاقاته طيبة جدًا مع كل الناس، فكانت له صداقة شخصية مع مصطفى أمين، ولكن لم تستطع الأحزاب فعل أى شىء، ففى ذلك الوقت كانت الأحكام العرفية مفروضة إعلانًا للحرب على إسرائيل، وفى ظل هذه الأحكام لم تجرؤ أى جريدة على كتابة أى شىء. ما هو موقفك من أوراق الإمام التى لم تنشر بعد؟ أوراق حسن البنا أوراق عامة، لأن الأستاذ كان شخصية عامة وكل شخصية تتمتع بذلك للمجتمع حق فيها، فمن لديه أى أوراق خاصة بالأستاذ يحاول أن ينشرها ويثبت وجودها، فهذه الأوراق مفيدة جدًا لأن بها لمسات خاصة بالمجتمع، وسوف تكشف لنا تاريخًا سريًا لم نعرف عنه شيئًا.