«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات "فوزية" شقيقة حسن البنا

المؤكد أن «وحيد حامد» كان فى موقف لا يحسد عليه عند تصديه للكتابة عن جماعة الإخوان المسلمين خصوصاً أن ما يعرض حالياً هو الجزء الأول من العمل الدرامى الذى يتناول نشأة «الجماعة» وبالطبع تتطرق الأحداث لسيرة مؤسسها «حسن البنا».. فكم ما كتب عن شخصية «البنا» وظروف التأسيس وغيرها من كتابات اختلفت فى وجهات النظر أو تغاضت أو أسهبت فى ذكر وقائع مختلف عليها حول شخصية «حسن البنا».. فهذا الكم الهائل من الكتابات وضع «وحيد حامد» فى مفترق طرق وحثه على البحث الدءوب، وبالطبع كانت له رؤيته الخاصة فى التركيز على وقائع بعينها وإغفال أخرى قد تكون مهمة لكن لا تغير عمله الدرامى! ما يلى جزء من مذكرات عائلة البنا، كما ترويه «فوزية البنا» شقيقة «حسن البنا»، والمؤكد أنها أسهبت فى الحديث عن شقيقها وتروى حادثة اغتياله وغيرها من الوقائع والتى كانت قد كتبتها عقب عليها شقيقها «جمال البنا» بعنوان «ذكريات فوزية البنا بقلمها» والصادرة عن دار الفكر الإسلامى عام 2009.
«فوزية» كانت مطبوعة على الحياء وكانت تنفر أشد النفور من كل صور الاختلاط، وكانت نموذج المرأة «ربة البيت» وهو النموذج الذى تؤمن به وترتاح إليه، فلم تكن الأحداث السياسية لتعنيها ولكن.. هذه الأحداث فرضت نفسها عليها.. هكذا أعطى المفكر جمال البنا صورة عامة عن شقيقته فوزية الأخت الصغرى لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وزوجة أحد الأقطاب الإخوانية الدكتور عبدالكريم منصور الذى رافق حسن البنا فى حادث الاغتيال، والتى حملت مذكراتها أبعاداً أخرى فى شخصية هذا الرجل الذى فر من مصر بعد تضييق الخناق على الإخوان إبان المواجهة مع الثورة والرئيس جمال عبدالناصر - ذاهباً إلى السعودية ومنها إلى السودان ثم عودته مرة أخرى إلى السعودية وتكونت له ثروة ضخمة ولم تنقطع صلته بالإخوان وكان يتبرع «لأحمد سيف الإسلام» عندما دخل الانتخابات بمبالغ سخية، والعديد من التفاصيل والأسرار حملها كتاب ذكريات فوزية البنا بقلمها وتعقيب جمال البنا والصادر عن دار الفكر الإسلامى.
الإخوان المسلمون كانوا جزءاً رئيسياً فى حياة فوزية البنا التى تروى ذكرياتها عن طفولتها وتقول «أذكر مرة اجتمعت جميع شعب الإخوان من البلاد وكانت إمكانيات الجمعية لا تسمح بالحجز فى الفنادق، فقرر إخوان القاهرة أن كل «أخ» يستضيف فى منزله عدداً من الضيوف بقدر إمكانياته إلى أن يتم توزيعهم جميعاً، ويبدو أن نصيبنا كان عددا أكبر لأننا كنا نعمل أكل كتير وأصناف متعددة.
وتضيف: كان الإخوان كل صباح يجتمعون فى أحد المنازل ويخرجون سوياً لنشر الدعوة وزيارة بعض الأماكن وأذكر مرة سمعنا أنهم سيذهبون إلى الهرم، فطلبنا من الشقيق عبدالباسط أن يأخذنا معهم أنا وجمال، وفعلاً أخذنا وكنا نسير فى المقدمة.. تحت العلم، وكان الشقيق عبدالباسط يقف أمام المقاهى والأماكن المزدحمة ويهتف بأعلى صوته «الله أكبر.. ولله الحمد.. جمعيات الإخوان المسلمين بالقطر المصرى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر» ويتكلم عن الدعوة وكان يرتدى ملابس الجوالة، أما طريقة المواصلات فكانوا يركبون المواصلات العادية فلم تكن عندهم سيارات خاصة فيذهبون إلى أول محطة الترام أو الأوتوبيس ويركبون عربة أو اثنتين حسب ما يتيسر لهم، وكان معنا كرة وعند الهرم أخذنا نلعب بها أنا والشقيق جمال، وكان الشيخ الباقورى جالساً وإذا بالكرة تضرب فى جبهته وتنزل فى حوض أبو الهول.
فوزية البنا عاشت مرحلة قبل الزواج محافظة دون أن ترتدى الحجاب والتحقت بدراسة التدبير المنزلى وتروى فى مذكراتها أنها لم تكن تغادر شقة الأسرة فى سفر إلا قليلاً المرة الأولى عندما سافرت هى وجمال البنا إلى بلد «شمشيرة» عندما حدثت الغارات الجوية على القاهرة فى أوائل الحرب العالمية الثانية، وتقول: قضينا قرابة أسبوع ولم نشعر براحة وعدنا ولكن تنقلات الشقيق عبد الباسط الذى التحق بخدمة البوليس فى مختلف بلاد الجمهورية أتاح لى فرصة السفر على الأقل مرتين الأولى فى فاقوس والثانية فى الإسكندرية.
وفى كل مرة حرصت «فوزية» على التقاط الصور التذكارية وتروى قصة اثنتين منها إحداهما وهى تركب «حصان الحكومة» فى فاقوس التى كان نقل إليها «عبد الباسط البنا» والأخرى فى الإسكندرية عندما نقل عبد الباسط إليها وعين مأموراً للرمل وكانت فوزية أحضرت معها ابنة أخيها الأكبر «حسن البنا» «وفاء» والتى يقول عنها عمها جمال البنا هى جدة الآن لأكثر من عشرة كلهم يحملون الجنسية السويسرية وكان يمكن أن تكون هى نفسها سويسرية لولا أنها آثرت الاحتفاظ بجنسيتها المصرية رغم إقامتها فى جنيف من أواخر خمسينيات القرن الماضى.
«فوزية» كانت هدفاً لكل الآملين فى الزواج من شباب الإخوان باعتبارها أخت المرشد وكان أحدهم هو عبد الكريم منصور الحاصل على ليسانس الحقوق من جامعة ليون ولم يكن ميسور الحال وقتها ورفضه شقيقها «محمد» لكن حسن البنا هو الذى أتم الزواج.
تروى «فوزية» فى مذكراتها تلك الواقعة بقولها فى يوم سمعت شقيقى جمال يقول لشقيقى محمد الحاج عبد الكريم كل يوم يكلمنى ويسأل عن الموضوع الذى كلمتك عليه، فيقول له محمد مش موافقين.. بلغ كده وأنا لا أدرى على أى شىء يتكلمان ولكن «جمال» أخبرنى أن رجلاً تقدم لخطبتى وتخيلت أنا الحاج هذا رجلاا عجوزا، ولكن جمال أخبرنى أنه شاب ولكنه رجعى فقلت له يعنى إيه رجعى؟ قال متمسك بالدين ومتشدد، فقلت له طب كويس ولكن عبد الكريم تمكن من الاتصال بالمرشد ونال موافقته المبدئية وتم الزواج.
وتقلب «فوزية البنا» فى أوراقها وتفتح خزانة ذكرياتها لتصل إلى أصعب مراحل حياتها والتى اسمتها أيام «الفزع والشقاء» وكتبت تقول: صدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين فى 8 ديسمبر 1948 وبدأت حملة الاعتقالات بالجملة، وأول المعتقلين من العائلة كان الشقيقين «جمال»، «عبد الرحمن» وبعدهما بحوالى اسبوعين أعتقل الشقيقان الآخران «محمد» و «عبد الباسط» وسحبوا السلاح المرخص من الإمام الشهيد وقطعوا التليفون عنا وانتشر المخبرون حول المنزل لاعتقال كل من يزوره، فاتصل المرشد «حسن البنا» بالمسئولين وقال لهم أنتم عاملنى مصيدة لتعتقلوا كل من يحاول زيارتى.. اعتقلونى أنا وفى أثناء هذه المدة كان زوجى يختفى ليكتب مذكرة ببطلان الحل.
ولما علم «عبد الكريم» بذلك وأن المرشد أصبح وحيداً ظهر ليكون بجانبه فقال له دعنى يا «عبد الكريم» والله معى واذهب أنت إلى أخيك فى الصعيد فرفض أن يتركه فطلبت من زوجى السفر لكنه رفض وقال لى سأبقى مع المرشد ولو أحد حاول الاعتداء عليه فسأدافع عنه، أما والدتى فكان تعليقها تعرفى يا فوزية هم سايبين أخوكى ليه علشان يقتلوه ويعتقلوا كل من يحضر للعزاء.
وتتذكر فوزية ليلة اغتيال شقيقها الأكبر «حسن البنا» وتقول فى هذه الليلة حضر إلى منزل الإمام الشهيد شخص لا يعرفه وقال له أنت على موعد مع زكى على باشا بعد المغرب لتسوية بعض الأمور فى جمعية الشبان المسلمين، وقال له عبد الكريم بلاش تروح دول لازم مدبرين شىء قال خليك أنت أما أنا لازم أروح وأشوف حل للناس المعتقلين فى السجون ويعنى حيعملوا فيا إيه ؟ يقتلونى الأعمار بيد الله. وتمت المقابلة وصلى العشاء وخرج حوالى الساعة الثامنة وكان عبد الكريم ينتظره وعندما وصلا إلى باب الشارع لاحظ عبد الكريم أن الشارع مظلم فقال له الدنيا ضلمه ليه مع إن الساعة لسه ثمانية فقال له يا راجل الشارع نور والدنيا نور.
لم يكن هناك إلا تاكسى واحد فلما رآهم السائق على باب الجمعية ينتظرون تاكسى تحرك فأشار إليه وعندما ركبا اتجه إلى التاكسى شخصان وأطلقا عليهما الرصاص، ونزل السائق تحت المقعد فقد كان متفقا معه على ذلك وبعد أن فر الجناة قام السائق وذهب بهما إلى الإسعاف، وفى الإسعاف طلبا أن يذهبا إلى مستشفى خاص فرفض الإسعاف وحولوهما إلى قصر العينى وكان الإمام الشهيد يقول للأطباء اسعفوا عبد الكريم أولاً أنا كويس وعبد الكريم يقول اسعفوا الأستاذ الأول ولكنهم نفذوا غرضهم وتركوا عبد الكريم.
جنازة «حسن البنا» تصورها فوزية أنها خرجت من المنزل وحولها العساكر والضباط مسلحين ولم يكن فيها رجال سوى والده ووالدته وزوجته وأولاده الصغار وشقيقتى وأنا، والنساء من عادتهن النواح والندب ولكننا كنا نصرخ بالدعاء وبعد الصلاة وضعوا النعش فى السيارة الكبيرة ورأينا العربات المصفحة واقفة على جانبى الطريق والعساكر بين كل عسكرى والآخر متران إلى أن وصلنا المقبرة بالإمام الشافعى ولم يتركوه الضباط ونزلوا معه إلى داخل المدفن وتركوا عدداً كبيراً من العساكر على باب المدفن لمراقبة من يذهب لزيارته واعتقاله وفى المساء لم يحضر للعزاء سوى مكرم باشا عبيد ويومها أحد الضباط قال لنا تعرفوا إن المصفحات هذه لم تخرج بعد الحرب العالمية الثانية إلا فى هذا الحادث.
تكمل فى الصباح التالى للجنازة حصلت على إذن بزيارة زوجى بعد معاناة وعند باب المحافظة وجدنا سيارة بوليس فى انتظارنا بها ضباط وعساكر ومخبرون وساروا بنا إلى قصر العينى فوجدت زوجى فى حالة سيئة جداً ويعانى من آلام شديدة وكانت إصابته كسرا فى المرفق فى يده اليمنى وزجاجة دخلت وخرجت دون عملية تحت السرة قرب المثانة فوضعوا يده فى الجبس بطريقة مؤلمة جداً وشدوها خلفه وعند خروجى من عنده مسك بيدى وقال هاتى لى دكتور بسرعة أحسن حيموتونى والمخبرين والعساكر اللى على الباب الأوضه بيخشوا بالليل يخوفونى.
وتستمر فى السرد قائلة: الضابط أخذ منى تصريح الزيارة وقال هى مرة واحدة فقط، وكنت عرفت أن اللذين قاما بإجراء العملية للمجنى عليهما هما الدكتور عبدالله الكاتب وأحمد الزنينى ففكرت بالذهاب إلى زكى على باشا وكان وزير دولة ليتوسط لى فى موضوع الزيارة، وذهبت إلى منزل زكى باشا وبعد ألف سؤال من العسكرى اللى على باب فيللته والاتصال بالداخل سمح لى بالمقابلة وشرحت له الموضوع، وكل ما رأيته فى قصر العينى وطلبت منه التوسط للسماح بالزيارة فسألنى تعرفى اسم الدكتور الذى قام بإجراء العملية فأجبته الدكتور أحمد الزنينى، وكان يعرفه، وأعطانى كارت توصية له، وسألت عن منزله وذهبت له فرحب وقال: أنت لسه صغيرة والناس بيقولوا إن قصر العينى هم اللى موتوا أخوكى فلا تصدقوا هذا الكلام، الدكتور يؤدى اليمين بأن يكون مخلصاً فى عمله ويراعى أرواح المرضى، وإن شاء الله بكره الساعة التاسعة انتظرى فى استعلامات قصر العينى وسأحضر وأتفاهم مع مجاب بك المدير ليسمح لك بالزيارة.
وتكمل فوزية البنا: بالفعل حضر فى الميعاد وصعدت معه، لكن لم أدخل معه وسمعته يقول للمدير بانفعال لابد لها من زيارته، ويكفى أن كل الناس بيقولوا إن حسن البنا كانت إصابته طفيفة وأن الدكاترة فى قصر العينى قتلوه وقطعوا له شريانا تسبب فى الوفاة، وبعد مناقشة طويلة سمح المدير بالزيارة لى يوما بعد يوم ولم يسمحوا بزيارة أمه أو إخوته وبعد حوالى شهر طلبت الخروج من قصر العينى، وإننا سنكمل العلاج عند الدكتور أحمد المنيسى فى عيادته.
وتنتقل «فوزية البنا» إلى مرحلة ما بعد سقوط حكومة إبراهيم عبدالهادى - بداية الإفراج التدريجى عن الإخوان، وكيف بدأ زوجها عبدالكريم منصور فى إعادة ترتيب أوراقه ومعاودة مزاولة المهنة ودعمه الإخوان المسلمون وكانوا يوكلون له قضاياهم باعتباره الرجل الذى امتزج دمه بدم حسن البنا.
وكتبت عن هذه الفترة تقول: فى يوم فوجئنا بسقوط حكومة إبراهيم عبدالهادى وتبدل الحال إلى أحسن وبدأ الإفراج عن المعتقلين بالتدريج، وانقطعت زيارة الضابط كل يوم خميس، وشعرنا ببعض الحرية، وكان لابد لزوجى أن يعمل وفكر فى المحاماة، ولكن أين المكتب؟ وأين المصاريف؟ وكانت لنا جارة لها قضية صغيرة وطلبت أن يحضر لها هذه الجلسة معه أول جلسة صدر الحكم لصالحها وأعطتنا جنيه أتعابا، وفرحنا به وكان هذا الجنيه يعادل مائة جنيه فى نظرنا، ولم تمض فترة طويلة حتى اشتهر اسم عبدالكريم منصور وحضر الإخوان من الصعيد ومن بحرى ليروا الرجل الذى امتزج دمه بدم الإمام الشهيد حسن البنا، وبعضهم عندهم قضايا وطالبوه بالدفاع فيها وقدم أتعابا لا بأس بها، مما شجعنا على فتح مكتب فى شارع الأزهر ومعه السكن، وعشنا هذه الفترة الأولى.. عيشة التقشف لأننا كنا نترك معظم الأتعاب للتأثيث ونعيش بالقليل وكنا سعداء وأصبح بالمكتب عدد من المحامين تحت التمرين وكان المكتب ناجحا جدا.
وفى سنة 1954 انقلبت الثورة على الإخوان وبدأت حملة اعتقالات كبيرة لأفراد الإخوان وانتشرت المخابرات فى كل مكان وطلب أحد المعتقلين وهو القاضى عبدالقادر عودة زوجى للدفاع عنه، وكان ينظر للأمور من زاوية بعيدة ويتوقع بعض الأشياء التى كانت تستحق، فاحتار بين أن يذهب للدفاع عنه أو لا يذهب، وأخيرا ذهب إلى والدى واستشاره فى الموضوع وشرح له تخوفه، فقال له توكل على الله، واذهب لمن استجار بك ولا تتخل عنه، وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، والله حافظك إن شاء الله، وكان المعتقل فى السجن الحربى فلما ذهب إليه ورآه بعض الضباط، قالوا له أنت لسه عايش على وش الدنيا، أنت حقك تكون مع عبدالقادر عودة دلوقتى، ولم يمكنوه من مقابلة الشخص الذى ذهب من أجله، فخاف وتسلل من السجن راجعا وقرر فى نفسه السفر خارج مصر، ولم يخبرنى بذلك وصادف أن كان فى هذه الأيام موسم الحج فقدم للحج وتمم كل الإجراءات دون أن يخبر أحدا بذلك، لا أنا ولا أحدا من أهلى.
وتكمل: وذهبت إلى والدتى وأخبرتها أننا سنسافر للحج فلم تصدق وقالت لى: أنت ما عندك ملابس الحج ولا حضرنا لكم شيئا فقلت لها: سألبس ملابسك، وكانت ملابسها التى حجت بها سوداء ونحن لا نهتم بالالتزام بالملابس البيضاء ونعلم أنها ليست ضرورية للحج، وسافرنا على الباخرة مصر وبعد أن أبحرت الباخرة وفتحت الشنط لآخذ بعض الملابس فوجئت بأنه وضع فيها ملابسه الإفرنجية البدل والقمصان والكرافتات ولما سألته عن ذلك، قال: ربما نحتاج إليها وصرح لى بأنه لن يعود وأنه أرسل لأخيه فى السودان أن يستخرج له ولى فيزا للدخول وأننا سنسافر إلى السودان، وحاولت إقناعه بالعودة إلى مصر ووسطت بعض الإخوان الموجودين معنا فى الحج، وحاول الجميع إقناعه ولكنه أصر على عزمه.
وذهب عبدالكريم منصور وزوجته فوزية البنا إلى السودان وعاشا هناك ثلاث سنوات كانت أيام شقاء واضطر إلى بيع الفاكهة بعدما صرف مبلغ التعويض الذى حكم به فى قضية اغتيال حسن البنا.
وتنتقل بعد ذلك فوزية البنا إلى أهم مراحل حياتها هى وزوجها عبدالكريم منصور وهى الانتقال للمملكة العربية السعودية والتى أمضوا فيها أربعين عامًا تكونت خلالها لهم ثروات ضخمة وبدأوا حياتهم هناك بالحصول على الجنسية السعودية والتى كانت أمرًا يسيرًا للإخوان فى هذه الفترة وكيف كان اسم أخيها حاضرًا هناك ويزيل أحيانًا بعض العقبات فى طريقها هى وزوجها.
ظلت «فوزية البنا» تحمل بداخلها حنقًا على الثورة وعلى الرئيس جمال عبدالناصر ويظهر ذلك جليًا فى أكثر من مقطع من مذكراتها فتجدها تتعامل أن اعتبار فلان مثلاً من أنصار عبدالناصر كأنه سُبة تنتقص من الشخص.
وتبدأ فوزية البنا بعد ذلك رحلتها مع المرض وتدخل فى غيبوبة لمدة سبعة أيام مكثت خلالها فى العناية المركزة .
وظلت نوبات المرض تلاحقها إلى أن فارقت الحياة فى أكتوبر 1997 وقد سبقها زوجها ولم يكن قد أنجبا، ويقول جمال البنا معقبًا على ثروة عبدالكريم منصور: عندما تيسرت أموره كان يشترى أراضى فاشترى فى السودان واشترى فى الفيوم وأشرف على بناء بيت الشقيقة فى المدينة المنورة التى تبرعت به لجمعية تحفيظ القرآن، وكان يكتب بعضها باسم أحد أفراد الأسرة دون أن يعلم الذى كتبت له كما حدث فى أرض السودان وكانت قطعة أرض فى جزيرة فى النيل تواجه فندق الهيلتون بالخرطوم فقد كانت لديه نية التبرع بها للأستاذ أحمد سيف الإسلام ابن الإمام الشهيد حسن البنا، ولكنه غير فكره وكتبها باسم فوزية دون أن تدرى فوزية أو سيف، وعندما تيسرت له الحال بعد ذلك كان يتبرع للأستاذ أحمد سيف الإسلام عندما دخل الانتخابات بمبالغ سخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.